قائمة ديون "الخائن" أحمد عرابي للجزار!

17 يوليو 2018
+ الخط -
تزامناً مع الذكرى الواحدة والأربعين لوفاة الزعيم أحمد عرابي، والذي توفي في 21 سبتمبر 1911، وبعد أن قررت ثورة يوليو إعادة الاعتبار إليه رسمياً، بعد عقود من تخوينه أو في أحسن الأحوال تجاهله إرضاءً لأسرة محمد علي الحاكمة، قامت مجلة (الإثنين والدنيا) العريقة بنشر وثائق مكتوبة بخط يد عرابي، حصلت عليها من أرشيفه الشخصي، من بينها مفكرته التي كان يدون فيها في منفاه بجزيرة سيلان مصروفاته وديونه لمتعهد اللحوم وبائع الخبز، وسأنشر لكم جزءاً منها، كما وردت في عدد المجلة الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 1952:

"المتأخرات التي صار تسديدها لأربابها في شهر سبتمبر سنة 1884: 256 روبية للحاج شين ليبي في 2 سبتمبر، 26 روبية شين ليبي في تاريه، 8 روبيات لمتعهد المسلي، 4 روبيات لمتعهد اللحوم في تاريخه، 35 روبية أجرة البيت في تاريخه لغاية أغسطس، 23 روبية ثمن الخبز، 3 روبيات ماهية خدامة.



ماهيات ومرتبات من شهر أغسطس سنة 1884 وخلافه: 42 روبية ماهيات شهر أغسطس، 10 روبيات إلى البيطري، 7 روبيات ثمن حليب، 20 روبية ثمن ميزان حرارة، 1 روبية حلاقة، 86 روبية ثمن حجارة، 15 روبية من أجرة البيت الجديد مقدماً.

منصرف في مشتروات شهر سبتمبر 1884: 36 روبية أصناف شهرية والمسلى شهرين والغاز، 2 روبية شاي وخضار لغاية 4 من سبتمبر، 3 روبيات لغاية 12 منه خضار وخلافه، 1 روبية لغاية 15 منه خضار وخلافه، 2 روبية ثمن خشب في 15 منه، 2 روبية ثمن كيس أرز في تاريخه، 2 روبية بن، 1 روبية في 18 منه خضار وخلافه".

بعد نشر هذه المقتطفات التي تنبئ عن الحالة المالية المزرية لأحمد عرابي الذي وصفته المجلة بالبطل، وهو لفظ كان جديداً وقتها على مسامع وأنظار المصريين الذين تعودوا أن يقرأوا اسمه مقترناً باللعنات والشتائم أو بالنقد الحاد في أحسن الأحوال، أشارت المجلة إلى أن عرابي رفض عرضاً تلقاه بتزويج ابنه الأكبر إبراهيم من ابنة أخي صاحب الدولة النواب حسن بن عبد الله عماد فواز خبك بهادر، وهو بغض النظر عن اسمه الكامل، أحد أغنى أغنياء حيدر أباد، برغم أن العرض كان مجزياً مادياً، إلا أن عرابي رفضه لأنه كان يحمل معه عرضاً بتنازل عرابي عن جنسيته المصرية والاستيطان الدائم في الهند، وهو ما أغضب عرابي الذي قال كما نشرت المجلة "أتريدون مني أن أتنازل عن وطني وأن أتبرأ منه بطريقة لولبية، إن هذا لن يكون، ولن يكون هذا الزواج، ومهما هاجمني بعض مواطنيّ فإن بلادي إن جارت عليّ عزيزة وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام"، وفي السياق نفسه رفض عرابي عرضاً جاءه في منفاه بسيلان من مجلة (ماجنت) الأمريكية بتاريخ 16 يناير 1894 لكي يختصها بنشر مذكراته مقابل أجر ضخم على أن تتولى المجلة تحمل نفقات الدفاع عنه حتى يعود إلى وطنه، لكن عرابي رفض بيع نفسه، كما رفض عرضاً من الأمريكان بنصف مليون من الجنيهات على أن يسافر إلى الولايات المتحدة ويكتب قصته في صحفها لكنه رفض. 

