31 أكتوبر 2024
قوة عظمى رصيدها دمار سورية
كان العالم، قبل 31 سبتمبر/ أيلول 2015، يتعاطى مع روسيا بوصفها قوة إقليمية متنمرة، تسعى للبروز في محيطها والمشاكسة على أدوار اللاعبين الكبار وحضورهم، أميركا واوروبا، قرب حدودها، وقد وصل حال الاستخفاف بها إلى درجة أن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، لم يجد غضاضةً في توصيف روسيا دولة إقليمية، في إشارة منه إلى رفض محاولاتها، وربما عروضها، للحصول على تعامل ندّي مع القوى الكبرى.
كانت يوميات الحرب السورية، على الرغم من كارثيتها، فرصة لتندّر إعلام الغرب وساسته على أداء روسيا العسكري، وأدواتها الحربية في سورية، فقد امتلأت صفحات الكاريكاتير في الصحف الغربية بصور حاملة الطائرات الروسية ذات الدخان الأسود، كما تهكّمت التقارير على صواريخ روسيا المجنّحة التي سقطت في إيران، فضلاً عن الغمز واللمز من عشوائية السلاح الروسي.
وحدهم السوريون الذين كانوا يعيشون بدمهم ولحمهم تحت حمم الأسلحة الروسية كانوا يدركون مدى سماجة التندّر الغربي، ليس لأن الأسلحة الروسية دقيقةٌ بمقدار أكبر مما تصوّره النكتة الغربية، بل لأنها كثيفة وغزيرة، وإن تخطئ واحدة فالأخرى تصيب الهدف. ولأن التندر الغربي شكّل محرّكاً للروس، كي يثبتوا للغرب أنهم قادرون على التدمير والقتل إلى أقصى درجة، ما دام الغرب قد حصر تحدّيه روسيا بقدرتها على هزيمة السوريين.
في سبيل ذلك، كان على روسيا أن تحضر الجيوش الجرّارة إلى سورية، وقد اعترف وزير دفاعها باشتراك حوالي خمسين ألف جندي روسي في الحرب على السوريين. ويعرف الغرب أن الروس يكذبون حتى بعدد الجنود الذين يشتركون في المناورات، ففي وقتٍ يعلنون فيه عن اشتراك عشرة آلاف جندي، تؤكد مراكز الرصد الغربية أن العدد يصل إلى حدود مائة ألف جندي، هذا على مستوى مناورات، فكيف عندما يتعلق الأمر بالحروب؟ ناهيك عن أكثر من مئتي ألف مقاتل أمنتهم إيران، ومثلهم جنّدهم نظام الأسد.
على المستوى التسليحي، استخدمت روسيا كامل طقم أسلحتها، الإستراتيجية والتقليدية، باستثناء النووي، ربما بأحجامه الكبيرة، ذلك أن الأيام ربما تكشف أن روسيا قد استخدمت نماذج معينة ومخففة من هذا السلاح، إذ في حالات كثيرة، كانت أعداد القتلى نتيجة الغارات الروسية وحجم الدمار يفوق طاقة الأسلحة التقليدية على صناعته، كما حصل في مناطق في إدلب وحلب.
ولم تقصّر روسيا في استخدام طاقتها الدبلوماسية إلى أبعد الحدود، قوّة رديفة لآلتها العسكرية في سورية، سواء عبر "الفيتوهات" التي رفعتها في مجلس الأمن لمواجهة أي محاولةٍ لوقف الحرب، وتعطيل ألة القتل وضبطها، أو من خلال توضيب التسويات والتفاهمات مع الدول
الإقليمية، لمحاصرة السوريين الثائرين، وقطع طرق إمدادهم، وكان ذلك كله يجري فيما الغرب كان لا يزال مستلقياً على ظهره من الضحك، على ما سماها المغامرة الروسية في سورية!
