وتبدو الحدود الدولية اللبنانية الفلسطينية بطول 87 كيلومتراً أقرب إلى فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة. ولهذا السبب باشرت قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان "اليونيفيل" تسيير دوريات راجلة ومؤللة على طول الطريق المحاذي للسياج الشائك الحدودي، لا سيما بين العديسة وكفركلا حيث عمليات الحفر الإسرائيلية. وأكدت المتحدثة باسم قوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" ماليني يانسون، أن "اليونيفيل اطّلعت على التقارير الإعلامية، وهي تتواصل مع جميع المحاورين المعنيين لضمان أن يستخدم الأطراف آليات الارتباط والتنسيق التابعة لليونيفيل للحفاظ على الهدوء والاستقرار المستمرين. والوضع في منطقة عمليات اليونيفيل يحافظ على هدوئه".
وزادت الاتصالات الإسرائيلية ــ الأميركية المخاوف من احتمال شن عدوان جديد، مع إعلان جون بولتون، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب لشؤون الأمن القومي، أن "الولايات المتحدة تدعم بقوة جهود إسرائيل للدفاع عن سيادتها"، مضيفاً "ندعو إيران وكلّ عملائها إلى وقف تعدياتهم واستفزازهم الإقليمي الذي يشكّل تهديداً غير مقبول للأمن الإسرائيلي والإقليمي".
وبدا اللبنانيون في حال من الاستغراب، خصوصاً أن الخطوة بدت مفاجئة وبلا مقدمات. وعليه، تكثفت الاتصالات بين القيادات اللبنانية لبحث سبل مواجهة أي تطورات دبلوماسياً، أو أبعد من ذلك في حال كان الإسرائيليون يبحثون عن ذرائع لشن أي عمل عدواني جديد ضد لبنان. وما رافق هذا الاستغراب هو أن الأنفاق عملياً استراتيجية معروفة لدى "حزب الله" واستخدمها خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وكانت عنصراً أساسياً في مواجهة عدوان صيف 2006، وهو ما أدى إلى نقل التجربة هذه إلى فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة.
في هذا الإطار، رجّحت مصادر متابعة أن "تهدف هذه الخطوة وما سيليها إلى فتح معركة دبلوماسية حامية مع لبنان، خصوصاً حول القرار رقم 1701 (الذي أنهى حرب 2006 بقرار إبعاد الوجود العسكري لحزب الله إلى شمال الليطاني وترسيم ما يعرف بالخط الأزرق)، بعد أن حاولت الولايات المتحدة وإسرائيل خلال السنة الماضية الضغط أكثر من مرة على مجلس الأمن الدولي لتوسيع نقاط المراقبة لليونيفيل لتشمل كل النقاط الحدودية شرقاً وشمالاً مع سورية، إضافة إلى المعابر البحرية والجوية، لضبط ما تسميه إسرائيل تهريب السلاح من سورية إلى لبنان.
وأكدت المصادر أن "هذه الخطوة الإسرائيلية تدعو فعلياً إلى القلق، لأنها توحي باستعدادات إسرائيلية لحرب مقبلة، خصوصاً بعد تزعزع قواعد اللعبة، إثر التطورات في سورية، ودخول حزب الله وإيران إليها".
ولم تستبعد المصادر أن "تكون هذه الخطوة قد جاءت في سياق محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التغطية على الوضع الداخلي الإسرائيلي، الذي نتج إثر عدوانها على غزة أخيراً، والتي أدت إلى استقالة وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، مع تزايد احتمال حصول انتخابات مبكرة وإمكانية محاكمة نتنياهو بقضايا فساد. وتنبع الخشية في لبنان من أن الحفر الذي يحصل في الجانب الإسرائيلي، قد يتدحرج سريعاً إلى اشتباك في حال مثلاً دخول آليات إسرائيلية إلى داخل الأراضي اللبنانية، ما يبرر استهدافها، أو في حال مثلاً انفجر لغم في جرافة تابعة للاحتلال، أو إذا ادعت تل أبيب العثور على أنفاق هجومية تعتبرها حجة كافية لتشن عدواناً جديداً على لبنان وحزب الله".
