تمتزج الألوان والرسوم بالعناوين لتشكلا معاً لوحة تجعل من الطفولة "سلعة"، عند بعض، وبحراً من الخيال عند آخرين.. وقليلون من يخوضون غمار الواقع متلمسين "فطرة" تشكلها الأيام كما هي عجينة الصلصال ليكونا سبيلاً في تعزيز وعي أطفالنا.
"حورية البحر"، و"الفتاة الجنية"، و"الشجعان"، والعمالقة، كلها كلمات تعج بها قصص الأطفال على رفوف مكتباتنا العربية، لتعيش الطفولة معها حالة "التخيل" المجبول على "الخوف تارة" أو البحث عن وسائل الدفاع، من دون أن يكون الهدف "بناء الوعي".
مؤهلات أساسية
الكاتبة والرسامة في قصص الأطفال، أنستاسيا قرواني، ترى أن من أهم المؤهلات والشروط التي يتوجب توفرها في كاتب قصص الأطفال "مقدرته على التواصل مع الطفل الذي يختلف في مستواه العقلي عن الكبار من حيث النضج، وفهم قدراته النفسية والوجدانية التي تختلف عن الكبار".
أما المؤهل الثاني، كما توضحه في حديثها لـ"العربي الجديد"، يتمثل في قدرة "الكاتب على ملامسة خيال الطفل الواسع وتحريكه وتشجيعه". وهذا يكون بشكل مواز مع "الحفاظ على لغة سليمة تساعد في بناء المخزون اللغوي لدى الأطفال".
التمييز ما بين الكتابة والإبداع فيها، مدخل آخر، يفضل أن يدركة كاتب قصص الأطفال، هذا ما يراه مهند العاقوص، الكاتب السوري المتخصص في كتابة قصص الأطفال.
ويرى العاقوص أن "الكتابة هي ملك للجميع، ولذلك نرى استسهالاً في الكتابة للطفل، خاصة في ظل غياب الضوابط وحداثة العهد عربياً في هذا الميدان، أما الإبداع في الكتابة يتطلب ثقافة واسعة لتكون رافداً ورقيباً ذاتياً والإلمام بعلم نفس الطفل".
المؤهلات والأدوات وحدها لا تكفي، كما يرى العاقوص، فالكتابة للطفل تحتاج أيضا إلى "موهبة خاصة بحيث ندرك أنها تشبه خلاصة تجارب جد حكيم يروي لحفيده، وهذا يفسر الأمثلة الكثيرة عن أدباء عالميين كتبوا للكبار، وحين نضجت تجربتهم كتبوا للطفل".
وإلى جانب ذلك، يشير العاقوص في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن المقوم الأساس لكل ذلك يكون مبنياً على "الصدق لأن الطفل ذكي عاطفيا ويلتقط الطاقة الكامنة التي تختزنها الكلمات لحظة خروجها من قلب وقلم الأديب، لذلك يجب أن يصدق ويؤمن الأديب بما يكتب أولا".
كاتب قصص الأطفال والإعلامي، محمود الرجبي، من لبنان، يرى أن معنى الطفولة تغير، والكاتب عليه أن يدرك "التطور النمائي للطفولة، فالطفل اليوم أصبح يطلق عليه الطفل الديجتال الذي يمتاز بالذكاء الشديد، وفي المقابل ضعف بالتحصيل العلمي والمعرفي، وبالتالي بحاجة لأشياء يتوجب لفت نظره".
ويتابع في حديثه لـ"العربي الجديد" بالقول: "لا يمكن أن يكون هناك تصور في أن كاتب قصص الأطفال لا يحبهم، فالروح هي التي تكتب، إضافة إلى أهمية التصاقه بعالم الأطفال وممارسة نشاطات قريبة منهم، سواء بحكم مهنته أو النشاط التطوعي".
اقــرأ أيضاً
البُعد التجاري
لا تتوقف العملية الكتابية للأطفال على الكاتب لوحده فحسب، بل هناك عناصر أخرى يتوجب معرفة دورها، وهذا ما تطرحه الكاتبة أنستاسيا، والتي ترى أن الكتابة للأطفال في وقتنا الحالي ترتكز بشكل أساسي على توجهات وأذواق دور النشر، فلم يعد همّ أدب الأطفال تربوياً بشكل أساسي.