لم يطل الوقت حتى بدأت الصور تكشف حجم الدمار الرهيب الذي خلفته آلة الحرب الروسية. أجزاء من مدن مسحت من الخريطة، ومساحات واسعة من الأرياف كانت موجودة يوما، وقد كان مقدّراً أن تشكل هذه الصور والمآسي الإنسانية التي رافقتها صدمة في الغرب الذي يدّعي أنه يقف إلى جانب حق الشعوب في الحرية والحياة، غير أن المفاجأة أن هذه الصور شكلت أوراق اعتماد روسيا للعودة إلى مرتبة القوّة العظمى، وموافقة الغرب على أنها لم تعد قوّة إقليمية غير مسؤولة!.
يذكّرنا هذا المنطق بروايات الحرافيش والفتوات في الأدب العربي، وخصوصا روايات نجيب محفوظ، حيث تستلزم ترقية شخصٍ من الطبقة الدنيا إلى النخبة القريبة من الفتوّة، أو وضعه على السكّة التي توصل إلى منصب الفتوّة، قيامه بعملية قتل أحد الأشخاص اختبارا ودليلا على قوّته وقساوة قلبه وتوحّشه. وغالباً ما تكون الضحية امرأة حرّة لا ترضخ لرغبات الفتوّة، أو رجلا نظيف الكف يعتبره الفتوّة منافساً محتملاً، بمعنى أن الضحايا هم ممثلو الخير والجمال والحق في المجتمع.
وضع الغرب روسيا أمام هذا الاختبار السوري الرهيب، وحفّزها على القيام به، وجعل سورية عنوانا لمساعي روسيا للعودة إلى مرتبة القوى العظمى، وكأنه يقول، دمّروا سورية، وستفتح لكم أبواب نادي القوى العظمى، إذ ليس لدى روسيا من أرصدةٍ تؤهلها لشغل ذلك الموقع. حتى على الصعيد الدبلوماسي، أتيحت لروسيا الفرصة لاستعراض مهارات دبلوماسيين لم يكن يسمع بهم العالم، ولا أحد يعرفهم اليوم خارج حالات التشاطر على مفاوضي المعارضة السورية.
وعكس ما حاول ساسة الغرب إيهام العالم به من أنهم كانوا ينتظرون روسيا على الضفة الأخرى، تتوسلهم لإنقاذها، فقد كانوا يعرفون مدى ثقل يدها العسكرية، ويؤكد على ذلك وصف وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، روسيا بأنها "منغلقة وقبيحة وذات نزعة حربية ومناهضة للديمقراطية، مثل إسبرطة".
ثمّة مؤشرات كثيرة على قبول الغرب روسيا في موقع القوة العظمى، بعد إنجاز مهمتها السورية. وحدهم السوريون يعرفون كيف استحقت روسيا هذه الرتبة، والثمن الذي دفعوه لتظهير تلك العظمة.
كانت يوميات الحرب السورية، على الرغم من كارثيتها، فرصة لتندّر إعلام الغرب وساسته على أداء روسيا العسكري، وأدواتها الحربية في سورية، فقد امتلأت صفحات الكاريكاتير في الصحف الغربية بصور حاملة الطائرات الروسية ذات الدخان الأسود، كما تهكّمت التقارير على صواريخ روسيا المجنّحة التي سقطت في إيران، فضلاً عن الغمز واللمز من عشوائية السلاح الروسي.
وحدهم السوريون الذين كانوا يعيشون بدمهم ولحمهم تحت حمم الأسلحة الروسية كانوا يدركون مدى سماجة التندّر الغربي، ليس لأن الأسلحة الروسية دقيقةٌ بمقدار أكبر مما تصوّره النكتة الغربية، بل لأنها كثيفة وغزيرة، وإن تخطئ واحدة فالأخرى تصيب الهدف. ولأن التندر الغربي شكّل محرّكاً للروس، كي يثبتوا للغرب أنهم قادرون على التدمير والقتل إلى أقصى درجة، ما دام الغرب قد حصر تحدّيه روسيا بقدرتها على هزيمة السوريين.
في سبيل ذلك، كان على روسيا أن تحضر الجيوش الجرّارة إلى سورية، وقد اعترف وزير دفاعها باشتراك حوالي خمسين ألف جندي روسي في الحرب على السوريين. ويعرف الغرب أن الروس يكذبون حتى بعدد الجنود الذين يشتركون في المناورات، ففي وقتٍ يعلنون فيه عن اشتراك عشرة آلاف جندي، تؤكد مراكز الرصد الغربية أن العدد يصل إلى حدود مائة ألف جندي، هذا على مستوى مناورات، فكيف عندما يتعلق الأمر بالحروب؟ ناهيك عن أكثر من مئتي ألف مقاتل أمنتهم إيران، ومثلهم جنّدهم نظام الأسد.
