تشهد الطيور تغيّرات في حياتها اليومية نتيجة أعمال البشر الذين باتوا أعداءً لدودين لها، نظراً إلى كثرة ملاحقتهم إيّاها بالبنادق والمقلاع والنشاب والشباك والفخاخ والدبق، وإلى كثرة استعمالهم وسائل الحيلة لجذبها، كاستعمال ماكينات التسجيل وإضاءة الأشجار اليابسة فوق سطوح المنازل وغيرهما. لكنّ الطيور ودودة في طبعها ونحن نتعرّف على هذا الودّ عندما نشاهدها في البلاد التي لا تُقتَل فيها. هناك، نراها تقترب من الإنسان إلى درجة أنّني شاهدت مرّة عصفوراً وأنا أقوم بتصويره يدنو من قدمي ليتناول حشرة شاهدها من دون أن يكترث بي.
وردّ فعل الطيور تجاه الإنسان الذي يعاديها هو نفور تراوح حدّته من بلد إلى آخر، لكنّه يتعاظم في إيطاليا ومالطا ولبنان وسورية وقبرص ومصر. هذا التصنيف أتت به تقارير لمنظمة "بيرد لايف إنترناشونال" العالمية لحماية الطيور.
يبدو أنّ الطيور ليست مستهدَفة فقط بالقتل العمد، إذ ثمّة قتل غير مباشر يتسبّب به الإنسان بصورة يومية يأتي من خلال إلقاء النفايات في أماكن مختلفة من الطبيعة، الأمر الذي يجذب الثعلب والواوي والحشرات والطيور التي تجد في القمامة ما تأكله. إذا كانت من أكلة اللحوم، فإنّها تجد في القمامة بقايا المسالخ واللحامين والحيوانات النافقة. وقد يكون الحيوان مريضاً قبل أن يموت وجرى حقنه بأدوية من قبل بيطريّين، الأمر الذي من شأنه أن يقضي على الطيور التي تتناوله. قد يسأل البعض: كيف يمكن لدواء يستعمل للعلاج أن يقتل الطيور؟ وهنا نقول إنّ أدوية الحيوانات قد تكون سامة للطير وأدوية الأبقار قد تكون سامة للقطط وأدوية القطط قد تكون سامة للبشر. حتى النسور التي تأكل الجيف وتهضم الفيروسات والبكتيريا من دون أن تصاب بالمرض قلّت أعدادها في العالم بسبب استعمال أدوية معيّنة لعلاج بعض الحيوانات قبل أن تنفق وتُرمى في القمامة. كذلك، بتنا نرى ملوك الطيور (الطيور التي لا تأكل سوى الطرائد التي تصطادها بنفسها وتلتهمها طازجة مباشرة بعد اصطيادها) وهي تقصد القمامة حيث السهولة في الحصول على طعامها.
الإنسان غيّر مجرى حياة الطيور وألحق الأذى بها عبر نفاياته التي يرميها هنا وهناك، غير آبه للأمراض الناجمة عن ذلك والتي قد تصيبه هو كذلك. في النفايات، قد تكون ثمّة شباك صغيرة من النايلون تعلق بأرجل الطيور، فتبقى أسيرة حتى تموت. وثمّة مواد حادة كالشفرات وغيرها تتسبب في جروح وتقرحات تؤدّي إلى هلاك تلك الطيور. وثمّة مواد مبيدة فوسفورية عضوية تُرَش على القمامة لمنع تزايد الحشرات والبكتيريا، من شأنها أن تؤدّي إلى قتل الطيور بمجرّد اللمس، إذ إنّ جسم الطائر يمتصّها عبر الجلد.
عجيب أمر الإنسان لأنّ أفعاله تمادت إلى أكثر من ذلك، فراح يضع نفاياته بالقرب من أماكن حساسة ثم راح يتّهم الطيور التي كانت على مقربة من تلك النفايات بتهديد أمن الأماكن الحساسة، وعمد إلى قتلها، مع العلم أنّ النفايات بحدّ ذاتها هي قاتلة للطيور بصورة عامة، والدليل على ذلك كثرة الطيور النافقة فوق أكوام النفايات في مناطق مختلفة ليس فقط في لبنان بل في بعض البلاد العربية، بحسب ما تبيّن مراجع كثيرة في هذا الشأن.
أمّا النفايات الطبية فهي الأشدّ خطورة على الطيور. وعلى الرغم من أنّ ثمّة تشديداً على عدم خلط النفايات المنزلية بالنفايات الطبية، فإنّ مخالفات كثيرة تُسجَّل في هذا الإطار، والدليل على ذلك أنّ المخلفات الطبية سواء البشرية منها أو البيطرية تشاهَد مع النفايات العادية في أماكن عدّة. وهذه النفايات الطبية هي من الأخطار الأكبر على صحة الطيور والإنسان والحيوان.
وعندما تتحدث عن نفوق الطيور أمام صنّاع القرار يجيبونك بأنّ في البلاد أولويات أهمّ من حياة الطيور، وهم لا يعلمون أنّ البلدان التي قلّت فيها الطيور بسبب التلوّث تضرّر اقتصادها الزراعي والسمكي وكثرت فيها الأمراض التي تصيب الغابات والإنسان، وللحديث تتمة.
* اختصاصي في علم الطيور البرية