قلق جزائري من الاستدراج الفرنسي إلى ورطة "الرمال المتحركة"

20 مارس 2018
تقود فرنسا عمليات الساحل (لودوفيك مارين/فرانس برس)
+ الخط -
بدأت الأوضاع الأمنية والتواجد العسكري الأجنبي في منطقة شمال مالي والساحل باستقطاب الاهتمام السياسي والدبلوماسي، في ظلّ تساؤلات مطروحة عن جدوى المعالجات العسكرية بقيادة فرنسا والتواجد غير المعلن لجنود أميركيين في المنطقة. وبدت العلاقة مرتبطة بدوافع القفز على المبادرة السياسية الجزائرية لإحلال السلام في مالي بين الحكومة المركزية في باماكو وحركات الأزواد المسلحة، وكذلك بين حركات الأزواد والحكومة النيجرية.

قبل أيام طالب الدبلوماسي الفرنسي السابق، نيكولا نورمان، الحكومة الجزائرية بـ"السماح للقوات الأجنبية التي تلاحق المجموعات الإرهابية في منطقة الساحل، باستعمال أراضيها كقاعدة في هذا المجهود الحربي". ودعا السفير الفرنسي السابق في مالي في حوار مع صحيفة مالية، الجزائر إلى "فتح حدودها للقوات الأجنبية العاملة ضمن قوة الساحل 5 (تضم فرنسا وتشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتدعمها مالياً كل من السعودية والإمارات)". وهي الدعوة التي سبق أن رفضتها الجزائر، بعد أن تلقتها من الفرنسيين والخليجيين، لدى تشكيل هذه القوة الصيف الماضي.

وعزا نورمان طلبه للجزائر، إلى أن "مجموعة من المسلحين الناشطين في التنظيمات الإرهابية في مالي والساحل، هم من جنسية جزائرية، ممن رفضوا مسار المصالحة الوطنية في مالي"، في إشارة إلى عدد من الجهاديين الجزائريين، وأبرزهم مختار بلمختار وأبو الوليد الصحراوي ومحمد السوفي، وعناصر أخرى في تنظيمات مختلفة، أبرزها تنظيم "أنصار الإسلام" الذي تشكّل بعد تحالف بين أربعة تنظيمات مسلّحة.

وتساءل الدبلوماسي الفرنسي عن "خلفيات ودوافع رفض الجزائر الانخراط في القوة. وهل في حال لجأ الإرهابيون المطاردون في مالي إلى الجزائر، سيكون لقوة الساحل 5 حق متابعتهم على الأراضي الجزائرية؟ أم أن الجيش الجزائري سيطارد هؤلاء من دون أن يكون طرفاً في مجموعة الساحل 5؟ أتمنى أن تتحمل الجزائر جزءاً من العبء، سواء بفتح حدودها أو مقاتلة الإرهابيين اللاجئين إليها".



لكن الجزائر الرافضة بشكل قاطع استخدام المشاركة في أي عمل عسكري وقتالي خارج حدودها بسبب منع الدستور الجزائري للجيش القيام بأي عمل عسكري وقتالي خارج الحدود الجزائرية، رفضت في الوقت نفسه وضع أراضيها وأجوائها تحت تصرف أي طرف أجنبي. حتى أنها نظرت بعين الريبة إلى الخلفيات الحقيقية لتواجد القوات الأجنبية في شمال مالي والنيجر والساحل، خصوصاً أن عمليات عسكرية سابقة كعمليتي "رافال" و"برخان"، اللتين أطلقتهما فرنسا، لم تسفرا عن القضاء على المجموعات الإرهابية في المنطقة، لا بل إن العمليات الإرهابية ازدادت ضراوة في الفترة الأخيرة بشكل مقلق. كما أن بعض المجموعات المسلحة عززت تسليحها بفعل الهجمات التي استولت فيها على سيارات وأسلحة ثقيلة وكميات من الذخيرة، ونجحت في استقطاب مزيد من المقاتلين إلى صفوفها من أبناء قبائل الطوارق.

