قصة "داعشية" ألمانية... من التجنيد إلى معارك الموصل فالمحاكمة

27 يناير 2018
الداعشية الألمانية ليندا وينزل (تويتر)
+ الخط -
افتتح العراق ملف محاكمة المقاتلين الأجانب المنتمين للتنظيمات المتطرّفة، والمحتجزين لديه، من استسلم منهم أو ألقي القبض عليه، بإصدار حكم الإعدام شنقاً، يوم 21 يناير/كانون الثاني الجاري، بحق المقاتلة "الداعشية" الألمانية من أصول مغربية تُدعى لمياء. ك، والتي انضمت لتنظيم "داعش" وقدمت الدعم اللوجستي والعسكري لمقاتليه. وجاءت المحاكمة الأولى بمثابة الإعلان أن محاكمات الضالعين في أعمال الإرهاب ومناصرتها ستتوالى تباعاً أمام القضاء  العراقي، في حال لم تطالب دولهم بتسلّمهم.

تبرز إلى الواجهة قضية فتاة "داعشية" ألمانية أخرى، تُدعى ليندا وينزل (17 عاما)، محتجزة في سجن عراقي منذ لحظة إلقاء القبض عليها في 7 أغسطس/آب 2017 بين الأنقاض في الموصل، وتنتظر المحاكمة في بغداد الشهر المقبل. تلك الفتاة التي حوّلتها وسائل التواصل الاجتماعي إلى وجه معروف ومألوف لكثرة انتشارها، بعد أن صوّرها جندي عراقي كان مشاركاً في حملة الاعتقال، في إطار البحث عن إرهابيين بعد معركة تحرير الموصل.

وذكرت وسائل الإعلام بعد إصدار الحكم على لمياء.ك، التي وصلت إلى العراق هي وابنتها ناديا، من مدينة مانهايم في جنوب غرب ألمانيا، في أغسطس/آب 2014، وأوقفتا بعد استعادة مدينة الموصل من "داعش"، أن ألمانيتين أخريين موجودتان على الأقل في السجون العراقية، هما الشابة ليندا فينزل والمدعوة فاطمة م. من أصول شيشانية.

في التقرير التالي، نستعرض قصة ليندا "الداعشية":

كيف اعتنقت الألمانية ليندا وينزل الإسلام؟

الألمانية ليندا وينزل التي اختارت لنفسها اسم "مريم" بعد اعتناقها الإسلام، من بلدة بولسنيتز في ولاية ساكسونيا الحرة. كان عمرها 15 عاماً عندما تعرّفت إلى فكر "داعش"، عبر مواقع الدردشة الخاصة به عبر الإنترنت. وسحرتها كثيراً أشرطة الفيديو التي يبثها التنظيم، ووصفتها في مقابلة صحافية أجرتها معها الصحيفة الألمانية "سويتشه زايتونغ" في مركز احتجازها العراق، يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2017، بأنها "وردية جدا، رأيت مدينة يتجول فيها الرجال وزوجاتهم وأطفالهم معا في الحدائق، ويعدون الخبز معا. ما شاهدته كأنه يجري في عالم آخر".

لم تكن ليندا سعيدة في مدرستها، رغم أنها كانت في المرتبة الثالثة بين تلامذة صفّها، بحسب قولها للصحيفة. كانت تبحث عن حياة أخرى، وسرعان ما نشأت صداقة بينها وبين فتاة أردنية قالت إن اسمها فاطمة، تعرفت عليها من خلال منتديات جهادية عبر الإنترنت. أقنعتها فاطمة باعتناق الإسلام، وكانت صلة الوصل بينها وبين مقاتل في صفوف "داعش"، مسلم نمساوي من أصول شيشانية كان لقبه "أبو أسامة الشيشاني". مهدت الأخيرة لتواصلهما معاً عبر "فيسبوك"، فأقنعها الشيشاني بالهرب من البيت، ووعدها بالزواج في حال انضمت إلى التنظيم. وأرشدها إلى كيفية الحصول على وثائق السفر التي تحتاجها للسفر إلى تركيا، حيث يكون بانتظارها هناك.

أصدقاء ليندا أخبروا الشرطة أنها بدأت فجأة في تعلّم اللغة العربية، وأخذت القرآن معها إلى المدرسة، وصارت ترتدي الملابس المحافظة، وأنها كانت تنشر أحياناً صورا لها على صفحتها على "فيسبوك" وهي ترتدي الحجاب. أصبحت مفتونة بالإسلام قبل اختفائها. وقالوا إنها لم تكن سعيدة.