وكان "حزب الله" قد ردّ قبل أيام على التهديدات الإسرائيلية المتواصلة، ببث تسجيل مصور تظهر فيه أهداف ومواقع إسرائيلية عدة، منها برية وبحرية، وأبرزها مركز وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب، في إشارة إلى رصده أهدافاً قد يستهدفها في أي حرب مقبلة.
وبعد عدوان تموز 2006، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1701، الذي أبعد حزب الله عن جنوبي نهر الليطاني، كما سمح بزيادة عدد قوات "اليونيفيل". وعملياً وضع القرار حداً للاشتباكات الحدودية بين حزب الله والاحتلال، التي حصلت قبل عام 2006، لكن ذلك لم يمنع من حدوث بعض الأعمال الحربية الخاطفة.
في 7 فبراير/ شباط 2007، حدث تبادل لإطلاق نار بين الجيش اللبناني والاحتلال الإسرائيلي بالقرب من مستوطنة "أفيفيم". لم يسقط ضحايا في الاشتباك. في 17 يونيو/ حزيران من العام عينه، تمّ إطلاق صاروخين مجهولي المصدر من جنوب لبنان باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، ولم يتبناهما حزب الله. وفي 11 سبتمبر/ أيلول 2009، أُطلق صاروخان مجهولا المصدر أيضاً على مستوطنة "نهاريا" والجليل الأوسط. في 3 أغسطس/ آب 2010، وقع الاشتباك الأعنف، بين الجيش اللبناني والإسرائيليين، بسبب شجرة حاول الإسرائيليون قلعها من الأراضي اللبنانية، فسقط جنديان لبنانيان وأصيب 5، كما قتل جندي إسرائيلي وأُصيب آخر. واستشهد الصحافي اللبناني عساف أبو رحّال أثناء تغطيته الأحداث. وتكررّ الأمر في الأول من أغسطس/ آب عام 2011 مع تبادل إطلاق النار بين الجيش اللبناني والإسرائيليين. وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام عينه، أُطلق صاروخان مجهولا المصدر من لبنان باتجاه الجليل الأوسط، وردّ الإسرائيليون على القصف في لبنان.
وفي 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2012، أسقط سلاح الجو الإسرائيلي طائرة من دون طيار، أطلقها حزب الله، بالقرب من غابات ياطر. وفي 7 أغسطس/ آب 2013، أُصيب 4 جنود إسرائيليين بانفجار لغم زرعه حزب الله. وقال الجيش اللبناني إن "الإسرائيليين توغلوا بعمق 400 متر داخل الأراضي اللبنانية". وفي 16 ديسمبر/ كانون الأول 2013، أطلق جندي لبناني النار على سيارة يقودها ضابط بحري إسرائيلي فقتله، وردّ الإسرائيليون بجرح جنديين لبنانيين. في 24 فبراير/ شباط 2014، قصفت الطائرات الإسرائيلية موكباً لحزب الله على الحدود اللبنانية ـ السورية بالقرب من النبي شيت في البقاع، بحجة أن "الموكب كان ينقل سلاحاً".
في 14 مارس/ آذار 2014، وقع انفجار في سفوح جبل الشيخ، جُرح فيه 3 جنود إسرائيليين، فقصف الإسرائيليون كفركلا الحدودية، وموقعاً لحزب الله في مزارع شبعا. في 18 يناير/ كانون الثاني 2015، قصف سلاح الجو الإسرائيلي موقعاً لحزب الله في القنيطرة السورية، ما أدى إلى مقتل 6 من الحزب وقيادي إيراني في الحرس الثوري الإيراني. وفي 28 يناير/ كانون الثاني، أطلق حزب الله صواريخ باتجاه دورية إسرائيلية في مرتفعات الجولان المحتلة، فقتل جنديين إسرائيليين. ردّ الإسرائيليون على قصف حزب الله، على جنوب لبنان، فقُتل جندي إسباني من قوات "اليونيفيل". كما أطلق الإسرائيليون مراراً خلال السنوات الماضية طائرات من دون طيار، وطائرات للتجسس، وخرقوا جدار الصوت مرات عدة، فضلاً عن قيامهم بسلسلة من الغارات الوهمية.