تزامن حلول عيد الأضحى هذا العام مع ذروة انتشار وباء كورونا. من جانبها، اعتادت العائلات العراقية التحضير للعيد قبل أيام. وعادة ما تبدأ ربات البيوت بتحضير بعض الوجبات الدسمة كالباجة (الكوارع)، والدولمة المحشي بالخضار، وورق العنب، والبرياني، والكبة الموصلية وغيرها. وتجتمع العائلات وتتناول الطعام مع الأبناء والأقارب. كما تحرص الفتيات على المساعدة في صنع حلوى العيد، لا سيما "الكليجة"، وهو نوع من المعجنات اعتاد العراقيون على تحضيره مع حلول العيد. وجرت العادة أن تجتمع النساء مع بعضهن البعض لإعداد هذا النوع من المعجنات، الذي يتطلب جهداً جماعياً، خصوصاً إذا ما تطلب الأمر إعداد كميات كبيرة. وعادة ما يتبادلها الجيران وتقدم للضيوف المهنئين بالعيد. إلا أن العراقيين افتقدوا كل ما سبق بسبب جائحة كورونا.
في هذا السياق، يقول الناشط المدني صلاح محمد، لـ "العربي الجديد": "خلال الأعياد، عادة ما تجتمع العائلات، ويذهب البعض إلى مدينتي كلار أو خانقين التابعتين لمحافظة ديالى لزيارة مرقد بابا محمود للترفيه. آخرون يذهبون إلى مدن الصدر أو السليمانية أو أربيل أو المصايف"، "هذا العام تغير الحال بسب الوضع الاقتصادي وانتشار جائحة كورونا. لذلك، تفضل غالبية العائلات البقاء في منازلها حفاظاً على سلامتها وسلامة أطفالها، عدا عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به العائلات العراقية التي تفضل البقاء في المنازل".
ويبيّن محمد، وهو من سكان مدينة جلولاء في محافظة ديالى شمال شرق بغداد، أن حلاوة العيد تكمن في أداء الصلاة في المساجد وتبادل الزيارات بين الأقارب والأهل ولقاء الأصدقاء وذهاب الأطفال إلى مدينة الألعاب. لكن في ظل الظروف الحالية التي تمر بها البلاد، خصوصاً في جلولاء بسبب زيادة عدد حالات الإصابة بكورونا، يقتصر الأمر على أداء الصلاة في المنازل وتوزيع الحلوى بين الأهل والعائلة الواحدة حفاظاً على سلامة الجميع.
من جهته، يقول محمد أنور إنه لم يتمكن من دخول مدينة أربيل حيث يسكن أهله منذ أشهر. يعيش أنور مع زوجته في محافظة الأنبار غرب العراق، وبسبب إغلاق الطرقات بين المدن، كانت رؤية أهله صعبة خلال عيد الفطر، وقد تكرر الحال في عيد الأضحى واكتفى بمعايدتهم هاتفياً.
يوضح أنور الذي يعمل مدرس تربية إسلامية في إحدى ثانويات مدينة عانة، أن العراقيين اعتادوا زيارة المقابر صبيحة أول أيام العيد لقراءة سورة الفاتحة والدعاء لأحبتهم الذين رحلوا، ثم تبادل التهاني مع الأهل والجيران. لكن بسبب وباء كورونا، تغيرت الأمور في بعض المدن واقتصرت على وسائل التواصل الاجتماعي، "ما يجعلنا نقضي أيام العيد في البيت أو مع الأصدقاء في الشارع في أحسن الأحوال".
أما رغد ماهر، وهي طالبة جامعية من سكان مدينة الموصل شمال العراق، فترى أن أجواء العيد لم تتغير كثيراً. تقول لـ "العربي الجديد": "كما في السابق، نعمد إلى تنظيف المنزل وصنع الحلويات والاستعداد لاستقبال أي ضيف. غالباً ما نقضي أيام العيد بين الأهل والأحبة. ولم يمنعنا كورونا من ذلك كوننا نسكن على مقربة من أقاربنا ومعارفنا". كما تتحدث عن العيدية التي يمنحها الكبار للأطفال، "إذ ينتظر الأطفال العيد على أحر من الجمر للحصول على العيدية في أول أيام العيد".
ويقول ناشطون إنّ الظروف الاجتماعية فرضت على العائلات تغيير عاداتها وعدم زيارة أقربائها، حتى وإن لم يكن هناك حظر تجول. توضح الناشطة وعضو جمعية "أجيال" لتنمية الذكاء والإبداع عفاف عبد الرحمن لـ "العربي الجديد"، أن كورونا زاد من مخاوف العائلات، خصوصاً لناحية احتمال نقل العدوى لأحبتها. فكان الحل في عدم التجمع خلال العيد.
تتابع: "على الرغم من ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا، حرص الكثير من العراقيين على شراء ملابس جديدة لأطفالهم باعتبارهم الشريحة الأكثر اهتماماً بالعيد، لأنه لا يمكنهم الذهاب إلى الحدائق أو الأماكن الترفيهية إثر الالتزام بإجراءات خلية الأزمة وتوصياتها بإغلاق الحدائق العامة والمنتزهات ومدن الألعاب (الملاهي) والمتاجر والمطاعم. فاختارت العائلات البحث عن بدائل لأطفالها للاحتفاء بأيام العيد وتعويضها عن ذلك بشراء الكثير من الحلويات والملابس.
وفي ما يتعلق بالمبادرات الإنسانية، توضح عبد الرحمن أنّ "العديد من المنظمات المحلية والفرق الشبابية التطوعية أخذت على عاتقها مساعدة الفئات المتضررة بعد انتشار كورونا، لأن الغالبية تضررت من جراء حظر التجوّل، ما دفعنا كمنظمات محلية إلى توفير بعض المواد الغذائية وكسوة العيد ولحوم الأضاحي من خلال تبرعات التجار والميسورين وتوزيعها على اليتامى والأرامل والفقراء والمحتاجين".