وأدلى أصدقاء الفتاة بتلك المعلومات بعد أن فتحت الشرطة الألمانية تحقيقاً، إثر تلقيها بلاغاً من والدة ليندا، وتُدعى كاترينا، بأن ابنتها مختفية، ولم تعُد من رحلة كان من المفترض ألا تزيد مدتها عن ثلاثة أيام.

تركت ليندا رسالة لوالدتها في المطبخ، في الأول من يوليو/تموز 2016، كتبت فيها "سأعود يوم الأحد بحدود الساعة الرابعة". حضرت الشرطة إلى المنزل للتفتيش، فوجد المحققون في غرفة المراهقة نسخة من تذكرة الطائرة إلى إسطنبول تحت فراشها، وتشير إلى حجز عودتها في 3 يوليو/تموز، لكنها لم تعد.

الأم كانت تعلم بأمر اعتناق ابنتها للإسلام، لكنها لم تكن راضية عن ذلك الخيار. ويبدو أن الهوة اتسعت بينهما مع مرور الوقت، ومؤشرات "السعادة" لدى ليندا كانت تتراجع باضطراد، وهذا سرّع الأمور باتجاه عزمها على الرحيل.

رحلتها إلى العراق بعد انضمامها لتنظيم "داعش"

كانت ليندا تحت مراقبة مسؤولي المخابرات الألمانية الذين اشتبهوا بتخطيطها لجريمة خطيرة ضد الدولة، لكن يبدو أن سفرها كان مفاجئاً.

بعد وصولها إلى تركيا التقت "أبو أسامة الشيشاني" الذي غادر وإياها إلى سورية، ثم إلى مدينة الموصل في العراق.

قالت الأم التي سمحت لها الشرطة العراقية بالقدوم هي وابنتها ميريام للقاء ليندا في مركز الاحتجاز، وغطت الصحافة الألمانية لقاءهما، إنها شعرت بالصدمة، لأنه لم يسبق لابنتها أن كذبت أو سرقت من قبل، إذ تبين لها أن ليندا سرقت منها مالا لشراء تذكرة السفر. وأضافت "يبدو أنها تعرضت لغسل دماغ، أتمنى لو أنها تتمكن من العودة إلى ألمانيا".

وذكرت ليندا في المقابلة أنها تزوجت من "أبو أسامة الشيشاني" عبر الهاتف قبل أن يلتقيا، معتبرة أنها كانت زوجته قبل أن تغادر ألمانيا. وقالت إن زوجها قُتل بعد خمسة أشهر من استقرارهما في الموصل، وإن الجهاديين المسؤولين رفضوا طلبها بالعودة إلى ديارها بعد مقتله، وأعطوها بدل أرملة قدره 200 دولار.

وأشارت إلى أنها وجدت نفسها بعد ذلك محاصرة في منزل مع نساء أخريات في الموصل، تحت زخ القنابل وأصواتها المرعبة، لافتة إلى أنها كانت تسأل نفسها: "هل أنا حمقاء حتى جئت إلى هنا؟". وصرحت بأنها انجرّت للاعتقاد بأفكار التنظيم، وأن الحياة التي ظنت أنها موجودة في ظل "دولة الخلافة" تبخرت بعد وصولها مباشرة إلى الموصل.

حين صوّرها الجندي العراقي بعد العثور عليها مختبئة في أحد الأنفاق وسط الركام هي ومقاتلات أخريات وكانت مصابة بقدمها، وكان بعضهن يحملن أحزمة ناسفة، بحسب وكالات الأنباء، قال الجندي يومها إن "طفلاً رضيعاً كان معها، وكانت ترفض التخلي عنه". لكن الصحيفة الألمانية لم تسألها عن الطفل، وهي لم تذكر أنها حملت من زواجها.

في البدء، ظن الجنود خطأ أنها فتاة أيزيدية، لأنها لا تتقن اللغة العربية جيداً، لكنهم عرفوا منها أنها الألمانية ليندا وينزل. وذكرت المعلومات الأمنية المتناقلة في الإعلام أن 25 ألف "داعشي" قُتلوا في معركة تحرير الموصل التي استمرت 10 أشهر.

 العودة إلى ألمانيا... ممكنة أم مستحيلة؟

يبدو أن عودة ليندا إلى ألمانيا ليست متاحة، لعدم وجود اتفاق خاص بتبادل المجرمين بينها وبين العراق. وكان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أشار، في سبتمبر/أيلول 2017، إلى أن ليندا قد تواجه عقوبة الإعدام، وأن الحكم يتوقف على الاتهامات التي يوجهها إليها القضاء العراقي.