وهو ما يشير إليه أيضا الكاتب "العاقوص"، والذي يرى أن "الازدياد الكمي جاء عشوائيا بهدف الربح لذلك لم يترافق مع تطور نوعي بحيث نستطيع أن نقدر أن خمسة بالمائة فقط من حجم الإنتاج هي قصص ذات سوية عالية وتحقق الأهداف المرجوة منها".
ويشير إلى أنه يسود مؤخرا تيار يدعو للتبسيط على صعيد الفكرة واللغة والمضمون وكأن الطفل العربي سطحي في تفكيره، وهذا ينافي واقعا ملموسا يشير إلى أن القصص المركبة ذات الحبكات العميقة واللغة المتينة أكثر قرباً من الطفل وتأثيراً به.
اقــرأ أيضاً
المحاكاة أم الإبداع
وحول توفر "القدرة الإبداعية"، عربياً في الكتابة للأطفال أمام الإنتاج العالمي، وانعكاس حالة الترجمة للإنتاج الغربي على الطفل العربي، يرى الرجبي أنه ليس ضد إعادة ترجمة القصص التي تصدر باللغات الأخرى، إذا ما تم الاهتمام بها من جانب إثراء الأدب العربي، وليس السرقة الأدبية، أو التقليد الأعمى.
ويشير إلى أن القدرة الإبداعية العربية في حالة من التطور، خاصة بعد أن امتزجت روح الكتاب الشباب فيه الذين اقتحموا المجال، وهو ما يتطلب أهمية المزج ما بين المضمون القوي والتقنيات الحديثة التي توفرها التكنولوجيا، لكن من دون إغفال لأهمية البُعد الورقي.
وتتفق الكاتبة "أنستاسيا" مع الرجبي في أن أدب الأطفال هو من الفنون الحديثة في الأدب العربي، والاطلاع على نتاج الشعوب الأخرى يشكل مصدراً للتعلم والتقدم في هذا المجال، لكن بشرط ألا يكون تقليداً أو إعادة إنتاج فقط، بل العمل على إنتاج الأعمال الأصيلة والمتميزة.
أما الكاتب العاقوص فيرى أن النص وحده غير قادر على جذب الطفل في عصر كثرت فيه المغريات، لذلك نشأت ضرورة الاهتمام بالجانب الفني، وهو ما زلنا نفتقده، إذ لا نملك هوية بصرية واضحة المعالم بل نستقي رؤانا من شعوب صاحبة مدارس فنية مثل: اليابان وإيطاليا وإيران.
اقــرأ أيضاً
تخطي الإشكاليات
وضمن محاولات تعزيز قصص الأطفال عربياً، ترى "أنستاسيا" أن هناك أهمية لفهم "عملية الإدراك البصري" عند الأطفال، وهو ما يجب مراعاته عند الكتابة وعند الرسم أو الإخراج.
وتضيف في "بعض الأحيان عملية الكتابة وعملية الرسم مرحلتان منفصلتان، وهناك تجارب كانت الكتابة والرسم تتم فيها بالشراكة، بمعنى أن يجتمع الكاتب والرسام معاً، وبالتالي ما يجب مراعاته في النهاية كيف يستقبل الطفل - ذو المخيلة الواسعة - هذا العمل؟".
وهذا ما يعززه ما أطلق عليه الكاتب "العاقوص" بـ"الثالوث المقدس"، والذي يضم "النص، والرسم، والإخراج"، إذ يرى أن هناك إدراكاً جمعياً بأهمية عامل الجذب لعين الطفل سواء من حيث الألوان أو الورق أو التصاميم.
فالنص، وفقا للعاقوص، "وحده غير قادر على جذب الطفل في عصر كثرت فيه المغريات، لذلك نشأت ضرورة الاهتمام بالجانب الفني مع تبلور وعي لدى رسامي كتب الأطفال أن الرسم ليس تجسيدا للنص، بل هو مكمل لنواقصه ورافد لحسناته".
أما الكاتب الرجبي، فيدق بدوره نافذة "المشكلات"، والتي تواجه الكتابة للأطفال عربيا، تبدأ من "حقوق النشر والتأليف"، والتي باتت تؤرق الكتاب أنفسهم لضياع جهودهم أو سرقتها أو نسبها للآخرين.
