غالباً ما تأتي الإشاعات المُغرضة لتشويه كل حدث مهمّ. وبالنسبة لفرنسا، فقد كان الفوز بكأس العالم، للمرة الثانية، مناسبة من بعضهم لتعكير الفرحة والجذل، فسارعت بعض وسائل الإعلام إلى بثّ الكثير من الإشاعات والصُوَر المغرضة، عشية الفوز الكبير، على شبكات التواصل الاجتماعي، فيسبوك وتويتر، مخترعة مآسي وكوارث، ما أنزل الله بها من سلطان.
انتشر، كالنار في الهشيم، خبر 89 قتيلاً، وانتشرت أيضاً صُوَرٌ بَادَرَ موقع "نورد-بريس"، وهو موقع إلكتروني بلجيكي ساخر، شبيهٌ بموقع "غُرافي" الفرنسي (الذي يعتبر قلبا لكلمات صحيفة لوفيغارو) على الفور، بنشرها، وحظيت بتجاوُب كبير.
والمذهل، كما تكتب صحيفة لوموند، يوم 17 يوليو/تموز، أن هذا الخبر الكاذب، مصحوباً بصورة حريق في مكان حضري، تمّ تقاسمه 15 ألف مرة على شبكات التواصل الاجتماعي، بعنوان صادم "حصيلة باريس الدامية: 89 قتيلا، وإحراق 13 ألف سيارة، و123 قتيلا خفيفا".
والأخطر في الأمر أنه إلى جانب قراء ومشاهدين يأخذون الأمر مأخذ الهزل، يوجد كثيرون صدّقوا "المعلومة".
ويحرص موقع "نورد-بريس"، من باب تبرئة الذمة، على تضمين إشارات قانونية، من قبيل: "بعض الأخبار المقدمة على هذا الموقع هجائية و/أو هزلية".
والحقيقة، كما تؤكد صحيفة لوموند، أنه لم يُسجَّل سقوط أي قتيل في باريس، كما أن رقم 12 ألف سيارة تعرضت للحرق هي كلها من وحي خيال الموقع.
Twitter Post
|
ولكنه، وبعيدا عن الأفعال المغلوطة التي تضمّنها العنوان، فإن المقال يتضمن سلسلة صُوَر يُفترَض فيها أن توضّح التدفق البشري بعد نهاية المباراة. ولكنّ معظم الصُوَر أخرجت من سياقها.
وترى صحيفة لوموند أن الصورة الأولى، من بين ثلاث صُوَر، توضح أعمال شغب في جاكرتا، سنة 1998. بينما تمثل الصورة الثانية سيارة محترقة في تظاهرات وأعمال شغب في فانكوفر بكندا، سنة 2011. والثالثة، مصدرها اليونان، والتقطت أثناء تظاهرات ديسمبر/كانون الأول 2008.
ثمة صُوَر أخرى أخرجت من سياقها، الأولى، تمثّل أحد أفراد الشرطة في لباس مضاد للشغب، والتقطت في باريس يوم 19 سبتمبر/أيلول سنة 2013، بينما الثانية، وهي أقدم، زمنيا، فتوضح أحداثا جرت في الجزائر، يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول، سنة 1988.
ولكن الشيء المثير للقلق، هو أن هذا المقال تقاسَمَه آلاف على الشبكة، مع توجيه اللوم والتعنيف لكرة القدم وللحكومة، وهما بريئتان من الأمر. ويمكن قراءة تغريدات غاضبة من قبيل: "89 قتيلا في باريس، سيكون يوما مأساويا، وبسبب مسؤولية بعضهم ستعيش عائلاتٌ الحدادَ، طيلة حياتها".
Twitter Post
|
ولا تنفي الصحيفة الفرنسية حقيقة ما جرى في ليلة الأحد، 15 يوليو/تموز، حيث كانت باريس مسرحا لبعض الحوادث والتخريب. وتنقل لوموند عن صحيفة "20 دقيقة"، إصابة 3 دركيين وشرطي واحد بجروح خفيفة، كما تعرضت بعض المتاجر في الشانزيليزيه للتخريب، وأصيب مواطن بجراح خطرة أثناء مشاجرة.
ولم يكتف هذا الموقع الساخر، "نورد-بريس" بما ذكر من أخبار مغرضة، بل تكشف لوموند أنه نجح، من قبل، في استدراج صحافيين في جريدة لوباريزيان، اليومية، التي نقلت عنه كثيرا من المقالات أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية.
ولم تكن فرنسا وحدها، ضحية هذه الأخبار المغرضة، فقد تقاسم مائة ألف شخص تغريدة، تصور تظاهرة ضخمة، لمتظاهرين بزيّ أحمر، وعليها تعليق: "كرواتيا، في هذه اللحظات". ولكنّ الصُوَر، في واقع الأمر، لا علاقة لها بكرواتيا ولا بكرة القدم، كما أكّد صحافيو وكالة الأنباء الفرنسية. بل هي صُوَر التقطت في إسبانيا، أثناء احتفالات دينية في 6 يوليو/تموز.
وتتحدث لوموند عن صُوَر بثتها قناة "نافارا"، عن إطلاق صاروخ إيذاناً ببداية الاحتفالات، فسارعت بعض وسائل الإعلام الفرنسية، التي وقعت في فخّ تغريدة فيروسيّة، إلى اعتبارها متعلقة بكأس العالم.
كما أن صُوَرا عديدة، تتضمن حرائق في الشارع، وتخريبا وأشخاصا مقنعين، وسماء مغطاة بالدخان، تقاسَمَها أكثر من 300 شخص تعود إلى تظاهرات متضامنة مع الشعب الفلسطيني، 19 يوليو/تموز سنة 2014، التقطها مصوّر وكالة رويترز، فوجازير، ونشرت من قبل في موقع ليزانروكيبتيبل ثم موقع "فانيتي فير".
كما أن صورة أخرى، تم تبادلها، التقطت في حقيقة الأمر، بساحة الباستيل، في باريس، يوم 13 يوليو/تموز 2014، من قبل مصور وكالة الأنباء الفرنسية، كينزو تريبويار، وهي موجودة في موقع صحيفة لوموند.