بالطبع، لم تجد المجلة حرجاً في هذه الطريقة اللولبية الهادفة لإعادة الاعتبار لعرابي بقصص مثل هذه يصعب التحقق منها، فقد كان الأهم بالنسبة لها مراعاة توجهات السلطة العسكرية التي رأت في قصة أحمد عرابي خير سند لها في عملية تشكيل الخيال الوطني الجديد، الذي يقدم الضباط كمنقذ من الاحتلال والاستبداد والاستعباد والنهب المنظم لثروات الوطن الذي كانت تقوم به أسرة محمد علي، ولذلك حرصت المجلة على أن تستعرض ما نشره عرابي في مذكراته عن المعاملة المهينة التي تعرض لها بعد القبض عليه، حيث قام عثمان بك القائم على خصوصيات الخديو توفيق بنزع ثيابه كلها عن جسده، ليعثر على تميمة يضعها حول رقبته فحاول نزعها بالقوة، فرد عليه عرابي قائلاً إنه سوف يخلعها بنفسه، فرفض عثمان بك وقال إن الخديو أمره باستعمال القسوة معه، ثم دخل عليه في السجن إبراهيم أغا حامل غليون الخديوي وبصق في وجهه 3 مرات وسبه قائلاً: أيها الكلب الخنزير، وقبل محاكمته رفضت إدارة السجن تزويد زنزانته بمصباح لكي لا يحرق نفسه.

من أطرف ما نشرته المجلة من الكنوز التي حصلت عليها من أرشيف عرابي الشخصي، رسالة حرص عرابي على الاحتفاظ بها، موجهة إليه من إحدى أميرات الأسرة الخديوية العلوية وهي الأميرة إنجي أرملة سعيد باشا، تعرض عليه فيها الزواج، لأنها تراه مخلصاً لمصر، وتهديه خيمة زوجها الراحل وعدة هدايا أخرى ثمينة، كما احتفظ برسالة تأييد ومواساة من الأمير ابراهيم باشا، أرسلها إلى عرابي أثناء معركة كفر الدوار، ورسالة من زوجة ويلفريد بلنت أحد أصدقاء عرابي وحفيدة الشاعر الإنجليزي اللورد بايرون، والتي كانت صديقة حميمة لعرابي، وكانت قد فشلت هي وزوجها في مساعيهما لنقل عرابي من سيلان إلى قبرص، بسبب خوف الإنجليز من تأثير وجوده في قبرص القريبة من مصر.

مما وجدته المجلة أيضاً مفكرة حمراء صغيرة كان عرابي يسجل فيها أسماء بعض الجواهر التي اشتراها من سيلان مبيناً عددها وأثمانها، والتي كان يتولى بيعها بنفسه بعد ذلك للإنفاق على نفسه، ويهدي بعضها إلى أصدقائه وأحبائه، ويدخر ما تبقى من أثمانها ليستعين على صروف الأيام، وهو ما حدث عندما أطلق سراحه، وعاد إلى مصر ليواجه بنكران مبين، فأخذ ينفق على نفسه من حصيلة بيع المجوهرات التي جلبها معه من سيلان، ليموت مقهوراً محسوراً دون أن يلقى حقه من الإنصاف والإعتراف والنقاش الموضوعي، رحمه الله.

على الهامش:


في نفس الفترة التي نشرت فيها مجلة (الإثنين والدنيا) هذه السطور المنصفة لأحمد عرابي، نشرت شقيقتها الصغرى مجلة (الكواكب) إعلاناً عن كتاب أصدرته شقيقتهما الكبرى (سلسلة كتاب الهلال) بعنوان (الزعيم الثائر أحمد عرابي) للمؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي، ومع أن الإعلان يقول أن "الظلم والاستبداد" صادر الكتاب في مارس 1952، إلا أنه في موضع آخر من نفس الإعلان يقول أن نفس النسخ التي كانت معدة للتوزيع في مارس 1952 هي التي ستخرج إلى النور، مما يعني نظرياً أن ما حدث للكتاب منع توزيع وليس مصادرة نسخ، وبالطبع كان لا بد أن يتم الإعلان عن الكتاب بطريقة "كوهين ينعي ولده ويصلح ساعات"، فيتم الترويج للكتاب ونفاق (العهد الجديد) ولذلك تم تصدير الإعلان بعنوان (عهد الحرية يفرج عن الكتاب الخالد)، للأسف لم أقرأ الكتاب، لكن ما أذكره جيداً وسبق أن كتبت عنه أن عبد الرحمن الرافعي ـ المنتمي سياسيا وفكرياً إلى الحزب الوطني القديم ـ كان قد شن هجوماً قاسياً على عرابي في كتابه الذي أرّخ للثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي، واتهمه بالغرور وضيق الأفق، وهو ما يتسق مع أفكار وسياسات الحزب الوطني الذي كان يحمل عرابي مسئولية الاحتلال الإنجليزي، بل إنه -كما سبق أن أشرت في مقال سابق- كان يدفع شبابه المتحمسين إلى الذهاب إلى المقاهي التي يجلس عليها عرابي بعد عودته من منفاه، ليقوموا برشقه بالطماطم والبيض وينهالوا عليه بالشتائم والاتهامات، وأعدك قريباً بقراءة كتاب الرافعي وعرضه، لأعرف ما الذي تغير في موقفه من عرابي، هذا إذا كان قد تغير، ولم يتم تغيير عنوان الغلاف لكي "يمشي مع الأحداث".