إضافة إلى "النظرة للطفل على اعتباره صندوقاً يمكن أن يستوعب كل شيء دون إدارك أنه طفل ذكي يمكن أن تقدم له مضموناً يرقى لمستواه، فعملية الكتابة للطفل ليست فقط أن تمسك بالقلم وتكتب فحسب، وإنما حالة تكاملية".
اقــرأ أيضاً
مؤهلات أساسية
الكاتبة والرسامة في قصص الأطفال، أنستاسيا قرواني، ترى أن من أهم المؤهلات والشروط التي يتوجب توفرها في كاتب قصص الأطفال "مقدرته على التواصل مع الطفل الذي يختلف في مستواه العقلي عن الكبار من حيث النضج، وفهم قدراته النفسية والوجدانية التي تختلف عن الكبار".
أما المؤهل الثاني، كما توضحه في حديثها لـ"العربي الجديد"، يتمثل في قدرة "الكاتب على ملامسة خيال الطفل الواسع وتحريكه وتشجيعه". وهذا يكون بشكل مواز مع "الحفاظ على لغة سليمة تساعد في بناء المخزون اللغوي لدى الأطفال".
التمييز ما بين الكتابة والإبداع فيها، مدخل آخر، يفضل أن يدركة كاتب قصص الأطفال، هذا ما يراه مهند العاقوص، الكاتب السوري المتخصص في كتابة قصص الأطفال.
ويرى العاقوص أن "الكتابة هي ملك للجميع، ولذلك نرى استسهالاً في الكتابة للطفل، خاصة في ظل غياب الضوابط وحداثة العهد عربياً في هذا الميدان، أما الإبداع في الكتابة يتطلب ثقافة واسعة لتكون رافداً ورقيباً ذاتياً والإلمام بعلم نفس الطفل".
المؤهلات والأدوات وحدها لا تكفي، كما يرى العاقوص، فالكتابة للطفل تحتاج أيضا إلى "موهبة خاصة بحيث ندرك أنها تشبه خلاصة تجارب جد حكيم يروي لحفيده، وهذا يفسر الأمثلة الكثيرة عن أدباء عالميين كتبوا للكبار، وحين نضجت تجربتهم كتبوا للطفل".
وإلى جانب ذلك، يشير العاقوص في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن المقوم الأساس لكل ذلك يكون مبنياً على "الصدق لأن الطفل ذكي عاطفيا ويلتقط الطاقة الكامنة التي تختزنها الكلمات لحظة خروجها من قلب وقلم الأديب، لذلك يجب أن يصدق ويؤمن الأديب بما يكتب أولا".
كاتب قصص الأطفال والإعلامي، محمود الرجبي، من لبنان، يرى أن معنى الطفولة تغير، والكاتب عليه أن يدرك "التطور النمائي للطفولة، فالطفل اليوم أصبح يطلق عليه الطفل الديجتال الذي يمتاز بالذكاء الشديد، وفي المقابل ضعف بالتحصيل العلمي والمعرفي، وبالتالي بحاجة لأشياء يتوجب لفت نظره".
ويتابع في حديثه لـ"العربي الجديد" بالقول: "لا يمكن أن يكون هناك تصور في أن كاتب قصص الأطفال لا يحبهم، فالروح هي التي تكتب، إضافة إلى أهمية التصاقه بعالم الأطفال وممارسة نشاطات قريبة منهم، سواء بحكم مهنته أو النشاط التطوعي".
البُعد التجاري
لا تتوقف العملية الكتابية للأطفال على الكاتب لوحده فحسب، بل هناك عناصر أخرى يتوجب معرفة دورها، وهذا ما تطرحه الكاتبة أنستاسيا، والتي ترى أن الكتابة للأطفال في وقتنا الحالي ترتكز بشكل أساسي على توجهات وأذواق دور النشر، فلم يعد همّ أدب الأطفال تربوياً بشكل أساسي.
وهو ما يشير إليه أيضا الكاتب "العاقوص"، والذي يرى أن "الازدياد الكمي جاء عشوائيا بهدف الربح لذلك لم يترافق مع تطور نوعي بحيث نستطيع أن نقدر أن خمسة بالمائة فقط من حجم الإنتاج هي قصص ذات سوية عالية وتحقق الأهداف المرجوة منها".
