قرار "مصرف لبنان" بشأن الليرة ينعش الصرافين في السوق السوداء

09 مارس 2020
نقص الدولار لدى المصارف أنعش الصرّافين (فرانس برس)
+ الخط -
أدى التعميم الذي أصدره مصرف لبنان، الأسبوع الماضي، والموجّه إلى مؤسسات الصرافة بالتقيد استثنائيا بحد أقصى لسعر شراء العملات الأجنبية مقابل الليرة، لا يتعدى نسبة 30% من السعر الذي يحدده "المركزي" في تعامله مع المصارف، إلى الانعكاس سلبا على المؤسسات المرخّصة منها، والبالغ عددها 305، مع إقبال اللبنانيين على المؤسسات غير الشرعية منها.

وفي الوقت الذي تجاوز فيه سعر الصرف في السوق الموازية 2600 ليرة خلال الأسبوعين الأخيرين، هبط السعر بعد صدور التعميم مباشرة إلى 2000 ليرة، لبعض الوقت، في مؤسسات الصيرفة المرخصة، بينما بدأت المضاربة بين المكاتب غير المرخصة التي تنتشر بالمئات على مختلف الأراضي اللبنانية.

والتزمت مؤسسات الصيرفة المرخصة بسقفٍ لسعر الدولار لا يتعدى 30% من سعره الرسمي ويبلغ حاليا 1507.5 ليرات، إذ أكّدت شركة شومان للصيرفة، لـ"العربي الجديد"، أن مكاتبها احترمت التعميم الصادر عن مصرف لبنان باعتماد 1970 ليرة مقابل الدولار في عملية الشراء، على أن تكون عملية البيع تبعاً لشراء الدولار.

وشددت على أن حركة الناس باتجاه مكاتب الصيرفة المرخصة خفّت كثيرا وأصبحت خجولة جدا، وهي تقع اليوم ضحية المضاربات والسوق السوداء التي تشتري الدولار بأرقام مرتفعة وصلت أحياناً إلى 2700 ليرة، ما يؤدي إلى توجه الزبائن نحو المكاتب غير المرخصة للاستفادة من فرق السعر، ولا سيما أنها اعتادت على السعر الذي يتجاوز الألفي ليرة.

وأشارت "شومان للصيرفة" إلى أن "رأسمال الشركة 500 مليون ليرة (حوالى 330 ألف دولار وفق سعر الصرف الرسمي البالغ أقصاه 1515 ليرة) عادة ما نوزعه بين الدولار والليرة، الأمر الذي يجعلنا نشتري الدولار حتى نبيعه، وطالما أن الزبائن لا تبيعنا الدولار مقابل 2000 ليرة، فإن مؤسسات الصيرفة ستخسر حكما".

وطلب مصرف لبنان في تعميمه عدم اعتماد هوامش بين سعر البيع وسعر الشراء للعملات الأجنبية تخرج عن العادات المألوفة، وعدم التوقف عن القيام بعملية الصرافة بكافة أنواعها، على أن يعمل بهذا القرار لمدة 6 أشهر من تاريخ صدوره.

وتلفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" إلى توقفِ عددٍ كبير من مكاتب الصيرفة، في بيروت والبقاع بشكل خاص، عن شراء الدولار أو حتى بيعه، إذ علقت عملياتها لهذه الفترة، بينما تعمد مكاتب الصيرفة غير المرخصة إلى شراء الدولار من الزبائن بسعر يراوح بين 2400 و2450 ليرة، وأُخرى يتجاوز الرقم عندها 2500 ليرة، ولا سيما في ساعات الليل ويومي السبت والأحد.

نقيب الصرافين محمود مراد أكد، لـ"العربي الجديد"، أنه يشرف شخصيا على مراقبة مدى التزام الصرافين المرخصين بتعميم مصرف لبنان، إذ إن الجميع حدّد سعر شراء الدولار عند 1970 ليرة لبنانية مقابل 2030 ليرة للمبيع.

وأشار إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في الصرافين غير المرخص لهم والذين يتلاعبون بسعر الصرف، ما أدى إلى فتح سوق المضاربات لجذب الزبائن الذين يسعون إلى الاستفادة من فارق السعر نتيجة الأزمة الاقتصادية الحادة وغلاء الأسعار، وهنا يأتي، برأيه، دور النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم لمتابعة هذه القضية والتحرّك بوجه المكاتب غير المرخصة والتخلص من هذه الآفة.

وشدد مراد على أن المتابعة الميدانية ليست من مهمات نقابة الصرافين، حتى أن قراراتها غير ملزمة للصرافين مثل بقية النقابات، سواء المحامين أو المهندسين أو الأطباء وغيرها، لافتاً إلى أن اجتماعاً سيعقده غدا الثلاثاء مع حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، لمتابعة هذا الملف.

من جهتها، أكدت مصادر مصرفية، لـ"العربي الجديد"، أن الهامش الأقصى لسعر الصرف الرسمي، أي 1515 ليرة، ولّت أيامه إلى غير رجعةٍ، والنقاش يتمحور اليوم حول سعر التثبيت الجديد الذي من المتوقع أن يكون 2000 ليرة للدولار، فيما من المتوقع أن يُعلن الموضوع قريباً.

بدورها، أشارت مصادر مقربة من القاضي إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأخير يتابع هذا الملف منذ البداية، وسبق له أن أوقف عدداً من الشركات والمكاتب والصرافين غير الشرعيين، وهو في طور إعداد لائحة جديدة لملاحقتها قضائياً.

ويعيش لبنان أزمة شحّ في الدولار بلغت ذروتها بعد انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، فأتى استغلال الصرافين، وخصوصاً غير القانونيين منهم، في عمليات البيع والشراء التي أفقدت الليرة أكثر من 70% من قيمتها قياساً بسعر الصرف الرسمي مع تواصل صعود الدولار.

وانعكست لعبة المضاربات وتجار الدولار سريعاً على أسعار السلع والمواد الغذائية والبضائع، التي ارتفعت بشكل جنوني وغير منطقي، ودفعت اللبنانيين للجوء إلى السوق السوداء لصرف دولاراتهم بأعلى سعر.

من جهة أُخرى، أفادت وكالة "رويترز"، يوم الاثنين، بأن سندات لبنان الدولارية تراجعت إلى مستوى قياسي منخفض جديد بعدما أعلنت الحكومة، السبت الفائت، تعليقها دفع سندات الـ"يوروبوند".

وأشارت "رويترز" إلى أن إصدارات عدة انخفضت ما يزيد عن 7 سنتاتٍ إلى مستوى منخفض عند 17.5 سنتا في الدولار، وفقاً لبيانات "تريدويب"، مضيفة أنه مع سندات بقيمة 1.2 مليار دولار حلّ أجل استحقاقها اليوم الاثنين، فإن إعلان لبنان يمهّد الساحة لأول تخلف عن سداد ديون سيادية.

وترزح الدولة اللبنانية تحت ديون تصل قيمتها إلى 92 مليار دولار، ما يشكل نحو 170% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد أند بورز". وتعدّ هذه النسبة من الأعلى في العالم.
المساهمون