24 سبتمبر 2020
قمم ترامب والقضية الغائبة
اختار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وإدارته الجمهورية، أن تكون أولى زياراته الخارجية، في هذا الوقت المبكر من فترة رئاسته، إلى قلب منطقة الشرق الأوسط، وبالتحديد إلى المملكة العربية السعودية، والتي اتخذها قاعدة لعقد ثلاثة اجتماعات قمة، أولها أميركية – سعودية، وخصص لها اليوم الأول من الزيارة، والذي كان يوما سعودياً - أميركيا خالصاً. وعلينا أن نتوقف كثيراً أمام ما جرى فيها، وقد جاءت في سياق تاريخي شديد الأهمية بالنسبة لما تشهده منطقة الشرق الأوسط من اضطرابات، وتصدعات هائلة، وتحولات كبيرة في توازنات القوى، والمصالح الإقليمية والدولية، وما أعلنته إدارة ترامب من أنها عازمة على تطوير استراتيجية شرق أوسطية جديدة، تختلف عن التي كانت تتبعها إدارة الرئيس الديمقراطى السابق، باراك أوباما، والتي كانت تميل إلى الانسحاب التدريجي، أو في أحسن الظروف عدم التورط أكثر مما يجب في مشكلات المنطقة، من دون الوضع في الاعتبار ما سيترتب على تلك الإستراتيجية من فراغ، واحتمالات ملء ذلك الفراغ بقوى دولية، أو إقليمية، أو حتى قوى/ فاعلين من غير الدول "non state actors"، أو وقوع تغييرات حادة في نُظم الحكم التقليدية، والحليفة، أو تعم المنطقة حالة من الفوضى العارمة، وهو ما يتعارض مع المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية.
وأشار الرئيس ترامب، في كلمته الافتتاحية، إلى أن العلاقات الاستراتيجية التي تربط ما بين أميركا والمملكة السعودية تم وضع أساسها في أول قمة أميركية – سعودية، تم عقدها بين الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، في فبراير/ شباط 1945، والتي كانت على ظهر البارجة الأميركية كوينسي، في البحيرات المرة بقناة السويس، والتي أحيطت بالسرية، وجاءت في أثناء عودة روزفلت من مؤتمر يالطا الذي حدّد فيه الحلفاء المنتصرون، بقيادة أميركا، شكل النظام العالمي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك
منطقة الشرق الأوسط بطبيعة الحال، وقد أسفرت تلك القمة عن توقيع "معاهدة كوينسي"، نسبة إلى اسم البارجة الأميركية "يو إس إس كوينسي" التي تمت القمة على متنها، وهي المعاهدة التي أسست للعلاقة الإستراتيچية العميقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وقد كشف مضمون المعاهدة العقيد البحري الأميركي المتقاعد، وليم إيدي، والذي كان أول وزير مفوض أميركي في السعودية (1944-1946) في كتابٍ له، تمت ترجمته ونشره في العام 2008، وقد تضمنت المعاهدة أربع نقاط محددة، تنص الأولى على أن استقرار المملكة تحت حكم آل سعود جزء من المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وتتعهد بحماية هذا الاستقرار. والنقطة الثانية أن استقرار شبه الجزيرة العربية، وإعطاء القيادة الإقليمية للعربية السعودية، ودورها المهم في المنطقة، هو أيضاً جزء من المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وجاء في النقطة الثالثة أن المملكة، في المقابل، تضمن للولايات المتحدة إمدادات الطاقة، وتتضمنت النقطة الرابعة أُطر التعاون الاقتصادي، والتجاري، والمالي. ومدة المعاهدة ستون عاماً.
