قبائل باكستانية في العراء: تهديد باعتصامات مفتوحة ضد الحكومة

24 أكتوبر 2014
القبائل هددت بتنفيذ اعتصامات في إسلام أباد(كريم الله/فرانس برس)
+ الخط -

اضطرّ الجيش الباكستاني، في منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي، إلى شنّ عمليّة عسكريّة، واسعة النطاق ضد حركة "طالبان باكستان"، والجماعات المسلّحة المؤيّدة لها في مقاطعة شمالي وزيرستان القبلية، قرب الحدود الأفغانيّة، على خلفيّة فشل عملية الحوار بين الحكومة و"طالبان" التي استمرت شهوراً عدة، من دون أن تثمر.

ومع انطلاق العمليّة العسكرية، بدأت حركة نزوح داخلية من المقاطعة نحو مناطق الشمال الغربي من البلاد، وبالتحديد نحو مدينة بيشاور وديره إسماعيل خان وبنووتانك، حيث أقامت الحكومة الباكستانية مخيمات لهم، وادعت آنذاك بتوفير كافة احتياجات الحياة الأوليّة للنازحين، من المواصلات والرعاية الصحيّة وإقامة المدراس الميدانيّة وغيرها.

وبعد مضي نحو خمسة أشهر تقريباً على انطلاق عملية "ضرب العضب" ضدّ "طالبان"، أعلن الجيش الباكستاني أنه قصم ظهر "طالبان" والجماعات المسلّحة في شمالي وزيرستان، وأحكم سيطرته على تسعين في المائة من المقاطعة، بعد القضاء على نحو ألف مسلح تقريباً.

كما أعلن الجيش استعادة معظم المناطق الاستراتيجيّة والهامّة في المقاطعة من قبضة مسلحي "طالبان" كمدينة ميرانشان ومير علي. ويشدد الجيش الباكستاني في تصريحاته، على أنّ مهمة القوات المسلّحة بعد إحكام السيطرة على مقاطعة شمالي وزيرستان، هي إعادة السكان إلى منازلهم، معتبراً أنّها توفّر كل ما يحتاج إليه النازح القبلي، غير أنه رفض، في الوقت ذاته، أن يعطي موعداً محدداً لإعادة سكان وزيرستان.

ويبدو أنّ أبناء القبائل غير راضين عن الوضع الحالي، فهم يدّعون أنّ الحكومة والجهات المعنيّة لم تف بالوعود التي حملتها على عاتقها، لناحية دعم ومساعدة النازحين داخلياً، ويقولون إنّ ما تدعيه الحكومة ليس إلا مجرّد ادّعاءات، لا ترجمة أو آثار عمليّة لها على أرض الواقع. وتترافق حالة الامتعاض هذه، مع تسجيل اعتقالات متزايدة في صفوف النازحين من قبل الأجهزة الأمنيّة، بحجّة الانتماء إلى حركة "طالبان".



ولا تقتصر حالة الامتعاض على قبائل مقاطعة شمالي وزيرستان، التي تركت منازلها إثر عملية "ضرب العضب" ضد "طالبان" فحسب، بل تسري على قبائل موجودة في مقاطعات أخرى، كجنوبي وزيرستان وأوزكرزاي وخيبر، التي تركت قراها على مدى الأعوام الخمسة الماضية بسبب المعارك الدائرة بين الجيش والمسلحين. وتشكو قبائل هذه المحافظات سوء تعامل الجهات المعنيّة معها. وتعتبر أنّه على الرغم من إعلان القوات المسلّحة، استعادة السيطرة على بعض تلك المناطق، إلا أن الحكومة لا تسمح لهم بالعودة إلى مناطقهم ومنازلهم.

وفي سياق متّصل، يقول زعيم قبائل شمالي وزيرستان، هو ملك خان مرجان، إنّ الحكومة الباكستانية نسيت تماماً موضوع النازحين داخلياً، وما تقدّمه لهم ليس إلا مجرد وعود لا أثر لها على أرض الواقع. كما يشدّد زعيم حركة "توحيد القبائل"، ملك حبيب أوركزاي، على أنّ "الحكومة الباكستانيّة تركت القبائل في العراء، بعد إخراجهم من مناطقهم"، موضحاً "أنّنا عملنا على مدار الأشهر الماضية على توحيد كلمة القبائل بهدف الحصول على حقوقنا، ولا سيّما أولئك النازحين الذين تركوا منازلهم لأجل هذه البلاد".

