قراءة في القمة الخليجية: نحو استشراف السياسة الخارجية

11 ديسمبر 2015
القمة أكدت على الدفع نحو التكامل العسكري(فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -

من النادر أن تخرج اجتماعات دول مجلس التعاون الخليجي بمفاجآت غير متوقعة، إذ لطالما حتفظت دورات المجلس خلال السنوات القليلة الماضية بإيقاع هادئ، على الرغم من اشتعال المنطقة العربية من حول دول الخليج المستقرة نسبياً. مع ذلك، لا تخلو القرارات التي يتخذها الخليجيون من استشراف للسياسات في المنطقة المضطربة.

اقرأ أيضاً: القمة الخليجية: عودة خجولة لـ "الاتحاد" من باب "التكامل"

وجاءت السنوات الماضية بمشروع لافت على مستوى التعاون الخليجي - الخليجي، تمثل باقتراح للملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، يقوم على الدفع في اتجاه "الاتحاد الخليجي"، المشروع الذي لم ير النور بعد، وما يزال الخليجيون يتداولونه فيما بينهم، وسط تباينات، ورفض عُماني.

ولم تخرج الدورة الحالية لاجتماعات المجلس الأعلى لقادة دول التعاون الخليجي، والتي اختتمت يوم أمس في العاصمة السعودية الرياض، عن العرف نفسه، إلا أن بيانها الختامي أشار إلى الدفع في اتجاه تعاون عسكري أكبر بين دول المجلس، خصوصاً بعد تفعيل الاتفاقية الأمنية الخليجية بإقرارها من قبل قادة المجلس في الدورة الحادية والثلاثين، في الرياض، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، والتي جاءت لحراسة الداخل الخليجي من خطر الإرهاب.

المتغير الإقليمي، الذي حملته سنة 2015 لدول الخليج، تمثل في التدخل العسكري في اليمن، حيث شاركت دول الخليج، باستثناء سلطنة عُمان، في التحالف العربي لمواجهة تمدد النفوذ الإيراني هناك، من خلال مواجهة مليشيات الانقلاب الحوثي، وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ليأتي قرار المجلس الأعلى في دورته الحالية، والمتمثل بالموافقة على تفعيل "القيادة العسكرية الموحدة" واعتماد موازنتها المالية، والتوجيه بالاستفادة من العسكريين المتقاعدين في دول المجلس، وأصحاب الكفاءات، في هذا الجهد، كأهم ملمح لسياسات دول الخليج خلال المدى المنظور، والتي بدأت ترى نفسها أكثر مسؤولية حيال أوضاع المنطقة، خصوصاً بعد تقليل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، من أهمية الخطر الإيراني على دول المجلس بعد الاتفاق النووي مع إيران، وتأكيده على أولوية "الخطر الداخلي" خلال قمة كامب ديفيد الخليجية في مايو /أيار الماضي، وهو ما قرأ فيه مراقبون دلالة على انسحاب أميركي من المنطقة، وإن لم يكن كذلك في الواقع.

ويبدو أن دول الخليج، وفي المقدّمة السعودية، غير مقتنعة برؤية الرئيس الأميركي، لذا ردّت بتصعيد جهودها في اليمن وسورية، لضمان أمنها وأمن دول الخليج من جهة، ودفع الهيمنة الإيرانية من جهة ثانية، عبر مواجهة نظام بشار الأسد في سورية، أبرز حلفاء طهران.

ولهذا جاءت الإشارة إلى زيادة التعاون في المجالات الدفاعية لدول المجلس للتأكيد على أن الخليجيين لا يزالون موحدين تجاه المخاطر الخارجية التي تتهددهم، على الرغم من التباينات السياسية فيما بينهم، والتي تصل أحياناً حد التناقض.

وفي هذا السايق، يتوقع أن تلعب قوات "درع الجزيرة" دوراً خليجياً أكبر، وأن تدخل دول المجلس مرحلة جديدة يكتسب خلالها الشأن العسكري أولوية أكبر.

 كما لا يخلو احتضان الرياض لاجتماع المعارضة السورية، بالتزامن مع انعقاد اجتماع القمة الخليجية، من دلالات. فالسعودية التي ترغب في توحيد جهود المعارضة السورية في أية مباحثات مقبلة لتسوية الأوضاع في سورية، تحاول أن تنطلق من جبهة داخلية موحدة خليجياً أيضاً.

الأحداث التي عصفت بالعالم العربي زادت من تمسك الخليجيين ببعضهم بعضاً، رغم التباينات. فبينما كانت دول الخليج مدفوعة إلى التعاون مع بعضها بعضاً بمصالح اقتصادية وسياسية متنوعة، أصبحت اليوم مدفوعة  بالضرورة، في ظل تهديدات جذرية تتهدد المنطقة، متمثلة بالإرهاب، وتهديد آخر لا يجمع عليه الخليجيون، يتمثل بإيران.

وإضافة إلى مصادقة القمة الخليجية على قرارات مجلس الدفاع المشترك، وفي مقدمتها "الخطوات الجارية لتفعيل القيادة العسكرية الموحدة، واعتماد الموازنة المخصصة لها ومتطلباتها من الموارد البشرية"، أكّد البيان الختامي للقمة على "نبذ الإرهاب والتطرف، بكافة أشكاله". وشدد على ضرورة "التعامل بكل حزم مع ظاهرة الإرهاب، والحركات الإرهابية ومن يدعمها"، مؤكداً استمرار "دول التحالف بالمشاركة في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم (داعش) الإرهابي".

من جهة ثانية، أكّد البيان على إدانة دول المجلس للانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، و"الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث التابعة للإمارات"، ورفضه "التام لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس والمنطقة". وإضافة إلى تأكيده على وحدة سورية، وترحيبه بنتائج محادثات فيينا، ومؤتمر الرياض، عبر المجلس عن قلقه من "تزايد الخطاب العدائي والعنصري وغير الإنساني ضد اللاجئين بصفة عامة، والمسلمين منهم بصفة خاصة".

وفي الشأن اليمني، أثنى على انتصارات المقاومة والشرعية، مؤكداً التزامه بوحدة اليمن، فيما أعرب عن دعمه لجهود الحكومة العراقية بمعالجة الفساد.

اقرأ أيضاً: العاهل السعودي بقمة الرياض: دول الخليج أمام تحديات معقدة 

المساهمون