قصتان لـ خابيير توميو

26 أكتوبر 2015
مزهرية مع زهور, فنسنت فان غوغ (Getty)
+ الخط -
  
                                       حلاقة

محلُّ حلاقة في أحد الأحياء. زبون تغطي رغوةُ الصابون لحيته، وحلاقٌ معقوف الأنف، نظرته جشعة.
الحلاق: (منهمكاً بسنّ الموسى على المسنّ الجلديّ) إني أراك للمرة الأولى في هذه النواحي.
الزبون: نعم، إنها المرة الأولى.
الحلاق: وماذا دفع بك إلى المجيء هنا؟
الزبون: لا أمرُّ من هذا الشارع عادةً. فأنا في الواقع أقطن في الطرف الآخر للمدينة.
الحلاق: نعم.
الزبون: خرجتُ هذا الصباح من البيت من دون أن أحلق ذقني. عبرت قدّام محل الحلاقة هذا، وفكرت في أن حضرتك قد تكون الحلاق الذي أفتّش عنه.
الحلاق: وهل من عادتك أن تُودِع ثقتك في حلاقين لا تعرفهم؟
الزبون: أجل، مع أنهم عادةً ما يخيبون ظنّي.
الحلاق: (مَحنِيّاً على وجه الزبون) لديك، على كل حال، بعض البثور.
الزبون: ربما. لا أستطيع النفي.
الحلاق: (جارحاً البثرة الأولى التي بدأت تنزف) ليس مستغرباً. ففي عمر معيّن يبدأ الجلد بالتهيّج.
الزبون: هذا ما يُقال. مع أنني قد تجاوزت عمر تهيّج الجلد.
الحلاق: (جارحاً البثرة الثانية) اللعنة! هل آذيتك؟
الزبون: ليس كثيراً.
الحلاق: (عامداً إلى توسيع الجُرح) هل ستصدّقني إذا قلت لك إني لا أحتمل منظر الدم؟
الزبون: بالطبع. ولِمَ لا أصدّقك؟
الحلاق: ما رأيك إذاً أن ننتهي من الأمر دفعةً واحدة؟
الزبون: أظنّ أنّ لدى كلينا سبباً وجيهاً.
الحلاق: ألن تُبيت حقداً عليّ؟
الزبون: لا، بالطبّع لن أفعل ذلك. بإمكان حضرتك الانتهاء مما بدأته.
فاصل. يغطّي الحلاق عينيه بيده اليسرى، وبإتقانٍ يذبح الرأس المنهكة للزبون الذي يموت من دون أن تنُدَّ عنه أيّةُ صرخة.


                                        كرسيّ

غرفةٌ مكسوّة بورق جدران رماديّ. رجلٌ يرتدي ثياباً رمادية، وفي وسط الغرفة كُرسيٌّ ذو مسندين مُنجّدٌ بمخملٍ أحمر. وبالتالي يُمكن تمييز ثلاثة ألوان متباينة تماماً على الخشبة: رماديّ الرجل، أحمرُ الكرسي، أسودُ الظل الذي يسقط على الحائط. في لحظة معينة تدّب الحياة في ظلّ الرجل. يتحرّك عبر الحائط، يسعل بوهنٍ، كأنّما يريد أن يُظهر للجمهور أن له جهازاً تنفسيّاً خاصاً به، فله رئتان طيفيّتان مستقلّتان عن تينك اللتين تشهقان وتزفران في صدر الرجل الذي من لحمٍ ودم.
الظل: (مُشيراً إلى الكرسي) وها هو الكرسيّ.
الرجل: نعم. إني أراه.
الظل: كرسيّ عظيم.
الرجل: نعم، عظيم.
الظل: كرسيّ مريح.
الرجل: نعم، مريح.
الظل: كرسيّ للراحة.
الرجل: نعم، للراحة.
الظل: ومن أجل أخذ قيلولة عميقة.
الرجل: صحيح. يبدو أنه مصنوع لأخذ قيلولة عميقة.
الظل: القيلولات تُسهّل عملية الهضم.
الرجل: هذا ما يقال.
الظل: لكن دعنا نرى، من لديه وقت لينال قسطاً من الراحة؟ من يستطيع أخذ قيلولة؟ من يستطيع أن يأكل؟ أنت؟
الرجل: لا. أنا لا.
الظل: (من جديد يُشير إلى الكرسيّ) إذاً، أشعلِ النار فيه، مزِّقْه.
فاصل. يُخرج الرجل مطواةً صغيرة من جيبه، ويغرزها حتى مقبضها في المخمل الأحمر. يُسمع ما يشبه صوت دماءٍ تشخُب. صمْت. يلتفت الرجل بنظره إلى الباب الذي شُقَّ قليلاً، ويشحب كميّتٍ إذ تلتقي نظرتُه النظرةَ الاستجوابية لشرطيّ.


خابيير توميو (1932- 2013)، روائي وقاصّ إسباني.
الترجمة عن الإسبانية: كاميران حاج محمود
المساهمون