تستدعي القمة بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في هلسنكي، غداً الإثنين، بعض المخاوف والتشاؤم لدى جيران روسيا في شمال وغرب أوروبا، كما ينسحب التشكك إلى صحافة هذه المناطق، التي لم تتردّد في وصف الرئيس الأميركي بـ"المنفصم" و"المجنون" و"زعيم المافيا"، كما فعلت "شبيغل أونلاين" بوضوح العنوان: Der Pate.
خشية دول البلطيق، إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، يشاركها فيها بعض خبراء الأمن والسياسة، باستعادة كلام الرجل خلال حملته الانتخابية في عام 2016 عن "تقادم الحلف" (حلف شمال الأطلسي)، وما ذكره في قمة كندا للدول الصناعية السبع، وأعادت تأكيده "واشنطن بوست"، بوصف الحلف بـ"السيئ" مثل "نافتا" (اتفاقية التجارة الحرة بين دول أميركا الشمالية).
وبالنسبة إلى بعض الأوروبيين، يبدو أن ترامب، غير القلق من ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم، على الرغم من كل تصريحاته عن الالتزام بمعاهدة "الناتو"، شخص "غير ملتزم، ويتصرف بمنهجية المقايضة". ويخشى هؤلاء إمكانية تراجع الرجل في القمة، التي تمناها tête-à-tête "رأساً لرأس"، كما اقتبست عنه الصحف الأوروبية، في ما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية على موسكو، ووقف المناورات والتدريبات العسكرية في البلطيق وبولندا. وفي بال الأوروبيين ما رشح عن قمة ترامب – كيم جونغ أون في سنغافورة، حول "وعود بوقف المناورات نصف السنوية مع كوريا الجنوبية".
في هذا الاتجاه، تنقل صحيفة "انفورماسيون" الدنماركية عن العقيد السابق، الأستاذ في التاريخ العسكري بجامعة أوهايو، بيتر منصور، قوله عن قمة هلسنكي إنه "على الأرجح سيفعل الشيء ذاته الذي فعله في سنغافورة، فهو يريد إعلان انتصار دون مشقة العمل التفاوضي".
في الوقت ذاته، فإن أعضاء الحفنة الصغيرة والمؤثرة في الدائرة الضيقة لترامب، من مستشارين دفاعيين، كلورانس ويلكرسون، الذي عمل مع وزير الخارجية الأسبق كولن باول، يعتبرون أنه "لا حاجة لتوسعة حلف الأطلسي شرقاً، وليقدم الجنود الأميركيون أرواحهم للدفاع عن مقدونيا مثلاً". ويضيف ويلكرسون لـ"إنفورماسيون"، أنه "ليس سرّاً أن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يرى التدريبات العسكرية قرب حدود بلده تهديداً، وأتمنى أن يقدم ترامب تنازلات لوقفها، فالروس يتسلحون نووياً لأنهم يخافون، ولذلك يجب التوصل إلى حلول وسط تبقي على معاهدة خفض التسلح النووي لعام 1987 (حول الصواريخ البالستية بمدى 500 - 5500 كيلومتر)".
الآن، ما يُخيف دول البلطيق هو أن تذهب تأكيدات وزير دفاع ترامب، جايمس ماتيس، عن الالتزام بـ"الدفاع عن البلطيق"، أدراج الرياح خلال العامين المقبلين، خصوصاً توقعات إقالته في 2020، قبل الانتخابات الرئاسية التي يعيد ترامب الترشح فيها، بحسب "واشنطن تايمز".
الخشية المتعاظمة حيال تملّص ترامب من تعهدات أميركية تاريخية مع أوروبا، بمقايضةِ ما مع بوتين، المتهم بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، عبر اتهام المحقق روبرت مولر أخيراً لـ12 رجل استخبارات روسياً، أعادت تأكيدها "واشنطن بوست" في نهاية يونيو/ حزيران الماضي بجملةٍ قالها ترامب: "الحلف الأطلسي أسوأ من نافتا".
وفي تقريرها الشامل، كشفت الصحيفة الأميركية عن أن ترامب التقى بمستشاريه للأمن القومي، طارحاً عليهم أسئلة حول نجاعة بقاء 35 ألف جندي منتشرين في ألمانيا، وهو أمرٌ يراه العقيد المتقاعد بيتر منصور "خطراً على الدفاع عن بولندا، وسيجعل التحرك الأميركي في أي نزاع محدوداً". بل يذهب بعض كتاب الأعمدة في دول الشمال لاتهام قمة ترامب - بوتين بالسعي إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي، ويسوق هؤلاء أمثلة كثيرة، منها سعي ترامب إلى عقد صفقات تجارية مع فرنسا، واستثنائها من الحرب التجارية، إن خرجت من الاتحاد الأوروبي.
وعن قلق دول البلطيق وبعض دول الشمال من قمة هلسنكي، يقول الأمين العام لمجلس التفكير الأمني في مؤسسة "رابطة المحيط الأطلسي"، لارس بانغريت ستروي، في حديثه مع القناة الأولى الدنماركية، إن ما يخيف دول البلطيق وغيرها هو "أن يذهب ترامب مرة أخرى للقول إن بوتين رجل لطيف، وإن لروسيا الحق بأن يكون لها نفوذ في محيطها". ما يعنيه هذا القول بالنسبة إلى الخبير السياسي والدفاعي هو أن "أوروبا ستصبح أمام حقبة جديدة أخرى لمنطقة كانت قبل نحو 30 سنة جزءاً من الاتحاد السوفييتي أو في حلف وارسو، حيث سيمكن ذلك الروس من التأثير واتخاذ القرار الذي يناسبهم لوقف تقدم الحلف الأطلسي".
وفي هذا الإطار، يرى ستوري أيضاً أن "مناورات 130 ألف جندي روسي في المناطق القريبة من البلطيق أرسلت إشارة إلى إمكانية السيطرة على تلك الدول خلال 48 ساعة، لو تلقت أمراً بذلك. وبالرغم من أن الحلف الأطلسي نشر قواته فيها وفي بولندا، لردع أي تفكير بمثل هذا السيناريو، إلا أنها دول يتزايد فيها القلق مع وجود ضبابية أميركية، وفي الوقت ذاته امتلاك بوتين لأقلية روسية كبيرة في الدول الثلاث (لاتفيا وإستونيا وليتوانيا)".
مخاوف البلطيق، خصوصاً مع وجود 36 في المائة من السكان من أصل روسي في ليتوانيا، يؤكدها السفير الدنماركي فيها، هانس براكس، بقوله إن "الأقليات الروسية في تلك الدول متأثرة جداً بآراء بوتين، ولا تشاهد سوى القنوات الروسية".
ويتفق براكس مع ما يذهب إليه الخبراء حول مخاوف دول البلطيق "من ألا يكون الأميركيون ملتزمين حقاً بالدفاع عن وجودهم، رغم أني لا أعتقد أن الإنفاق الأميركي فيها سيؤدي لمثل هذه القرارات الدراماتيكية بالعلاقة مع روسيا"، على حدّ قوله.
هكذا، يستحضر الأوروبيون ما قاله ترامب بعد ما سماه "قمة ناجحة مع كيم"، حول رغبته في لقاء قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فقد قال الرجل في لقاء له مع شبكة "فوكس نيوز"، إنه قادر على إقناع بوتين حول أغلب القضايا: "يمكنني أن أقول له: هل تعمل لي معروفاً؟ أيمكنك سحب قواتك من سورية؟ أيمكنك الانسحاب من أوكرانيا؟".
وفق تلك العقلية يلتقي ترامب ببوتين.