ويشير إلى أنه يسود مؤخرا تيار يدعو للتبسيط على صعيد الفكرة واللغة والمضمون وكأن الطفل العربي سطحي في تفكيره، وهذا ينافي واقعا ملموسا يشير إلى أن القصص المركبة ذات الحبكات العميقة واللغة المتينة أكثر قرباً من الطفل وتأثيراً به.
المحاكاة أم الإبداع
وحول توفر "القدرة الإبداعية"، عربياً في الكتابة للأطفال أمام الإنتاج العالمي، وانعكاس حالة الترجمة للإنتاج الغربي على الطفل العربي، يرى الرجبي أنه ليس ضد إعادة ترجمة القصص التي تصدر باللغات الأخرى، إذا ما تم الاهتمام بها من جانب إثراء الأدب العربي، وليس السرقة الأدبية، أو التقليد الأعمى.
ويشير إلى أن القدرة الإبداعية العربية في حالة من التطور، خاصة بعد أن امتزجت روح الكتاب الشباب فيه الذين اقتحموا المجال، وهو ما يتطلب أهمية المزج ما بين المضمون القوي والتقنيات الحديثة التي توفرها التكنولوجيا، لكن من دون إغفال لأهمية البُعد الورقي.
وتتفق الكاتبة "أنستاسيا" مع الرجبي في أن أدب الأطفال هو من الفنون الحديثة في الأدب العربي، والاطلاع على نتاج الشعوب الأخرى يشكل مصدراً للتعلم والتقدم في هذا المجال، لكن بشرط ألا يكون تقليداً أو إعادة إنتاج فقط، بل العمل على إنتاج الأعمال الأصيلة والمتميزة.
أما الكاتب العاقوص فيرى أن النص وحده غير قادر على جذب الطفل في عصر كثرت فيه المغريات، لذلك نشأت ضرورة الاهتمام بالجانب الفني، وهو ما زلنا نفتقده، إذ لا نملك هوية بصرية واضحة المعالم بل نستقي رؤانا من شعوب صاحبة مدارس فنية مثل: اليابان وإيطاليا وإيران.
تخطي الإشكاليات
وضمن محاولات تعزيز قصص الأطفال عربياً، ترى "أنستاسيا" أن هناك أهمية لفهم "عملية الإدراك البصري" عند الأطفال، وهو ما يجب مراعاته عند الكتابة وعند الرسم أو الإخراج.
وتضيف في "بعض الأحيان عملية الكتابة وعملية الرسم مرحلتان منفصلتان، وهناك تجارب كانت الكتابة والرسم تتم فيها بالشراكة، بمعنى أن يجتمع الكاتب والرسام معاً، وبالتالي ما يجب مراعاته في النهاية كيف يستقبل الطفل - ذو المخيلة الواسعة - هذا العمل؟".
وهذا ما يعززه ما أطلق عليه الكاتب "العاقوص" بـ"الثالوث المقدس"، والذي يضم "النص، والرسم، والإخراج"، إذ يرى أن هناك إدراكاً جمعياً بأهمية عامل الجذب لعين الطفل سواء من حيث الألوان أو الورق أو التصاميم.
فالنص، وفقا للعاقوص، "وحده غير قادر على جذب الطفل في عصر كثرت فيه المغريات، لذلك نشأت ضرورة الاهتمام بالجانب الفني مع تبلور وعي لدى رسامي كتب الأطفال أن الرسم ليس تجسيدا للنص، بل هو مكمل لنواقصه ورافد لحسناته".
أما الكاتب الرجبي، فيدق بدوره نافذة "المشكلات"، والتي تواجه الكتابة للأطفال عربيا، تبدأ من "حقوق النشر والتأليف"، والتي باتت تؤرق الكتاب أنفسهم لضياع جهودهم أو سرقتها أو نسبها للآخرين.
إضافة إلى "النظرة للطفل على اعتباره صندوقاً يمكن أن يستوعب كل شيء دون إدارك أنه طفل ذكي يمكن أن تقدم له مضموناً يرقى لمستواه، فعملية الكتابة للطفل ليست فقط أن تمسك بالقلم وتكتب فحسب، وإنما حالة تكاملية".