قتل الجنود عار على العسكر

24 يوليو 2014
+ الخط -

النتيجة الطبيعية لما حدث في مصر من ممارسة الجيش السياسة، وتخليه عن عمله الأصليّ، وهو القيام بواجب الحماية للوطن والمواطن، هي أن نرى جنود مصر يذبحون في مناطق متفرقة من جسد الوطن، كما حدث أخيراً مع جنود الفرافرة. لو أن الجيش المصري كان قد وعى الدرس من الأحداث التي مرت بالبلاد، منذ اندلاع ثورة 25 يناير جيداً، وتفرغ فقط لمهمته الأولى والأخيرة، المنصوص عليها دستورياً، وهي أنه ملك للشعب ومأمور منه، ولا شيء أكثر، لما حدث ما حدث من قنص شباب مصر في حادث تلو الآخر.

كما إن إصرار السياسيين العسكريين على اعتماد مبدأ الزعق بالصوت العالي، في البرامج المتلفزة التى يظهرون فيها متوعدين الجناة بالملاحقة، مُؤمّلين أهالي الضحايا المقتولين بالقصاص لأرواح شهدائهم، بات أمراً مضحكاً، وإن كان مأساوياً فى واقعه. لأن ما يقوله هؤلاء سبق وقالوه من قبل، ولم يحدث شيء مما توعدوا به، اللهم إلا حادث جديد ضد هدف جديد.

يستدعي مشهد خروج الجيش من الميدان العسكري، ودخول ميدان ثورة الشعب والسياسة، مشهد ضباط ثورة 23 يوليو الذين تفرغوا للسياسة، وما وراء السياسة، وأصبحوا مشاهير ونجوم شباك درجة أولى، يستيقظون عند صلاة العصر، وينامون متى قال المؤذن: الصلاة خير من النوم، مما عجل وقوع نكسة 67 آنذاك، وتسبب في احتلال أراض عربية على نحو أوسع.

إن إصرار الجيش على ممارسة السياسة بغباء على هذا النحو، سوف يوقعه فى فخاخ كثيرة، ويبعده عن الهدف الحقيقي الذي كُرسَ وجوده من أجله، ولعل أكبر فخ فطن له العدو ونصبه  تشتيت التركيز، والدخول فى معارك جانبية الأهداف، منها ما هو إنهاك لقوى الجيش، واستنزافه بطريقة أو بأخرى، على نحو ما نراه حادثاً الآن في وقائع استهداف الجنود.

كما أن غرور القوة التي يستند إليها العسكر في تعاملهم مع الآخرين، مع خصومهم السياسيين، أو مع الشعب نفسه، سوف يقودهم إلى استخلاص نتائج غير سليمة من معطيات صحيحة، ما يعنى كوارث أخرى، تضاف إلى مسلسل الكوارث اليومية التى أصيب بها الوطن، منذ سيطرة حكم العسكر عليه. هذا لأن المتباهي بقوته، دائماً، ما يفكر بعقلية المتضخم الذي يسخر من خصمه القزم.

لذلك، ليس أمام العسكر، إن أرادوا الخير لبلدهم، سوى اعتزال العمل السياسي على نحو نهائي، لا رجعة فيه، مع إعلان الطلاق البائن، بينونة كبرى، بينهم وبين السياسة، وهذا هو مفتاح نهضة مصر. أما إذا استمر العسكر على حالة الفتوة السياسية التى هم عليها الآن، فسوف يقود هذا إلى مشاهد أكثر كارثية مما رأينا ونرى. لكنه، على الرغم من ذلك، سوف يزيد جرعات الأمل في زوال حكم العسكر على المستوى القريب جداً، بسبب كثرة سقطاته السياسية وفداحتها، وإن كان ما نتمناه لهم، بحسّ وطني خالص، هو أن يستمعوا إلى نصائح الآخرين، وأن يتركوا السياسة فوراً، ويعودوا إلى ثكناتهم العسكرية.

avata
avata
إبراهيم صالح (مصر)
إبراهيم صالح (مصر)