وبهدف اتخاذ موقف موحّد إزاء ما تواجهه القبائل من العناء، عقد زعماء وشيوخ القبائل في مختلف مناطق إقليم خيبر بختونخوا إلى الشمال الغربي من البلاد، اجتماعات عدّة خلال الأسابيع الماضية، كان آخرها في مدينة كوهات في السادس عشر من الشهر الجاري، بمشاركة المئات من زعماء سبع مقاطعات قبلية، هي شمالي وزيرستان وجنوبه، وخيبر، وأوركزاي، وباجور، ومهمند وكرم. وقرر المجتمعون تنظيم احتجاجات واعتصامات مفتوحة في العاصمة إسلام آباد ومدينة بشاور، عاصمة إقليم خيبر.

وفي الإشارة إلى قرار القبائل بتنظيم الاعتصامات المفتوحة، يقول أوركزاي إنّ "قبائل المقاطعات السبع ستشارك في الاعتصامات، وهي ستستمر حتى القضاء على حكومة نواز شريف، أو تلبية مطالبنا"، فيما يشير جان خان إلى "أنّنا قررنا عقد اجتماع آخر في 26 من الشهر الجاري، لتحديد موعد الاعتصامات والاحتجاجات، ولن ننتظر كثيراً".

ومن أهم مطالب القبائل، عودة النازحين إلى المناطق التي تدّعي القوات المسلّحة استعادتها من قبضة مسلّحي "طالبان"، ووقف الاعتقالات في صفوف النازحين بحجّة الانتماء إلى حركة "طالبان" أو الجماعات المسلّحة، والإفراج عن كافة القبائل الذين اعتقلوا من مخيمات اللاجئين. وتدّعي القبائل أنّ العشرات من أبنائها، اعتقلوا خلال مداهمات ليليّة لقوات الأمن الباكستانية في بشاو، وبنو، وديره إسماعيل خان وتانك.

وتطالب القبائل الحكومة، بالإيفاء بالوعود مع القبائل، خصوصاً مع النازحين، من توفير الرعاية الصحية والإيواء وتوفير فرص التعليم لأبنائهم. وكانت "الجماعة الإسلامية" التي يتزعمها سراج الحق، أعلنت تأييدها لقرار القبائل ومنحت الحكومة قبل أسبوع مهلة شهر لتلبية مطالب القبائل، كما طالبت القبائل تأجيل قرارها لمدة شهر، لكنّ الأخيرة أصرّت على موقفها نظراً للظروف القاسية التي يعيشها النازحون، كما يدعي زعيم قبائل وزيرستان.

ويأتي قرار القبائل بتنظيم الاعتصامات في وقت تشهد فيه إسلام آباد اعتصام أنصار الزعيم الديني طاهر القادري. ويرى الإعلامي وخبير الشؤون القبلية سليم صافي، أنّ الحكومة الباكستانيّة ستواجه مشاكل جمّة، إذا نظّمت القبائل فعلاً اعتصامات جديدة بموازاة الحراك الاحتجاجي الحالي.

وكانت تظاهرات في مقاطعة مهمند القبلية، قد انطلقت الأسبوع الماضي، نظمها المئات من نساء مديرية حليم زاي، احتجاجاً على تزايد الاعتقالات في صفوف القبائل. وتقول مصادر قبليّة إنّ المتظاهرات أغلقن الطرق الرئيسة في المنطقة لعدة ساعات، وطالبن الحكومة بوقف عمليّة الاعتقالات والإفراج عن المعتقلين.



ويُعدّ خروج النساء إلى الشارع وتنظيم تظاهرة نسائيّة، سابقة في تاريخ القبائل المتحفّظة، التي لا تسمح للنساء بالخروج إلى الشارع، أياً كانت الأحوال. ويرى كثيرون أنّ الحكومة الباكستانيّة، إذا أرادت التغلّب على مظاهر التسلّح والجماعات المسلحة في منطقة القبائل، فعليها إرضاء القبائل وتلبية مطالبها، لأنه من دون دعم قبلي، لا يمكن للجيش التصدي للجماعات المسلحة، وهو ما يدركه كل من يعرف طبيعة هذه القبائل

المساهمون