على المستوى التسليحي، استخدمت روسيا كامل طقم أسلحتها، الإستراتيجية والتقليدية، باستثناء النووي، ربما بأحجامه الكبيرة، ذلك أن الأيام ربما تكشف أن روسيا قد استخدمت نماذج معينة ومخففة من هذا السلاح، إذ في حالات كثيرة، كانت أعداد القتلى نتيجة الغارات الروسية وحجم الدمار يفوق طاقة الأسلحة التقليدية على صناعته، كما حصل في مناطق في إدلب وحلب.
ولم تقصّر روسيا في استخدام طاقتها الدبلوماسية إلى أبعد الحدود، قوّة رديفة لآلتها العسكرية في سورية، سواء عبر "الفيتوهات" التي رفعتها في مجلس الأمن لمواجهة أي محاولةٍ لوقف الحرب، وتعطيل ألة القتل وضبطها، أو من خلال توضيب التسويات والتفاهمات مع الدول
لم يطل الوقت حتى بدأت الصور تكشف حجم الدمار الرهيب الذي خلفته آلة الحرب الروسية. أجزاء من مدن مسحت من الخريطة، ومساحات واسعة من الأرياف كانت موجودة يوما، وقد كان مقدّراً أن تشكل هذه الصور والمآسي الإنسانية التي رافقتها صدمة في الغرب الذي يدّعي أنه يقف إلى جانب حق الشعوب في الحرية والحياة، غير أن المفاجأة أن هذه الصور شكلت أوراق اعتماد روسيا للعودة إلى مرتبة القوّة العظمى، وموافقة الغرب على أنها لم تعد قوّة إقليمية غير مسؤولة!.
يذكّرنا هذا المنطق بروايات الحرافيش والفتوات في الأدب العربي، وخصوصا روايات نجيب محفوظ، حيث تستلزم ترقية شخصٍ من الطبقة الدنيا إلى النخبة القريبة من الفتوّة، أو وضعه على السكّة التي توصل إلى منصب الفتوّة، قيامه بعملية قتل أحد الأشخاص اختبارا ودليلا على قوّته وقساوة قلبه وتوحّشه. وغالباً ما تكون الضحية امرأة حرّة لا ترضخ لرغبات الفتوّة، أو رجلا نظيف الكف يعتبره الفتوّة منافساً محتملاً، بمعنى أن الضحايا هم ممثلو الخير والجمال والحق في المجتمع.
وضع الغرب روسيا أمام هذا الاختبار السوري الرهيب، وحفّزها على القيام به، وجعل سورية عنوانا لمساعي روسيا للعودة إلى مرتبة القوى العظمى، وكأنه يقول، دمّروا سورية، وستفتح لكم أبواب نادي القوى العظمى، إذ ليس لدى روسيا من أرصدةٍ تؤهلها لشغل ذلك الموقع. حتى على الصعيد الدبلوماسي، أتيحت لروسيا الفرصة لاستعراض مهارات دبلوماسيين لم يكن يسمع بهم العالم، ولا أحد يعرفهم اليوم خارج حالات التشاطر على مفاوضي المعارضة السورية.
وعكس ما حاول ساسة الغرب إيهام العالم به من أنهم كانوا ينتظرون روسيا على الضفة الأخرى، تتوسلهم لإنقاذها، فقد كانوا يعرفون مدى ثقل يدها العسكرية، ويؤكد على ذلك وصف وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، روسيا بأنها "منغلقة وقبيحة وذات نزعة حربية ومناهضة للديمقراطية، مثل إسبرطة".
ثمّة مؤشرات كثيرة على قبول الغرب روسيا في موقع القوة العظمى، بعد إنجاز مهمتها السورية. وحدهم السوريون يعرفون كيف استحقت روسيا هذه الرتبة، والثمن الذي دفعوه لتظهير تلك العظمة.