وكشفت التقارير المتداولة في الخارجية الجزائرية عن أنه "من الواضح أن تفرّد فرنسا بقيادة الساحل 5، من دون إشراك أي طرف غربي آخر، وتمرير المبادرة على مجلس الأمن لإضفاء الشرعية على تحركها في المنطقة، لا ينفصل عن بعد استراتيجي تستهدف باريس عبره حماية مصالحها الاقتصادية، ومناجم اليورانيوم والذهب والحديد التي تقوم باستغلالها شركات فرنسية في مالي والنيجر منذ عقود على حساب المصالح الاقتصادية لدول الساحل نفسها".

وأبدى العقيد المتقاعد من الجيش الجزائري رمضان حملات، اعتقاده بأن "محاولة باريس استدراج الجزائر لتوريطها في استنزاف عسكري في منطقة الساحل، مبني على رغبة باريس في تكريس هيمنتها على المنطقة واستغلال الثروات، عبر استغلال شركة أريفا مناجم اليورانيوم في المنطقة، وهذا ليس سراً".



ليست الجزائر وحدها من شكك في النوايا الحقيقية لتواجد قوات فرنسية وغربية في منطقة الساحل، فموسكو شكّكت في ذلك أيضاً، إذ أكد السفير الروسي في الجزائر إيغور بيليايف في تصريحات صحافية قبل أيام أن "روسيا تنظر بعين الريبة إلى تواجد القوات الأجنبية في منطقة الساحل قد تكون غير مخلصة". وأضاف أنه "قد تكون هناك نوايا وراء وجود قوات أجنبية في منطقة الساحل، وقد تكون هذه النوايا غير مخلصة، لذلك نحن نتابع الأوضاع بناء على المعلومات التي نحصل عليها من الأصدقاء". ولفت إلى أنه "نحن نتابع ما يحدث، ونحن نرى أن الوضع لم يتحسّن أمنياً. وهذا ما يثير لدينا تساؤلات. بدا لنا في الوهلة الأولى أن الغايات طيبة لأنه مشروع لمواجهة الإرهابيين لكن الأفعال لا تؤدي إلى نتائج إيجابية".

ولمّح تصريح الدبلوماسي الروسي إلى قلق من تواجد عسكري أميركي في منطقة الساحل وقرب الحدود الجزائرية، الذي تكشّف إثر مقتل أربعة جنود أميركيين في الهجوم الذي قام به أحد التنظيمات المسلحة في شمال مالي، عندما كانوا على متن سيارة عسكرية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتم الاستيلاء في حينه على أسلحتهم، وعثر على سيارتهم في وقت في منطقة قرب تومبوكتو المالي. وهو ما عزز فرضية التقارير عن وجود قاعدة عسكرية أميركية في منطقة الساحل، للقيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا المعروفة باسم "أفريكوم" ومقرّها ألمانيا.

لم تبدِ الحكومة الجزائرية أية مواقف علنية بشأن الرمال المتحركة قرب حدودها في شمال مالي والساحل، لكنها تراقب سياسياً وعسكرياً هذا الحراك، في ظلّ مساهمته بشكل لافت في إعادة التوتر إلى المنطقة. وبحسب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في جنيف، الجزائري حسني عبيدي فإن "التدخل الفرنسي يهدد بتجاوز المبادرة الجزائرية لإحلال السلام في مالي والنيجر، ونسف خطوات اتفاق الجزائر الموقع في مايو/أيار 2015 بين حركات الأزواد والحكومة المركزية في باماكو. ناهيك عن أن عودة التوتر المسلح بين هذه الأطراف والتدخل العسكري الفرنسي الذي تعترض ضده بعض قبائل الطوارق، بسبب تقارير عن حدوث تجاوزات وخرق لحقوق الإنسان في هذه العمليات العسكرية، يوفّر مناخاً للمجموعات الارهابية لتجميع صفوفها. وهو ما يفسر بوضوح العمليات الاستعراضية التي نفّذتها مجموعة أنصار الإسلام في باماكو وواغادوغو وبلدات في شمالي مالي والنيجر".