ليس هناك دليل على تورط ليندا في أي عمل عسكري مع "داعش". وسبق لها أن نفت التهمة بأنها كانت "قناصة" في صفوف التنظيم الإرهابي أثناء التحقيقات. إنما يبدو أنها انشغلت في معظم الأحيان بواجبات منزلية وبخدمة زوجها الذي قُتل بعد خمسة أشهر من زواجهما. إلا أن المرجح أنها كانت جزءا من لواء يراقب النساء في الشوارع للتأكد من ارتدائهن ملابس وفقا لقواعد الخلافة، بحسب التقارير الصحافية.

وتبقى الناحية المخفية التي لم تفصح عنها الفتاة، وهي الفترة التي أمضتها في الموصل بعد مقتل زوجها، وهي نحو ثمانية أشهر. هل يعقل أن التنظيم لم يزوجها من جديد؟ فهذا ما يحصل مع الجهاديات الأرامل عادة، بحسب شهادات سابقة نشرت لبعضهن.


إلا أن جزءاً من الأدلة التي يمكن استخدامها ضد ليندا، في حال مثولها أمام محكمة ألمانية إذا تم تسليمها لبلدها (وفق اتفاق ما)، هي الرسائل النصية التي أرسلتها إلى عائلتها. إذ إنها كتبت لوالدتها بعد مقتل زوجها، "لقد مات بسببك، لأن ضرائبك دفعت ثمن القنابل هنا". كما أشادت بالمقاتل التونسي في صفوف "داعش"، أنيس عامري، الذي قتل 12 شخصاً بعد هجومه بشاحنة على سوق عيد الميلاد في برلين، في 20 ديسمبر/كانون الأول 2016.

وقال مسؤول أمني ألماني لصحيفة "سويتشه زايتونغ"، إن ألمانيا "لا تنوي مدّ السجادة الحمراء" لمئات النساء، مثل ليندا، اللاتي انضممن إلى "داعش" ويردن الآن العودة"، مشيراً إلى أن "ليندا انضمت طوعاً للتنظيم، وأظهرت القليل من الندم على قرارها". وأبدى تخوفاً من احتمال أن تسعى ليندا للعودة إلى المانيا كي تعيد الاتصال لاحقاً بالسلفيين. وأكد في المقابل أن السلطات حريصة على تلقي ليندا محاكمة عادلة في العراق، وإنها ستحاول التدخل على المستوى الدبلوماسي إذا بدا أنها قد تواجه عقوبة الإعدام.

قالت لها شقيقتها مريام عند مغادرتها هي وأمها بعد انتهاء اللقاء: "أود أن أحملك في حقيبتي، وآخذك معي"، فأجابتها ليندا: "أنا أحب كثيرا أن أذهب معك، لكنني دمرت حياتي".

والدا ليندا منفصلان، وهي تعيش مع والدتها التي تزوجت من جديد. ويقول والد ليندا، راينر وينزل الخمسيني، إنها أبلغت والدتها قبل سفرها أنها تريد قضاء نهاية الأسبوع مع الأصدقاء، مشيراً إلى أنه شعر بالانهيار عندما علم أنها لا تزال حيّة، ورأى صورها عبر الشاشات بعد العثور عليها بين أنقاض الموصل. يقول "هي طفلتي الصغيرة، ما يميزها هي ندبة صغيرة فوق عينها، لم أر ابنتي يوماً بهذا الحزن وبتلك النظرة الصارمة والجدية".


ماذا عن باقي "الداعشيين" الألمان؟


يشار إلى أن 940 جهادياً غادروا ألمانيا للالتحاق بالتنظيم الإرهابي، قتل منهم 145 شخصاً، بينهم 70 شخصاً صنفوا على أنهم مقاتلون.

أما التأكد من هويات من بقي في سورية أو العراق، ولا تزال السلطات الألمانية تجهل مصيرهم، يظهر أن الأجهزة الأمنية والاستخبارية تسعى إلى تعقّب آثار الحمض النووي وبصمات الأصابع وناقلات البيانات الإلكترونية والوثائق المضمونة المضبوطة من مناطق الحرب، وتدرس إمكانية الوصول إلى أوراق أو أجهزة كمبيوتر كانت موجودة في قواعد تنظيم "الدولة الإسلامية" في الموصل أو تلعفر أو الرقة.

ويشير مسؤولون ألمانيون إلى أن العديد من مقاتلي "داعش" الذين قُتلوا، تركوا خلفهم معلومات رغماً عن إرادتهم، ومنها على سبيل المثال، رسائل أو معلومات مخزنة عبر الهواتف النقالة، أو صور أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة.