قانون جديد للتحرش لا يُشعر المصريات بالأمان

07 يونيو 2014
يجب على وسائل الإعلام المشاركة في التوعية(باتريك باز/فرانس برس/Getty)
+ الخط -


لم يمنح قانون "التحرّش" الجديد الذي يُعاقب المتحرش بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة مالية لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، المصريات الأمان الذي يبحثن عنه. فبرأي الكثيرات، القانون وحده لا يكفي، لأن المتحرش مريض نفسي قبل أن يكون مجرماً.  

رغم صدور القانون، ستظل سمية محمد (44 عاماً)، تخشى على ابنتها كلما خرجت إلى الشارع. صحيح أنها وصفته بـ "الجيد"، لكنها أعربت عن خشيتها "ألاّ يردع المتحرشين، خصوصاً أن غالبية الفتيات يخجلن من الإبلاغ عن حوادث مماثلة". لذلك، اقترحت "وضع كاميرات مراقبة في عدد من أماكن الازدحام، كالمواصلات العامة والمترو".

القلق عينه، أعربت عنه سهير حسن (39 عاماً)، التي قالت إنها "لا تعتقد أن القانون سيحد من التحرش. كما أن العقوبة خفيفة، وليست كافية للردع". أما نورا السيد (17 عاماً)، فلفتت إلى أن "النسبة الأكبر من المتحرشين هم من فئة المراهقين. هؤلاء لا يعرفون شيئاً عن القانون، ويحتاجون إلى التربية والتأهيل النفسي قبل أي شيء".

بدورها، أشارت سمر فرغلي (33 عاماً) إلى أنها "باتت تخشى الخروج من منزلها بسبب التحرش الذي يحدث أحياناً تحت تهديد السلاح، ما يسبب ذعراً كبيراً". وقالت إنه "يجب على وسائل الإعلام العمل لنشر هذا القانون".
قبل الدخول فى التفاصيل ، دعونا نتعرف على أهم التعديلات التى صدرت على النحو التالى: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأي وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية.

وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجنى عليه. وفي حالة العود تتضاعف عقوبتي الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.

وفي المادة الثانية، تضاف لقانون العقوبات مادة جديدة برقم 306 مكررا (ب) ونصها: يعد تحرشا جنسيا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها بقصد حصول الجاني من المجنى عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبالغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

فإذا كان الجاني له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجنى عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكب الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحا تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين والغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه.

مصدر قانونى أشار إلى أن هذه القرارات بقوة القانون أصبحت سارية بمجرد نشرها فى الجريدة الرسمية إلى أن يتم عرضها على مجلس النواب عقب انتخابه ، وله أن يصدق عليها كما هى أو يعدلها بالشكل الذى يراه.
وبحسب تقرير نشرته هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين عام 2013، فإن 99.3 بالمئة من فتيات مصر اللاتى شاركن في الاستطلاع تعرضن للتحرش بأنواعه المختلفة ، كما أشار تقرير الأمم المتحدة نفسه إلى أن بعض رجال الشرطة ذاتهم يقفون وراء 17 بالمئة من حوادث التحرش فى مصر.

وفى أول رد فعل على القرار بقانون ، أصدرت حركة "شفت تحرش" بياناً قالت فيه: "القانون أقر ولأول مرة مصطلح التحرش الجنسى، ووضع له عقوبات لم تكن موجودة قبل إقرار القانون، وهذا هو المكسب الذى حصلنا عليه.. لكن البرلمان المقبل مطالب بتشديد العقوبات على كل من يرتكب جريمة التحرش، وتعديل نص القانون ليصبح الحبس والغرامة بدلاً من الحبس أو الغرامة".

أما سحر عثمان سكرتيرة المرأة العاملة باتحاد نقابات عمال مصر فأصدرت بياناً وصفت فيه القرار الجديد بـ"الثورى" ويعيد للمصريين هيبتهم وكرامتهم، بحسب تعبيرها. فى حين رأت عزة كامل الناشطة النسوية وعضو المجلس القومى للمرأة أن القرار بقانون "بيدلع المتحرش"، وأوضحت أن المتحرش إذا كان لديه المال فلن تهمه الغرامة التى اعتبرتها "متواضعة"، وإذا كان بلطجياً فلن يهمه الحبس لمدة 6 شهور لأنه إعتاد ذلك.
ويقول محمد عبد الله المحامى إن هذه التعديلات لا نملك إلا أن نرحب بها فى محاولة للحد من هذه الظاهرة المرعبة، ولكن المشكلة أن مصر بها العديد من القوانين التى لايجرى الاهتمام بتنفيذها، ولذلك أرى أن وضع آليات لتنفيذ القانون أهم من القانون ذاته.
ولفت عبد السلام إسماعيل المحامى إلى أن الإشارة فى القرار للتحرش "بأي وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية" يعطى الحق للفتاة أو السيدة أن تقوم بالإبلاغ عن أية رسائل قبيحة تتلقاها فى مواقع التواصل الاجتماعي، سواء بتحرير محضر فى أقرب قسم شرطة أو تقديم بلاغ للنيابة.
أما سهام الهادى "إخصائية اجتماعية" فقد أبدت ارتياحها للقرار بقانون، لكنها أشارت إلى أهمية تفعيله لأن الضحية أحياناً تخفى الحقيقة لأسباب مجتمعية تتعلق بالعادات والتقاليد، أو قد تتوجه لقسم الشرطة فلا تجد مختصاً أو إخصائية نفسية في استقبالها لمساعدتها أثناء سماع أقوالها لأنها تكون فى الأغلب فى حالة نفسية سيئة كما أن رجال الشرطة غير مدربين على التعامل مع ضحايا التحرش الجنسي ولا يأخذون القضية في الغالب على محمل الجد.

