حين صدر قرار الملك السعودي بمنح النساء في السعودية رخصة قيادة السيارة، في أواخر الشهر الماضي، ما لبث أن وُصف بـ"التاريخي"، ملاقياً موجة من الاستحسان والتصفيق الإقليمي والدولي. قد نظن للوهلة الأولى أن "السيستم" في السعودية بات مرناً في ما خص حقوق النساء، وأن هذه الخطوة قد تمهّد لخطوات أخرى إيجابية في المستقبل.
لكن التدقيق في هذا القرار، يظهر أن المشكلة أعقد بكثير والقرار وحده لن يُفضي بشكل تلقائي إلى جلوس النساء خلف مقود السيارة في أوائل العام 2018 (كما يشير القرار).
ثمة مستويات عدة يجب التطرق إليها لدى البحث في هذه الخطوة "التاريخية". وأول هذه القضايا هي، هل يمكن فصل حصول النساء على رخصة القيادة عن نظام الولاية القائم في السعودية؟ يفضي نظام الولاية أولاً إلى وجود "ولي أمر" للنساء مهما كان عمرهن أو وضعهن الاجتماعي أو السوسيو-اقتصادي. وولي الأمر هذا الذي قد يكون الابن في بعض الأحيان (أو الزوج أو الأب أو الأخ، إلخ...)، ما يفرض قيوداً على حق النساء بالحركة والتجوّل في الحيز العام، سواءً كان للسفر أو التنقل وخلافه. إذاً، قرار خروج النساء من المنزل لا يزال مرتبطاً بقرار من ولي الأمر، وخروجها هو ربما أمر شرطي يجب الحصول عليه قبل الحق بالجلوس خلف المقود.
المستوى الثاني المرتبط بشكل من الأشكال بالأول هو الاستعداد الثقافي والاجتماعي لقبول وجود النساء في "الحيّز العام" أي في الأماكن العامة وفي الشارع وخلف المقود. قد تلاقي هذه الخطوة عدة أشكال من المقاومة اللاواعية الذكورية والتي قد تتراوح ما بين ارتفاع نسب التحرّش الجنسي بالنساء في الشارع، وصولاً إلى حد قتلهن. وهذا الخوف كانت قد عبّرت عنه نساء كثيرات حين سئلن عن كيفية تقبلهن مثلَ هذه الخطوة.
وعليه، نتيجة المستويات السابقة، قد ينتج نوع من "المقاومة الذاتية" التي تتمثل بفرض رادع داخلي من قبل النساء، ما يجعلهن رافضات للخروج وقيادة السيارة خشية من الولي (الفرد) أو من التحرّش والمضايقة (الجماعة). وهكذا ينتج عن هذا الأمر نوع من التكبيل الذاتي. وهذا الأمر غالباً ما يكون الغاية التي تطمح إليها السياسات العامة للنظم الذكورية، فليس هناك أفضل من أن تصبح القيود مفروضة ذاتياً، ولن يكون هناك حاجة إلى استثمار الموارد لتعزيزها.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن تدقيق النظر في هذا القرار قد يبدو وكأنه إحدى الأدوات الذكورية التي استخدمت جاعلة من حقوق النساء أداة ليظهر من يستخدمها بمظهر "تقدمي" وليلاقي استحساناً من "الآخر المختلف والذي لدي معه مصالح اقتصادية مختلفة". فهل يكون هذا القرار أداةً لتمهيد الطريق نحو تسويات أو اتفاقيات معينة؟
*ناشطة نسوية