هذا عن المعاهدة الموقعة، أما الأهم فهو ما ورد فى مذكرات وليم إيدي، وغيرها من المصادر، عن الحديث الذي دار بين الرئيس روزفلت والملك عبد العزيز بشأن قضية كانت تمثل، في ذلك الوقت، محوراً رئيسيا في شكل الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء بقيادة أميركا، وهي ما كان يُعرف بالمسألة اليهودية، ومشروع إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين كما ورد في وعد بلفور 1917، وهو المشروع الذي تبناه الحلفاء بعد ذلك، طلب روزفلت من عبد العزيز أن يوافق، أو لا يعترض، على المشروع، وألح في طلبه، ولكن الملك عبد العزيز، وطبقاً لتلك المصادر، رفض رفضا واضحاً وقاطعاْ، وأن على الحلفاء البحث عن حل آخر للمسألة اليهودية لا يكون على حساب العرب وفلسطين، لأنهم لا دخل لهم بما تعرّض له اليهود في أوروبا من مظالم. وانتهى الحوار بوعد من روزفلت بأنه لن يتخذ قراراً في هذا الشأن من دون الرجوع للملك عبد العزيز. ثم توفي روزفلت بعد أشهر، واستكمل خلفاؤه من بعده المشروع الصهيوني، ولم يرجع أحد إلى الملك عبد العزيز، ولكن معاهدة كوينسي ظلت صامدة، على الرغم من إعلان قيام دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية في مايو/ أيار 1948، وعلى الرغم من ثلاث جولات من الحروب العربية – الإسرائيلية.
أحاط من وضع تلك الإشارة الخاصة بالقمة الأميركية - السعودية الأولى في 1945 فى متن الكلمة الافتتاحية للقمة كان قد أحاط الرئيس ترامب علما بتفاصيل ما جرى فيها من اتفاقات، وحوارات، وما جرى بعدها على مدى 72 عاماً، وأن الأمر يتطلب أن تكون قمة ترامب - سلمان تجديدًا، وتطويرا، لقمة روزفلت - عبد العزيز، على المرتكزات نفسها، مع الوضع في الاعتبار ما جرى من متغيراتٍ تتطلب تطويراً للآليات.
وتمت القمة المغلقة، وتم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بشأن رؤية استراتيجية مشتركة بين السعودية والولايات المتحدة، وقعها الملك سلمان والرئيس ترامب، ولم يتم الإعلان عمّا تضمنته تلك الرؤية، وأعقب ذلك توقيع 16 اتفاقية عسكرية واقتصادية، قيمتها أكثر من 465 مليار
دولار، منها حوالى ١١٥مليارا بشكل فوري، والباقي على مدى بضع سنوات. وهذا ما تم الإعلان عنه، وما شاهده العالم، ولا أعتقد أنه يختلف كثيراً، من حيث المضمون، عما جاء في معاهدة كوينسي من التزامات متبادلة. ولكن، يبقى السؤال الأكثر أهمية بالنسبة لمن لا زالوا يتمسكون بأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية، وأن قضية القدس محورية لكل الأمة الإسلامية، ونحسبهم كثيرين، وهو هل تطرق الحديث بين الملك والرئيس إلى تلك القضية؟ واذا كان هذا قد حدث، فما هو فحوى ذلك الحديث؟
أعقبت القمة الرئيسية قمة ضمت قادة دول مجلس التعاون الخليجي، تم الإعلان بعدها عن الاتفاق على إنشاء آلية لمراقبة ومنع حركة الأموال لتمويل منظمات التطرّف والإرهاب. ثم كان الختام بعقد القمة الاحتفالية الكبرى، وهي الأميركية - الإسلامية التي شارك فيها ملوك ورؤساء وممثلون لنحو 56 دولة. وقد استحقت زيارة ترامب وصفها بأنها ملحمية، بالنظر إلى أن فعاليات عديدة جرت خلالها: اتفاقيات، وصفقات بمئات المليارات من الدولارات، وتفاهمات، والأهم، قمم ثلاثة، أبرزها قمة أميركية - سعودية لتجديد معاهدة كوينسي التاريخية، أعقبتها قمة تكميلية، جمعت دول مجلس التعاون، والتي تمثل مركز الثقل الرئيسي للنفوذ الأميركي في المتطقة. أما القمة الثالثة فهي بروتوكولية، لتدشين زعامة السعودية، ولتشكيل قوة إسلامية، احتياطية، للتدخل لمحاربة الإرهاب إذا لزم الأمر، قوامها 34 ألف جندي، بعد إعلان أميركا أنها لن تحارب الإرهاب نيابة عن أحد.