وقالت رانيا عادل "طالبة جامعية": لايهمني هذا القانون لأني اتخذت استعداداتي منذ فترة وتأهلت عبر دورة كاراتيه لمواجهة من تسول له نفسه الاقتراب مني، ولكن المشكلة فيمن يلقي ألفاظ قذرة وخادشة للحياء ثم يجري فلا أستطيع اللحاق به.

وتقول زميلتها هدى صابر: "أنا أيضاً تأهلت في دورة كاراتيه كما أن حقيبتي لاتخلو من "اسبراي" لاستخدامه ضد المتحرس" .. لكنها ترى أن التحرش الجماعي مشكلة لم يواجهها القرار بالشكل الكافي.
السيدة ابتهال حسن كانت تسير فى الشارع وتتوكأ على عصاها: "يابنتى ربنا يحميكي إنتي واللي زيك. عمرنا ما شفنا حاجة زي كده زمان، ولو مشيت لوحدي في شارع فاضي كان ييجي أي راجل يسألني رايحة فين وممكن يوصلني. أنا بنت بنتي بتيجي كل يوم دمها محروق من اللي بتشوفه في المترو، الناس ما بقتش فاضية تربي أولادها. لازم دور الأسرة يرجع تاني".
حديث السيدة ابتهال جعلنا نتوجه إلى محطات مترو الأنفاق. وبالحديث مع عدد من النساء عند محطة محمد نجيب القريبة من ميدان التحرير، رحبن جميعاً بالقرار وروت بعضهن ما يحدث من تحرش خاصة فى زحام الرصيف بصورة منافية لكل الأعراف والتقاليد المصرية وسط غياب أمن المترو التى تقتصر وظيفته على الوقوف أمام ماكينات التذاكر لتفتيش الحقائب أو اكتشاف وجود مفرقعات.

وتحكى سيدة تعرضت لتحرش جماعي على رصيف محطة الشهداء (رفضت ذكر اسمها):"لم أشعر سوى بتنميل شديد في جسدي بعد أن انتهكته أيادٍ كثيرة لم ترحم أية منطقة، ودخلت عربة المترو المخصصة للسيدات منهارة من فرط البكاء، غير مصدقة ما حدث معي".
ونبهت أخرى تدعى "حياة" إلى أن بعض الرجال يقومون بالركوب فى عربات السيدات وعندما تقدمنا بشكوى، اكتفت إدارة المترو بالتنويه في الإذاعة الداخلية على عدم ركوب الرجال لعربات السيدات، رغم أن الكثير من حالات التحرش تتم على الرصيف.

وبلغة حاسمة، قالت عطيات الجندي: الأمل في تطبيق القرار الجديد بكل حزم، وإذا لم يحدث ذلك بسرعة فسوف يتحول إلى مجرد حبر على ورق أو كلام مركون على الرف مثله مثل غيره من القوانين.

وتباينت آراء المدافعين عن حقوق المرأة حيال القانون، وإن أجمعوا على ضرورة تأمين التأهيل النفسي للمتحرش. ووصفته صاحبة حملة "شفت تحرش" هالة مصطفى بـ"الهزيل"، لافتة إلى أنه "سيؤدي إلى زيادة نسبة المتحرشين". فبرأيها، "المتحرش لا يحتاج إلى قانون يردعه، بل إلى تأهيل نفسي". وأوضحت أن "القانون لم يفسر كيف يمكن للأنثى إثبات واقعة التحرش حين يقوم أحدهم بلمسها على سبيل المثال".

ورأت مصطفى أن "العقوبات بحد ذاتها هزيلة، ولدى تطبيقها، سيخرج المتحرش من السجن أكثر خطورة". وأوضحت أن الحملة "سبق وطلبت توفير أماكن مخصصة للمتحرشين في السجون، بهدف العمل على تأهيلهم نفسياً، لأن المتحرش مريض نفسي، وليس مجرماً جنائياً".

من جهتها، قالت رئيسة قسم بحوث المرأة، وأستاذة علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، نادية حليم، إن "القانون لا غبار عليه، وإن جاء متأخراً". وروت قصة شهدتها مدينة المنيا يوم أمس الجمعة، "حين عمد شاب إلى سكب ماء النار على وجوه مجموعة من الفتيات بهدف التحرش بهن من دون مقاومة".

ورأت حليم أن "القانون يمنح المرأة شعوراً بالأمان، وخصوصاً أنهن قد يتعرضن للتحرش في أي لحظة". أما نائبة رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، سحر عثمان، فلفتت إلى أن "القانون جيد للغاية". وتابعت أن "مصر بدأت في بناء مجتمعها من جديد"، مشيرة إلى "أهمية دور الأسرة والمدارس في التوعية للحد من هذه الظاهرة".  

 

المساهمون