لماذا طلع بديع خيري من دينه؟

في العادة يحلو لهواة البكاء على الزمن الجميل الاستشهاد بقصة عدم معرفة الممثل الكبير نجيب الريحاني بأن صديقه وشريك مشواره الفني بديع خيري مسلم إلا بعد فترة طويلة من بدء صداقتهما، حين وقعت لبديع حادثة وفاة لأحد أقاربه، وذلك للتدليل على زوال الفوارق بين المسلمين والمسيحيين في "أيام زمان الحلوة"، مع أن أي قراءة لتاريخ الفتن الطائفية في مصر في النصف الأول من القرن العشرين سيؤكد عكس ما يحرصون على تصويره، وربما كان الاستثناء الأكبر لهذه القاعدة، هو ما جرى في الأيام المجيدة من ثورة 1919، والتي كان الإفراط في التأكيد من جميع المؤرخين على وقائع التآخي والتضامن بين المسلمين والمسيحيين، كاشفاً في حد ذاته عن عمق الأزمة التي كانت سابقة على ذلك التآخي الذي فجرته المشاعر الوطنية التي دفعت المصريين لاسترداد أرضهم من المحتلين، بغض النظر عما صاحب ذلك وأعقبه من شوائب عكرت صفو ما حدث.

ولكي لا نبتعد في حديثنا عن بديع خيري أحد رواد المسرح والسينما والصحافة وشعر العامية في مصر، دعونا نهدي لهواة البكاء على الزمن الجميل مقالاً نشرته مجلة (الإثنين والدنيا) العريقة في العدد رقم 274، كتبه بديع خيري بعنوان (طلعت من ديني)، اقترح فيه على المجلة إذا أرادت أن تقوم بعمل مباراة شيقة لاختبار الذكاء، بأن تجعله موضوعاً لهذه المباراة، مبرراً ذلك بقوله: "فالواقع أنني على قدر ما عرفت في عشرات السنين من إخوان وأصدقاء قد يخطئهم العد، لا أزال في نظر الأغلبية الساحقة منهم تارة مسيحياً رغم أنفي وطوراً آخر سورياً، ومع أنه ليس أحد أبعد مني عن التعصب لدين بذاته أو جنسية بعينها، طالما كنت خادم فن والفن لا دين له ولا وطن، أقول مع هذا كم وددت لو أنني أصبحت مفهوماً على حقيقتي (مصرياً مسلماً) لا لشيء إلا لأمر واحد هو تفادي الإحراج المضحك".







ثم يحكي بديع خيري أنه كان في عام 1923 يعمل مع "حضرة السيدة منيرة المهدية مطربة الشرق" كمؤلف مسرحي، فدعته "أمد الله في حياتها على إثر نجاح روايتها (الغندورة) إلى مأدبة غداء"، وبدأت حديثها للضيوف مجاملة بأنها جِدّ معجبة باثنين توليا التأليف لها من المسيحيين المرحوم فرح أنطون وغير المرحوم بديع خيري"، وفي واقعة أخرى جلس الممثل الكبير عبد الرحمن رشدي بين فريق من أصدقائه ليتحدث عن نجاح الثورة المصرية في عام 1919 بسبب التآلف الوثيق بين المسلمين والأقباط، "ثم جعل يسرد أعلاماً من الطائفة القبطية أفادوا النهضة في المحاماة والطب و... إلى أن وصل إلى الفن فأشاد بالأستاذ منسى فهمي كممثل، وبي أنا كمؤلف مسرحي".

