قبرص بعد 17 عاماً

29 أكتوبر 2014
باص المتزوجين (تصوير غسان عيّان)
+ الخط -

رحلتنا إلى قبرص هذا الصيف كانت رحلة عائلية بامتياز. كنا عدداً لا يستهان به، 18 شخصاً، أقارب وأصدقاء، كباراً وصغاراً.

 شددنا الرحال باتجاه الجزيرة، تغمرنا الفرحة، ويحدونا الأمل بأن ننسى ولو لأيام قليلة، هموم الماء والكهرباء والأمن والأمان في بلدنا الحبيب "سويسرا الشرق"، لبنان.

رغم أنّ أسباب اختيار جزيرة قبرص دون غيرها لتمضية الإجازة قد اختلفت من شخص إلى آخر ضمن المجموعة، فإن الجميع كانوا متّفقين على هدف واحد وهو الراحة والاسترخاء.
وكان هدفي المقارنة بين ما كانت عليه منذ 17 عاماً عندما زرتها بقصد الزواج، وما أضحَتْ عليه اليوم.

وصلنا إلى مطار لارنكا، أعجبنا المبنى الذي تغيّر تماماً لكنّ الصورة القديمة لم تعد موجودة. حملنا الباص من المطار إلى مدينة بافوس التي استقبلتنا مدّة أسبوع في أحد فنادقها على الشاطئ. مدينة هادئة على الرغم من اكتظاظها. بيوتها صغيرة محاطة بالحدائق والخضار، وأبنيتها تنبسط أفقياً. سحرتنا بافوس بسوقها التقليدي القديم، وبمنطقة المرفأ التي تعجّ بالمطاعم والفنادق والأسواق والمواقع الأثرية، ومنها مقبرة الملوك وجامع هلا سلطان. ابنتي "ورد" كان لها رأيها بالمدينة، قالت لي إن بافوس ليست المكان، بل خليط الناس والجنسيات، وكمية الود الذي قابلناه. ماذا عن نيقوسيا؟ تلك المدينة العتيقة التي لم تتغير كثيراً. طابع القِدم لا يزال مسيطراً عليها رغم الجديد الذي طعَمها.

كان من الجميل أن نرى موقف الباصات في مكانه، ومقهى الرصيف العتيق. والأجمل كان مرورنا في سوق نيقوسيا القديم حيث المطاعم الصغيرة، المقاهي، محلات لبيع التذكارات.
انقسمنا إلى مجموعات في وقت الغذاء. البعض قصد محلاً سورياً، والبعض الآخر، قرّر التعرف على الطعام القبرصي التقليدي مثل لحم العجل و"الموساكا" أي "المسقعة".

يوم حضرت أنا وزوجي إلى نيقوسيا لتسجيل معاملات زواجنا في وزارة الخارجية القبرصية والسفارة اللبنانية، كانت الحدود بين قسمي الجزيرة اليوناني والقبرصي مغلقة. كان يفصل بينهما ساتر ترابي عالٍ. من فوقه، استعنّا بسلّم خشبي موضوع هناك للراغبين برؤية الناحية التركية. اليوم لم يعد الساتر الترابي الذي أصبح متروكاً ومهملاً هو القضيّة بل في نقطة العبور الرسمية بين القسمين. يعبر منها المشاة فقط، ورجال الشرطة يفتشون أكياسهم وحقائبهم. والجديد بعد تلك السنوات أنّك إذا سألت أحد القبارصة عن تلك "الحدود" ينظر إليك مستغرباً مصحّحاً " إنّها المنطقة الخضراء".

مرّ الأسبوع بسرعة فائقة، حزمنا حقائبنا، وغدونا باكراً إلى لارنكا، لنمضي فيها اليوم الأخير. لارنكا التي كانت مقصداً للراغبين بالزواج المدني، عدنا إليها مع ولدينا بعد 17 عاماً ليشهدا على المكان الذي جمع والديهما.

كان هدفنا من زيارة المدينة، العودة إلى مقر البلدية القديم، حيث عقدنا قراننا. ذلك المبنى التقليدي، الذي كان يتربع قبالة الشاطئ بحجره الجبلي وقرميده العتيق. لكننا لم نجد مقصدنا، فالمبنى أزيل لترتفع مكانه بناية حديثة بجدران بيضاء. كورنيش لارنكا سمح لـ"ماكدونالد" و"بيتزا هات" وغيرها خطف الأضواء والزوار. شوارع المدينة الداخلية التي سرنا فيها بحثاً عن الفندق الذي نزلنا فيه آنذاك، تداعت بعض مبانيها القديمة وأصبحت خاوية فارغة. لم تعد لارنكا التي عرفتها، لكنها ستبقى المدينة التي فتحت لي ذراعيها وباركت لي زواجي.

المساهمون