قرية عراقية تمنع التدخين والحديث في الدين والسياسة

18 يونيو 2015
لائحة الممنوعات في شارع القرية (فرانس برس/GETTY)
+ الخط -



منع التدخين وإطلاق العنان لأبواق السيارات والجدل في السياسة والدين، هي القوانين المفروضة في قرية البو ناهض جنوب العراق، بهدف استبدالها بعادات صحية ولا تثير المشاكل.

يقول كاظم حسون "التدخين مضر جدا لكم"، وهو واقف إلى جانب إشارة حمراء وبيضاء لمنع التدخين عند مدخل قريته البو ناهض، الواقعة على ضفاف نهر في الأراضي الخصبة لجنوب العراق. ويعد منع التدخين في القرية خطوة جريئة في بلد ليس مستغرباً فيه أن يدخن الناس في المصاعد ومحطات الوقود وحتى أروقة المستشفيات.

ويقود حسون عملية التحول في القرية وقوانيها غير المألوفة، مستكملاً أسساً وضعها والده جبر حسون قبل أعوام. ويقول "غيّر الدين كل شي في هذا البلد، لذا أحد قوانينا هو منع التحدث في الدين. الدين يجب أن يكون في قلبك، بينك وبين الله".

ويوضح فرحان حسين علي، طبيب وأستاذ جامعي، أنّ والد حسون الذي كان أبرز وجهاء القرية، هو الذي شرع في "سن" قوانينها اللافتة، مشيراً أنه "في زمن (الرئيس الأسبق) صدام (حسين)، كان الناس صامتين. لكن بعد سقوط النظام (2003)، عاود الجميع التحدث في السياسة"، موضحاً أن جبر حسون، والد كاظم "لم يكن يرغب في حصول أي نقاشات، أقر المنع للحفاظ على السلم في مجتمعنا".


إلا أن كاظم طور أفكار والده، ويشرف حالياً على محاولة جعل القرية أشبه بمكان نموذجي يمتنع فيه الناس عمّا يضرهم. وتشمل قائمة الممنوعات بيع المشروبات الغازية للأطفال واستخدام أبواق السيارات، على الرغم من عدم وجود عقوبة مفروضة على المخالفين.

ويؤكد كاظم (46 عاماً) أنّ مشروعه هو محاولة لجعل القرية صديقة للبيئة تتبع ممارسات صحية، أكثر منها مجتمعاً مغلقاً ذا قوانين غريبة. ويقول "أريد أن يصبح هذا الشارع شبيهاً لقطعة من أوروبا". يضيف وهو يشير بيده إلى صف من أشجار النخيل المزروعة حديثاً بجانب الطريق "في الخامس من حزيران/يونيو قمنا بزرع 300 شجرة"، سائلاً "كم من الأماكن الأخرى في العراق أحيت يوم البيئة العالمي في 2015"، في إشارة إلى المناسبة السنوية التي تحييها الأمم المتحدة.

ويعتبر حسون أنّ إحياء يوم البيئة "كان ناجحاً، قد يبدو الأمر غير مهم، لكن يمكن أن أكون من قرية صغيرة وجزءاً من العالم في الوقت نفسه"، مضيفاً "لا يقل لي أحد أن قريتي لا تحدث فارقا".

وانعكست خطوات حسون إيجاباً على سكان القرية، ومنهم مصطفى جبر (28 عاماً)، الرياضي والمدرب، والذي وجد ضالته عندما بدأ بتنظيم منافسات رياضة بدنية محلية.

ويقول "رياضة الجري ليست موجودة في ثقافتنا. عندما أخرج من المنزل لإجراء تماريني اليومية، يتوقف الناس حتى الذين لا أعرفهم، ويعرضون علي أن يقلوني بسيارتهم". حتى جبر اعتقد بداية أن الفكرة غريبة، إلا أن حسون أقنعه بالركض معه ومع شبان آخرين. وفي فترة قصيرة ظهرت مهارات جبر الرياضية. وحاز الشاب جوائز في منافسات عراقية للجري وركوب الدراجات الهوائية، كما أن مجموعة الشبان الذين يزاولون رياضة الجري مساء في القرية تكبر.


ويقول جبر الذي فرغ لتوه من ممارسة السباحة اليومية "هذه القرية لها خصوصية لأنك تحصل على دعم لا تجده في أي مكان آخر في العراق". وفي وقت سابق من هذه السنة، شارك ثلاثة آلاف شخص في سباق سنوي يقام في القرية، ويشمل الركض لمسافات مختلفة بحسب الفئات العمرية.

ويقول حسون الذي عاد قبل ثلاثة أعوام من الإمارات العربية المتحدة حيث أمضى قرابة عقدين من الزمن، "فوجئنا برؤية هذا العدد الكبير من المهتمين بالصحة والبيئة"، مشيراً إلى أنه ينوي تنظيم سباق ماراتون في القرية، والبحث عن سبل لإشراك النساء بشكل أكبر في تطوير القرية.

ويتابع "الناس محافظون هنا... اعتادوا التفكير بأن على النساء تمضية الوقت في المنزل. لقد كسرنا حواجز عدة، إلا أن هذا الحاجز سيتطلب وقتا". وأحد الحلول التي ينوي حسون اختبارها هو "مركز ثقافي" في طور البناء، حيث سيتاح للإناث اللقاء مرتين أسبوعياً والمشاركة في ندوات، واستعارة كتب ستكون عن "الأدب والفلسفة والتاريخ".

وفي حين أنّ تعداد سكان القرية لا يتجاوز 700 نسمة، إلا أنّ أهلها مقتنعون بأن تجربتها قابلة للتكرار في مناطق أخرى بالعراق. ويقول فرحان حسين علي "إذا ما قارنت قريتنا بقرى أخرى مجاورة، تجد أن المشاكل قليلة هنا... نأمل في أن تحذو قرى أخرى حذونا".

اقرأ أيضاً: برلمانية عراقية تحصد جائزة برونو كرايسكي لحقوق الإنسان

دلالات
المساهمون