بعدها يروي بديع خيري قصة مشاهدة حدثت بين الممثل حسن فايق وبين صديق قبطي لبديع في مناقشة دينية، فاحتد حسن وقال كلاماً جارحاً، أو على حد تعبير بديع: "وقال حسن ما شاء أن يقول"، وكان ذلك بحضور "فقيد المسرح محمد تيمور الذي نهض صائحاً بحسن: يجب على الأقل أن تحترم شعور بديع فقد وسعك في هذا حلمه وتسامحه". كما يحكي أنه حين اعتزم إصدار مجلة (ألف صنف) التي سقطت للأسف من ذاكرة الصحافة المصرية برغم فرادتها وحيويتها، ذهب إلى متعهد الصحف البارز عبد العظيم سعودي ليتفق معه على توزيعها، وكان يقرأ لبديع كثيراً من أزجاله التي ينشرها في مجلة (الكشكول)، ويحفظ بعضها عن ظهر قلب، فرحب بفكرة المجلة وعرض على بديع أن يشاركه فيها بالمال، "واقترح لضمان رواجها في الأرياف والطبقات المتوسطة، أن تعنى ضمن أبوابها بشيئ من الأخلاقيات الدينية العامة، قائلاً: أن هذا لا يتنافى مع مجلة صاحبها مسيحي، وكان أن شرحت له حقيقتي"، فسأله الرجل عن اسم أبيه، ثم صمم أن ينشر بديع اسمه مصحوباً باسم أبيه ليؤكد أنه مسلم، فيساعد ذلك على رواج المجلة في "الأرياف والطبقات المتوسطة".

ثم يحكي بديع خيري ما جرى حين عهد طلعت حرب باشا إليه وإلى غيره من الزجالين والشعراء بنظم أزجال في الدعاية للحج، ليتم إذاعتها في الراديو، فاعتبر كثير من المستمعين أن هذا التصرف "غريب من مسيحي، وكاتبني بعضهم في ذلك بالفعل"، ويختم الحوادث التي "طلعته من دينه" بقصة ما جرى له حين قام أهالي منطقة جزيرة بدران بشبرا التي كان يقيم فيها بعمل حملة تبرعات لإصلاح جامع خورشيد، فدعوا السكان المحيطين بالجامع للتبرع له، "وأغفلوا أمري في هذا مع من أغفلوهم من غير المسلمين، فرأيت نفسي مطالباً أمام ضميري بالاشتراك من تلقاء نفسي، وتقدمت بتبرعي إلى اللجنة، وانقسمت هذه حزبين في قبولها أو رفضها".

ليس هناك أدنى شك في أن ما يحكي عنه بديع خيري يعتبر فانتازيا خيالية مفرطة الجمال، مقارنة بما يشهده المجتمع المصري من تعصب وتطرف وكراهية، لكن من المهم على كل من يرغب في التخلص من ذلك، ألا يقوم بالترويج لوهم أن كل ذلك هو وليد العقود الماضية فقط، لأن جذوره بالغة القدم، إلا إذا كان يتصور أن صناعة مستقبل أفضل تبدأ بتزييف الماضي.





الفقرة الإعلانية

بتاريخ 20 يوليو 1971 نشرت الصحف والمجلات هذا الإعلان الذي يزف خالص التهاني لهؤلاء الأربعة السعداء الذين كان اثنان منهما من مدينة الزقازيق، في حين كانت الثالثة من ميت غمر، ولم يستدل على عنوان وصورة السعيدة الثالثة، يا ترى أين ذهب هؤلاء الآن، وماذا فعلوا بتلك الثروة التي هبطت عليهم من البنك الأهلي المصري؟ ألن يكون هذا بالذمة موضوعاً لتحقيق صحفي ممتع؟ وألن يكون الأحلى من ذلك أن يراسلنا من يعرف هؤلاء ليحكي لنا عنهم وما فعلته بهم الأيام؟




من بريد القراء

تحت عنوان (في خيمة من سنة 1975) نشر باب بريد القراء في مجلة (المصور) رسالة من المواطنة -غير السعيدة- تفيدة عبد النبي مصطفى القاطنة بـ 23 شارع باب الوزير بالدرب الأحمر تقول فيها "أنا تفيدة عبد النبي المقيمة بخيمة داخل جامع خيري بلك 23 شارع باب الوزير بالدرب الأحمر، لقد خرجت من منزلي المنهار إخلاء إداري من سنة 1975 ميلادية وحتى الآن لم أسكن في شقة. إنني أرمل مسنة وأربي أيتاماً وفقيرة ومصابة بالضغط، بالإضافة إلى ما أعانيه من برد الشتاء وحر الصيف منذ سنة 1975 داخل الخيمة". نسيت أن أخبرك أن الشكوى تم نشرها بتاريخ 26 يناير سنة 1979، وتحيا مصر ثلاث مرات.

كاريكاتير
في عدد صحيفة القبس الكويتية الصادر بتاريخ 31 يوليو 1985 نشر رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي هذا الكاريكاتير الذي لا زال كما ترى صالحاً للنشر.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.