وانطلق ترامب من الرياض إلى تل أبيب، ليستقبله نتنياهو، ويقول له "أنت قادم من الرياض إلى تل أبيب، وأنا أتطلع إلى اليوم الذي أتوجه فيه من تل أبيب إلى الرياض. وليقول ترامب فى كلمته إنه لمس، في لقاءاته في الرياض، أن هناك ما يجمع العرب وإسرائيل، وهو العدو المشترك إيران، وركز على السعودية، وأن الوقت مناسبٌ لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولم يقل كيف، ولا على أي أساس، وبين الإسرائيليين وأي فلسطينيين على وجه التحديد.
وانطلق ترامب إلى القدس ليزور كنيسة القيامة، وليرتدي الطاقية اليهودية، ويصلي أمام حائط البراق (المبكى). وفي اليوم التالي زار بيت لحم وكنيسة المهد، والتقى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي أكد اعترافه بدولة إسرائيل، على الرغم من عدم اعترافها بدولة فلسطين، وعن استعداده لتحقيق السلام مع الإسرائيليين، برعاية ترامب الذي يأمل أن يدخل التاريخ باعتباره من حقق السلام بإيجاد حل للمشكلة الفلسطينية – الإسرائيلية.
أين صفقة القرن من ذلك كله؟ وهل حقاً هناك صفقة تتعلق بحل القضية الفلسطينية؟ أم كانت هي القضية الغائبة؟
عقد روزفلت في 1945 أول قمة أميركية – سعودية، وأعقبها بثلاث سنوات إعلان قيام دولة العدو الإسرائيلي، وكانت أميركا أول من أعلن الاعتراف بها، ونحن الآن في العام 2017 يعقد ترامب قمة أميركية – سعودية، جدّدت تفاهمات القمة الأولى، فهل ستعقبها تصفية القضية الفلسطينية؟ سيبقى الأمل في أنبل ما قدمه الشعب الفلسطيني، وهو المقاومة، المقاومة الوطنية المشروعة بهدف تحرير الأرض، والإنسان الفلسطيني. وهنا لابد من التذكير بأن "حماس" وكل حركات مقاومة الاحتلال ليست إرهابية.
وأشار الرئيس ترامب، في كلمته الافتتاحية، إلى أن العلاقات الاستراتيجية التي تربط ما بين أميركا والمملكة السعودية تم وضع أساسها في أول قمة أميركية – سعودية، تم عقدها بين الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، في فبراير/ شباط 1945، والتي كانت على ظهر البارجة الأميركية كوينسي، في البحيرات المرة بقناة السويس، والتي أحيطت بالسرية، وجاءت في أثناء عودة روزفلت من مؤتمر يالطا الذي حدّد فيه الحلفاء المنتصرون، بقيادة أميركا، شكل النظام العالمي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك
هذا عن المعاهدة الموقعة، أما الأهم فهو ما ورد فى مذكرات وليم إيدي، وغيرها من المصادر، عن الحديث الذي دار بين الرئيس روزفلت والملك عبد العزيز بشأن قضية كانت تمثل، في ذلك الوقت، محوراً رئيسيا في شكل الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء بقيادة أميركا، وهي ما كان يُعرف بالمسألة اليهودية، ومشروع إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين كما ورد في وعد بلفور 1917، وهو المشروع الذي تبناه الحلفاء بعد ذلك، طلب روزفلت من عبد العزيز أن يوافق، أو لا يعترض، على المشروع، وألح في طلبه، ولكن الملك عبد العزيز، وطبقاً لتلك المصادر، رفض رفضا واضحاً وقاطعاْ، وأن على الحلفاء البحث عن حل آخر للمسألة اليهودية لا يكون على حساب العرب وفلسطين، لأنهم لا دخل لهم بما تعرّض له اليهود في أوروبا من مظالم. وانتهى الحوار بوعد من روزفلت بأنه لن يتخذ قراراً في هذا الشأن من دون الرجوع للملك عبد العزيز. ثم توفي روزفلت بعد أشهر، واستكمل خلفاؤه من بعده المشروع الصهيوني، ولم يرجع أحد إلى الملك عبد العزيز، ولكن معاهدة كوينسي ظلت صامدة، على الرغم من إعلان قيام دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية في مايو/ أيار 1948، وعلى الرغم من ثلاث جولات من الحروب العربية – الإسرائيلية.
