تواجه إسرائيل ثلاثة تحديات ديموغرافية ستترك آثاراً بعيدة المدى على واقعها الأمني والاقتصادي والاجتماعي. ففي سلسلة بيانات صدرت عنه الأسبوع الماضي، كشف "مكتب الإحصاء المركزي" الإسرائيلي عن بلوغ معدل الهجرة العكسية ضعف معدل الهجرة الإيجابية. وتتمثل المشكلة الثانية في الزيادة الكبيرة في نسبة تمثيل أتباع التيار الحريدي بالنسبة لبقية الإسرائيليين، إذ توقع مكتب الإحصاء أن تتعاظم نسبة تمثيل الحريديم لتبلغ، بحلول عام 2040، نحو 20 في المائة من الإسرائيليين، و32 في المائة بحلول عام 2065، مع العلم أن هذه النسبة تبلغ حالياً 11 في المائة فقط.
وتتمثل المشكلة الثالثة في أن إسرائيل لا تعد الوجهة المفضلة ليهود العالم الذين يفكرون بمغادرة المناطق التي يقطنون فيها. وتشي المعطيات التي تعكس تعاظم معدلات الهجرة العكسية باستفحال مشكلة هروب الأدمغة، إذ إن الأغلبية الساحقة من اليهود الذين يغادرون إسرائيل هم من الشباب من ذوي المؤهلات، تحديداً في مجال التقنيات المتقدمة، والذين يبحثون عن تحقيق الذات في الخارج، خصوصاً في أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأميركية. وقد حملت أوساط إعلامية إسرائيلية رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، المسؤولية عن مشكلة الهجرة العكسية، إذ لفتت الأنظار إلى أن عام 2009، الذي شهد تفوق معدلات الهجرة العكسية، للمرة الأولى، على معدلات الهجرة الإيجابية، هو العام الذي تولى فيه نتنياهو مقاليد الحكم.
وحسب كبير المعلقين في قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، أمنون أبراموفيتش، فإن إسرائيل في عهد نتنياهو لم تعد بيئة قادرة على إقناع الإسرائيليين بالبقاء، بسبب تفاقم الواقع الأمني واشتداد أزمة السكن وتراجع مستوى الخدمات التي تقدمها "الدولة" وتحديداً قطاع الصحة. وفي مقال نشره موقع القناة أمس، نوه أبراموفيتش إلى أنه على الرغم من خطورة المشكلة، إلا أن الحكومة لم تقم بمناقشة هذه الأزمة وأسبابها وتداعياتها، على الرغم من المخاطر الناجمة عن فرار الأدمغة. وتحذر الكثير من الأوساط الإسرائيلية من أن فقدان إسرائيل أصحاب المؤهلات، تحديداً في مجال التقنيات المتقدمة، ينطوي على مخاطر أمنية واقتصادية، على اعتبار أن بقاء هؤلاء الشباب في إسرائيل يحسن من قدرتها على تطوير قدراتها في مجال الصناعات العسكرية، عبر توظيف التقنيات المتقدمة في الجهد الحربي. مع العلم أن تطوير الصناعات العسكرية لا يسهم فقط في تعزيز المنعة العسكرية لإسرائيل، بل يحسن من واقعها الاقتصادي، إذ يشكل تصدير الأسلحة والمنظومات الدفاعية والأمنية التي تقوم على التقنيات المتقدمة أهم مصادر الدخل "القومي". وقد بثت قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة قبل عام سلسلة تحقيقات حول الشباب الإسرائيلي الذي اختار الهجرة للخارج بهدف الانخراط في صناعة التقنيات المتقدمة هناك.
وفي ما يتعلق بالتوقعات بشأن ارتفاع نسبة الحريديم إلى 32 في المائة بحلول عام 2065، فقد حذرت المعلقة الاقتصادية، ميراف أورلزروف، من أن تجسيد هذه التوقعات ينطوي على مخاطر كارثية على إسرائيل. وقد توقعت أورلزروف، في مقال نشرته صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، أن يفضي تحقق التوقعات ببلوغ الحريديم نسبة 32 في المائة إلى انهيار إسرائيل كدولة. وأشارت إلى أن حقيقة عدم إسهام أتباع التيار الحريدي في سوق العمل بشكل شبه مطلق، واعتمادهم على مخصصات الضمان الاجتماعي التي تقدمها الدولة، يعني أن إسرائيل ستنهار. وتساءلت أورلزروف "كيف سيكون بإمكان الدولة الحفاظ على بقائها في حال كان ثلث السكان تقريباً لا يعملون؟". يذكر أن الأحزاب الحريدية تشترط انضمامها للائتلافات الحاكمة بالتزام بالحكومة عدم المس بمخصصات الضمان الاجتماعي التي يفيد منها أتباع التيار الحريدي خصوصاً، ولا سيما مخصصات البطالة والمخصصات التي تحصل عليها العوائل كثيرة الأولاد. ويذكر أن متوسط عدد الولادات للمرأة الحريدية يبلغ 8 ولادات، وهو يعادل تقريباً أربعة أضعاف معدل عدد الولادات للمرأة العلمانية. وما يفاقم من خطورة المشكلة الديموغرافية حقيقة أن يهود العالم الذين يرغبون بمغادرة مناطق سكناهم، بسبب ضائقة اقتصادية أو أمنية، لا يفضلون، في الغالب، إسرائيل كوجهة للهجرة. وقد ذكرت صحيفة "معاريف" أخيراً أن جميع يهود فنزويلا، الذين يرغبون بمغادرة البلاد بسبب الاضطرابات السياسية والأمنية والضائقة الاقتصادية، يريدون التوجه إلى الولايات المتحدة، ولا يوجد أحد معني بالقدوم إلى إسرائيل.