أفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، مساء السبت، بأن الأسيرين الجريحين الشقيقين أحمد ومحمد جدعون (22 و27 عاماً) من مخيم جنين، يقبعان في وحدة العناية المكثفة بمستشفى العفولة بوضع صحي خطير ومقلق.
ووفق بيان لهيئة الأسرى، فإن الجريح محمد جدعون فاقد للوعي، وفقد كميات كبيرة من الدماء بسبب إصابته البليغة والخطيرة للغاية بالقدم اليسرى، حيث أجريت له عملية جراحية لإزالة بعض الشظايا، وستجرى له عملية أخرى اليوم الأحد.
وأوضحت الهيئة بما يتعلق بالجريح أحمد أنه تم نقله لوحدة العناية المكثفة عصر السبت، وهو تحت تأثير المخدر، بسبب إصابته البالغة بالوجه والرقبة، والتي صنّفت على أنها بين المستقرة والصعبة، حيث أجريت له عمليتان جراحيتان ظهر السبت، وستجرى له أخرى خلال الأيام المقبلة في منطقة الرقبة.
وحمّلت هيئة الأسرى، سلطات الاحتلال الإسرائيلي والوحدة التي اقتحمت منزل عائلة جدعون المسؤولية الكاملة عن حياة الشقيقين، مؤكدة أن ما حصل هو محاولة اغتيال حقيقية بصورة بشعة ومتعمّدة.
وكانت عائلة فضل الشيخ قاسم، المعروفة باسم عائلة "جدعون"، قد استيقظت السبت على صوت انفجار ضخم هزّ مخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، بالتزامن مع اقتحام عشرات جنود الاحتلال الإسرائيلي للمخيم، وما زالت العائلة تعيش الصدمة، إذ اتضح أن ذلك الصوت الضخم سببه انفجار قنبلة على باب منزلها، وكادت أن تُفقِد اثنين من أبنائها الحياة؛ محمد 27 عاماً، وأحمد 22 عاماً، واللذين أصيبا بجراح خطيرة.
ولم يتمكن جيران العائلة من النظر من نوافذ منازلهم، فالقناصة في كل مكان، والجنود اتخذوا وضعية الاستعداد. مرت الدقائق ثقيلة على أهالي المخيم، لكنها كانت أشبه بالكارثة على العائلة المستهدفة، بعد إصابة نجليها واعتقالهما.
يبدو المنزل وكأن حرباً طاحنة كانت تدور فيه، الدماء في كل مكان، مع تطاير قطع صغيرة من جسدي الشقيقين المصابين على الأرض، أما شظايا الانفجار فتركت آثاراً غائرة على سقف المنزل وجدرانه وأثاثه.
التفاصيل حسب رواية صاحب المنزل، فضل الشيخ قاسم لـ"العربي الجديد"، تشير إلى أن قوة خاصة إسرائيلية "مستعربون"، كانوا يرتدون ملابس مدنية اقتحموا مخيم جنين نحو الساعة السابعة صباحاً بالتوقيت المحلي، وحاصروا منزل عائلة جدعون، مرجحين أن كافة أفراد العائلة متواجدون في الطابق العلوي من المنزل المكون من طابقين، وعمل الاحتلال على زرع قنبلة شديدة الانفجار على باب المنزل الذي حولته القنبلة إلى "خردة" من الحديد، وقذفته إلى الداخل بقوة كبيرة، وتطايرت الشظايا في كل مكان.
ووفق صاحب المنزل، فإن ما لم يكن يعلمه الاحتلال أن محمد وأحمد كانا ينامان في الطابق الأرضي على فرشتين متقابلتين تبعدان 3 أمتار فقط عن الباب الذي فجره جنود الاحتلال، ما تسبب بإصابتهما بجراح خطيرة للغاية.
هبط الأب وبقية العائلة سريعاً من الطابق العلوي ليذهلوا بالمشهد "بركة من الدماء كانت على الأرض، محمد وأحمد يصيحان من الألم، وجنود الاحتلال في كل مكان، منعونا أن نقترب، لكننا رفضنا وحاولنا الاقتراب منهما، يا له من مشهد أن ترى ولديك يموتان ولا تستطيع أن تساعدهما"، يروي الأب المكلوم، ويقول "كان منظر الغرفة التي تواجدا فيها قد تغير تماماً، الشظايا حفرت الجدران والسقف والفراش يقطر دماً، البلاط خلع من مكانه، كل ذلك لا يهم مقابل حياة أولادي".
وعن حالة ابنيه يؤكد الوالد، أن محمد كان ينزف من خاصرته حتى قدميه، بينما أصيب أحمد في رقبته، لكن فداحة الحادثة لم تحل دون اعتقال جنود الاحتلال للشابين، فبعد تقديم العلاج الأولي لهما، تم نقلهما على حمالة إلى جهة مجهولة، ولاحقاً علمت العائلة بأن ابنيها يتواجدان في مستشفى "العفولة" الإسرائيلي، وسط حراسة مشددة من الاحتلال.
جرح عائلة جدعون لم يكن حديثًا، بل إن لها ابناً ثالثاً وهو عمر جدعون، ما زال يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ نحو عام، كما توفيت والدة الأسرى الثلاثة فاطمة جدعون في يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث كان أحمد وعمر يقبعان في سجون الاحتلال حينها، وأفرج عن أحمد لاحقاً، قبل أن يعاد اعتقاله صباح اليوم، ولم يسبق أن تعرض محمد للاعتقال من قبل.
من جهته، طالب "نادي الأسير" الفلسطيني، سلطات الاحتلال بالكشف عن مصير الشقيقين محمد وأحمد جدعون، بعد أن نفذت قوات الاحتلال جريمة تفجير باب منزل عائلتهما بعبوة تسببت بإصابتهما بشظايا في مختلف أنحاء جسديهما، وذلك قبل اعتقالهما لاحقاً.
واعتبر النادي، في بيان وصل إلى "العربي الجديد" نسخة منه، السبت، "هذه الجريمة جزء من سلسلة الجرائم الطويلة التي تنفذها قوات الاحتلال يومياً أثناء عمليات الاعتقال، والتي طاولت منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر يوليو/ تموز 2020، نحو 2759 فلسطينياً؛ منهم الأطفال والنساء، تخللتها عمليات إطلاق نار على المعتقلين، واعتداءات بالضرب المبرح طاولت كذلك عائلاتهم".
كما تخللت الاعتقالات، وفق "نادي الأسير"، عمليات الترهيب التي تتعمد بثها قوات الاحتلال منذ لحظة الاعتقال، حتى زج المعتقلين في مراكز التوقيف والتحقيق، كجولة من عمليات التعذيب وسوء المعاملة التي يتعرضون لها، وتمتد عمليات القمع والتنكيل بعد نقلهم إلى السجون، من خلال عمليات الاقتحام والتفتيش، والتي كان آخرها ما جرى في سجن "عوفر" عقب استشهاد الأسير داوود الخطيب، وتسببت بإصابات بين صفوف الأسرى، حيث تعمدت إدارة السجن رش الأسرى في بعض الغرف بالغاز خمس مرات متتالية.
ويؤكد "نادي الأسير" أن هذه الجريمة تأتي في ظل مئات المطالبات بالضغط على الاحتلال لوقف عمليات الاعتقال اليومية، خاصة في ظل استمرار انتشار وباء فيروس "كورونا"، وفي الوقت الذي يواجه فيه العالم الوباء، يواجه الفلسطينيون خطر الوباء وجرائم الاحتلال، الذي حوّل الوباء إلى أداة قمع وتنكيل.