أحاط من وضع تلك الإشارة الخاصة بالقمة الأميركية - السعودية الأولى في 1945 فى متن الكلمة الافتتاحية للقمة كان قد أحاط الرئيس ترامب علما بتفاصيل ما جرى فيها من اتفاقات، وحوارات، وما جرى بعدها على مدى 72 عاماً، وأن الأمر يتطلب أن تكون قمة ترامب - سلمان تجديدًا، وتطويرا، لقمة روزفلت - عبد العزيز، على المرتكزات نفسها، مع الوضع في الاعتبار ما جرى من متغيراتٍ تتطلب تطويراً للآليات.
وتمت القمة المغلقة، وتم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بشأن رؤية استراتيجية مشتركة بين السعودية والولايات المتحدة، وقعها الملك سلمان والرئيس ترامب، ولم يتم الإعلان عمّا تضمنته تلك الرؤية، وأعقب ذلك توقيع 16 اتفاقية عسكرية واقتصادية، قيمتها أكثر من 465 مليار
أعقبت القمة الرئيسية قمة ضمت قادة دول مجلس التعاون الخليجي، تم الإعلان بعدها عن الاتفاق على إنشاء آلية لمراقبة ومنع حركة الأموال لتمويل منظمات التطرّف والإرهاب. ثم كان الختام بعقد القمة الاحتفالية الكبرى، وهي الأميركية - الإسلامية التي شارك فيها ملوك ورؤساء وممثلون لنحو 56 دولة. وقد استحقت زيارة ترامب وصفها بأنها ملحمية، بالنظر إلى أن فعاليات عديدة جرت خلالها: اتفاقيات، وصفقات بمئات المليارات من الدولارات، وتفاهمات، والأهم، قمم ثلاثة، أبرزها قمة أميركية - سعودية لتجديد معاهدة كوينسي التاريخية، أعقبتها قمة تكميلية، جمعت دول مجلس التعاون، والتي تمثل مركز الثقل الرئيسي للنفوذ الأميركي في المتطقة. أما القمة الثالثة فهي بروتوكولية، لتدشين زعامة السعودية، ولتشكيل قوة إسلامية، احتياطية، للتدخل لمحاربة الإرهاب إذا لزم الأمر، قوامها 34 ألف جندي، بعد إعلان أميركا أنها لن تحارب الإرهاب نيابة عن أحد.
وانطلق ترامب من الرياض إلى تل أبيب، ليستقبله نتنياهو، ويقول له "أنت قادم من الرياض إلى تل أبيب، وأنا أتطلع إلى اليوم الذي أتوجه فيه من تل أبيب إلى الرياض. وليقول ترامب فى كلمته إنه لمس، في لقاءاته في الرياض، أن هناك ما يجمع العرب وإسرائيل، وهو العدو المشترك إيران، وركز على السعودية، وأن الوقت مناسبٌ لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولم يقل كيف، ولا على أي أساس، وبين الإسرائيليين وأي فلسطينيين على وجه التحديد.
وانطلق ترامب إلى القدس ليزور كنيسة القيامة، وليرتدي الطاقية اليهودية، ويصلي أمام حائط البراق (المبكى). وفي اليوم التالي زار بيت لحم وكنيسة المهد، والتقى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي أكد اعترافه بدولة إسرائيل، على الرغم من عدم اعترافها بدولة فلسطين، وعن استعداده لتحقيق السلام مع الإسرائيليين، برعاية ترامب الذي يأمل أن يدخل التاريخ باعتباره من حقق السلام بإيجاد حل للمشكلة الفلسطينية – الإسرائيلية.
أين صفقة القرن من ذلك كله؟ وهل حقاً هناك صفقة تتعلق بحل القضية الفلسطينية؟ أم كانت هي القضية الغائبة؟
عقد روزفلت في 1945 أول قمة أميركية – سعودية، وأعقبها بثلاث سنوات إعلان قيام دولة العدو الإسرائيلي، وكانت أميركا أول من أعلن الاعتراف بها، ونحن الآن في العام 2017 يعقد ترامب قمة أميركية – سعودية، جدّدت تفاهمات القمة الأولى، فهل ستعقبها تصفية القضية الفلسطينية؟ سيبقى الأمل في أنبل ما قدمه الشعب الفلسطيني، وهو المقاومة، المقاومة الوطنية المشروعة بهدف تحرير الأرض، والإنسان الفلسطيني. وهنا لابد من التذكير بأن "حماس" وكل حركات مقاومة الاحتلال ليست إرهابية.