قصص قصيرة: لغة ثالثة

21 يوليو 2015
لوحة للفنان الفرنسي أندريه ديموناز André Deymonaz
+ الخط -
الكوخ القديم
ثمة كوخ في الغابة القديمة يستظلّ بجوفه رجل وامرأة. السماء ترسل أمطاراً غزيرة. صوت دقدقة الخشب يكسر أنين نار المدفئة العتيقة. يتدثران معطفا كاكيًا رثًا من بقايا الحرب العالمية الثانية، يتوسدان أحلاما بـلون حبر الماء، تقـفز الفئران مفزوعة من شقوق المعطف.


غريب
كاد يسقط من الجوع، أطعمناه. جالت عيناه أرجاء البيت، انشغلنا عنه بأمورنا. امتدّت يده لممتلكاتنا، ردعناه. شزرًا نظر إلينا وقال بعنجهية:
ـ أحسنتم.
لم يكن يعلم أن يده تطاولت فقط على بالونة فارغة.

لوحة
ثبتت حامل لوحتها، جلست تحت كرمة العنب في حديقة منزلها، اختارت من الألوان الأخضر، كخضرة وطنها، والأزرق كزرقة شواطئه.
شرعت ترسم حدود وطنها الكبير عندما تخلل السماء صوت قصف عنيف يهزّ الأرض تحت قدميها.
فجأةً .. طغى الأحمر على حضور بقية الألوان.

لغة ثالثة

يحمل بندقية، وتحمل صندوق إسعافات أولية.
على الرصيف الطويل يضغط بيده على راحة يدها يهمس لها:
- هل تشعرين بحرارة يدي؟
ترفع عينيها بغنجٍ نحوه، ويشتدّ ضغط يده الحانية على أناملها. توشوشه:
- سيدي ما أسعد قلبي بقربك، أيها الوطن الممتدّ على صفحات دمي.
دنا يطبع قبلة على خدّها. صدحت السماء بأصوات المتفجرات وأزيز طائرة تجسّس بلا طيار.


الهدهد
على عرشها جلست بلقيس يلفّها ثوب الحداد...
من على نافذة قصرها، توجّس الهدهد وألقى بين يديها خطاب سليمان. تبسمت فأشرق ثغرها بشمس الصباح.

الإسكافي

ذلك الإسكافي يدرك مدى حاجتي إليه..
يعلم قدرته على إعادة ترميم حذائي المهترئ ليعود صالحاً للاستخدام. تلفح وجهه شمسٌ حارقة. يستقبلني ببسمة مرسومة بخبث على شفتيه. ينظر إلى ثيابي الأنيقة. يرمّم الحذاء بمهارة. يمد لي حذائي متأففًا.

حالة

دلفت بلهفة إلى محل بيع ألعاب الأطفال، وشرعت في اختيار العديد من اللعب. كانت رغبتها شديدة في أن تشتري اللعب كلّها.عند دفع الحساب، تذكّرت أنها عاقر.

بطل
قهوة الصباح مـرّة، إذ لم أستسغ طعمـها. ارتشفت مرارتها في ذلك المقهى المطلّ على شاطئ البحر. هل تذكره؟ جلست على المقعد البني نفسه، والطاولة ذاتها. هل تذكر يومها؟ لقد قرأت عليك أولى محاولاتي في كتابة القصّة. البطل أعلن تمرّده، لا ينصاع لقلمي. أنت من روّضه. اليوم يفتّش عن مروّض.

ضوء القمر

تحت ضوء القمر، وبرفقة موباسان، هل كنتُ أنا هي هنرييت التي تفتّش عنك تحت ضوء القمر؟
هيا...مدّ يدك، لنشعل شمعتنا الثانية، لنمارس هذياننا بقرب تلك البحيرة، لنعيد نسج رقصتنا الأولى. ها هي عيوننا تُسكرنا بشهد العناق. ظلّ ضوء القمر يختلس نظرة غيرة نحونا. غافلناه، لنتماهى في خطوط شعاعه. انطفأ قنديل غرفتي. عمّت العتمة جدرانها. سقطت قصّة ضوء القمر من يدي.


توم وجيري

ينظر إلي شزرًا، يراقبني بتوجّس. أرقبهُ بحذر. يتماهى بخفّة بين شقوق الجدران. أشعر بقربه مني، أصخي سمعي لدبيب خطواته. يرنو إلى الفرار. يرمق حذائي بنظرة فاحصة. تملّكته الجرأة بالهروب. حذائي كان أسرع.
(قاصّة يمنية)
المساهمون