يرتبط قيام الدولة الحديثة والعصر الصناعي ومجريات المرحلة بنشوء مراكز الأبحاث والدراسات كما نعرفها اليوم، ما يمكن معه نسبة هذه المراكز إلى العصر الحديث. لكنّ ذلك لا يعني أنّ العصور السابقة لم تعرف أشكالاً من العمل الدراسي والبحثي، فقد كانت البشرية في مختلف العصور التاريخية التي مرت بها تنشئ ما تحتاج إليه من مؤسسات، لمساعدة السلطات في إدارة شؤون البلاد وإدارة العلاقات مع الخارج وتقديم المشورة للحاكم.
السمة الأبرز في المجتمعات القديمة أنّ رجال الدين والمنجمين والتجار والقادة العسكريين وبعض العلماء لعبوا الدور الأساسي. أما في العصر الصناعي فكانت البداية من الجامعات التي أخذت تدرس التطورات من جوانبها المختلفة بعدما بات العالم مجالاً للأنشطة السياسية والاقتصادية والمعرفية. تبعاً لذلك، ظهر ما يعرف بـ"الكراسي العلمية" المتخصصة للنقاش والبحوث في بعض الموضوعات المحددة كالمسائل الدينية والميتافيزيقية والعسكرية والسياسية والجغرافية والنفسية وغيرها. وقد تطور جانب منها إلى نشأة مراكز الاستشراق والدراسات الشرقية والآسيوية والأفريقية وغيرها. وقد ضمت هذه في ما ضمته متخصصين في اللغات والحضارات القديمة والعادات والتقاليد والفولكلور والموسيقى وتخطيط المدن والعمارة والأنثروبولوجيا وما شابه.
الأحداث التي شهدها العالم أعطت دفعاً لهذا المنحى العلمي، خصوصاً الأحداث الكبرى التي طرحت مصير الكوكب على نطاق البحث والتحليل، إذ إنّ حدثاً من نوع الحربين العالمية الأولى والثانية مسبوقاً بمسلسل الصراعات الأوروبية ــ الأوروبية وحروب الملكيات والأباطرة والاستعمار والتنافس على المستعمرات، حيث المواد الأولية والأسواق، بما فيه الحروب الدينية وحروب الكنيسة والإقطاع وغيرها، مثلت قضايا ملتهبة تتطلب الدرس والتمحيص خصوصاً في ضوء وجهات النظر المتنافرة بشأنها.
على هذا الأساس، برزت أبحاث شملت المجالات الفلسفية والسياسية والقانونية والدولتية تؤشر إلى ضرورة قيام مجتمع عالمي وعلاقات دولية مختلفة عن السابق، خصوصاً مع ظهور القنبلة الذرية واستعمالها على اليابان، وما يمثله شبح الحرب العالمية الثالثة، المسيطر خلال الحرب الباردة بالترافق مع سباق التسلح، من خطر على مصير البشرية والحياة على سطح هذا الكوكب برمته.
وقد أدى انقسام العالم في الحرب الباردة إلى كتلتين متصارعتين تملك كلّ منهما ترسانة من السلاح غير مسبوقة في التاريخ البشري، إلى تحديات على الدول والحكومات والباحثين معاً. وبطبيعة الحال، أنشأت كلّ كتلة مراكز أبحاثها إلى جانب الدوائر الرسمية في الخارجية والدفاع والرئاسة والحزب ومؤسسات التجسس. وعمل كلّ طرف على دراسة ورصد ومتابعة كلّ ما كان يقوم به الطرف الآخر على الصعد الداخلية والخارجية في شتى المجالات. وعلى الرغم من نشوء منظمة الأمم المتحدة بديلاً عن عصبة الأمم، ونشوء مجلس الأمن الدولي من الدول الكبرى، وغيرها من مؤسسات أممية، فقد ظلت التحديات حاضرة في العلاقات الدولية والإنتاج وإدارة الكوكب. وبالطبع، كانت الولايات المتحدة هي السباقة في إطار درس هذه التحولات.
*أستاذ جامعي
اقــرأ أيضاً
السمة الأبرز في المجتمعات القديمة أنّ رجال الدين والمنجمين والتجار والقادة العسكريين وبعض العلماء لعبوا الدور الأساسي. أما في العصر الصناعي فكانت البداية من الجامعات التي أخذت تدرس التطورات من جوانبها المختلفة بعدما بات العالم مجالاً للأنشطة السياسية والاقتصادية والمعرفية. تبعاً لذلك، ظهر ما يعرف بـ"الكراسي العلمية" المتخصصة للنقاش والبحوث في بعض الموضوعات المحددة كالمسائل الدينية والميتافيزيقية والعسكرية والسياسية والجغرافية والنفسية وغيرها. وقد تطور جانب منها إلى نشأة مراكز الاستشراق والدراسات الشرقية والآسيوية والأفريقية وغيرها. وقد ضمت هذه في ما ضمته متخصصين في اللغات والحضارات القديمة والعادات والتقاليد والفولكلور والموسيقى وتخطيط المدن والعمارة والأنثروبولوجيا وما شابه.
الأحداث التي شهدها العالم أعطت دفعاً لهذا المنحى العلمي، خصوصاً الأحداث الكبرى التي طرحت مصير الكوكب على نطاق البحث والتحليل، إذ إنّ حدثاً من نوع الحربين العالمية الأولى والثانية مسبوقاً بمسلسل الصراعات الأوروبية ــ الأوروبية وحروب الملكيات والأباطرة والاستعمار والتنافس على المستعمرات، حيث المواد الأولية والأسواق، بما فيه الحروب الدينية وحروب الكنيسة والإقطاع وغيرها، مثلت قضايا ملتهبة تتطلب الدرس والتمحيص خصوصاً في ضوء وجهات النظر المتنافرة بشأنها.
على هذا الأساس، برزت أبحاث شملت المجالات الفلسفية والسياسية والقانونية والدولتية تؤشر إلى ضرورة قيام مجتمع عالمي وعلاقات دولية مختلفة عن السابق، خصوصاً مع ظهور القنبلة الذرية واستعمالها على اليابان، وما يمثله شبح الحرب العالمية الثالثة، المسيطر خلال الحرب الباردة بالترافق مع سباق التسلح، من خطر على مصير البشرية والحياة على سطح هذا الكوكب برمته.
وقد أدى انقسام العالم في الحرب الباردة إلى كتلتين متصارعتين تملك كلّ منهما ترسانة من السلاح غير مسبوقة في التاريخ البشري، إلى تحديات على الدول والحكومات والباحثين معاً. وبطبيعة الحال، أنشأت كلّ كتلة مراكز أبحاثها إلى جانب الدوائر الرسمية في الخارجية والدفاع والرئاسة والحزب ومؤسسات التجسس. وعمل كلّ طرف على دراسة ورصد ومتابعة كلّ ما كان يقوم به الطرف الآخر على الصعد الداخلية والخارجية في شتى المجالات. وعلى الرغم من نشوء منظمة الأمم المتحدة بديلاً عن عصبة الأمم، ونشوء مجلس الأمن الدولي من الدول الكبرى، وغيرها من مؤسسات أممية، فقد ظلت التحديات حاضرة في العلاقات الدولية والإنتاج وإدارة الكوكب. وبالطبع، كانت الولايات المتحدة هي السباقة في إطار درس هذه التحولات.
*أستاذ جامعي