في هجاء عدوّ الشهداء!

24 سبتمبر 2015
الرئيسُ عبّاس كائنٌ عجيبٌ ومتناقض (فرانس برس)
+ الخط -
كثيرًا ما جمعتهما جلساتُ الحوار، وكانا يتبادلان احترامًا واضحًا، وفي إحدى الجلسات بادره قائلًا في سعادةٍ واعتداد: أم مازن محجّبة يا شيخ نزار، وحجّت بيت الله الحرام! لا أدري في أيّ سياق كان حديثُ الرئيس الفلسطينيّ عن التزام بيته وأهله، ولماذا وجّه الحديث لنزار ريّان خاصّة، وهل كونه عالمًا دينيًّا يجعلٌه وكيلًا للشرع في نظر الرئيس؟! الله أعلم! لكن الموقف كان طريفًا، وحدّث به الوالد رحمه الله في يومه!


يوم استشهاد الوالد رحمه الله، اهتزّت مشاعرُ كلّ عربيّ ومسلم، بل كلّ إنسان، كان اغتيالُه متوقّعًا كحال من سبقه من قادة الشعب الفلسطيني، لكن فداحة الجريمة بقتل جميع أطفاله معه (في وقتٍ لم يكن قتلُ الأطفال قد انتشر انتشاره أيامنا هذه)، جعلت القريب والبعيد يسارعون لإدانة الجريمة، والتعزية بالشهداء، وقد رأيتُ في حملة نعش الوالد رحمه الله كثيرًا من شباب فتح الذين لا يطيقون حماس سياسيًا وتنظيميًا، لكن الدماء الفلسطينيّة الحُرّة التي تجري في عروقهم تجعلُ الاختلاف السياسيّ لا شيء في حضرة الدم والتضحية الكبيرة!

الشاهدُ أنّ عبّاس الذي تربطُه بالوالد علاقةٌ ومعرفة، ويعتبرُ نفسه رئيسًا للشعب وممثلًا وحيدًا له، والذي لا يفوّت فرصة للتنديد بكلّ حجرٍ يسقط على جنود الاحتلال، لم يُكلّف نفسه ببيان نعيٍ أو حتى تنديدٍ بالمجزرة البشعة بحقّ أحد قادة الشعب الفلسطينيّ وعائلته! وكذلك فعل بعدُ في جريمة اغتيال الشهيد سعيد صيام، وقد جمعهما الحوارُ السياسيّ، والعملُ الحكوميّ أيضًا، ومنعه حقدُه السياسيّ من أيّ موقفٍ يتّخذه تجاه اغتيال الرجلين.

تبيّن لي بعدُ أنّ الأمر لم يكن شخصيًا بحال، وأنّ عبّاس قلّما يحفلُ بالشهداء، احتفاله وعنايته بقتلى الصهاينة على أيدي المقاومة!

حين استُشهد الرضيع علي دوابشة حرقًا بأيدي المستوطنين، تساءل كثيرٌ من النشطاء عن الرئيس الفلسطينيّ، ولماذا لا يزورُ العائلة المنكوبة، ويُبدي اهتمامًا بما جرى لها! لكن الرئاسة الفلسطينية تجاهلت تلك الدعوات والتساؤلات بكلّ برود، بل سمحت للمجرم نتنياهو بالمزايدة عليها إذ ذهب لزيارة العائلة المحترقة وهي ترقدُ على أسرّة الموت في مشفى تل هاشومير قبل لحاق الوالدين برضيعهما!

بالأمس قتل جنديٌّ صهيونيّ فتاةً فلسطينيّة في ريعان الصبا، أعدمها بدمٍ باردٍ أمام عدسة الكاميرا! ولم يكلّف الرئيس الفلسطينيّ نفسه كلمة واحدة! ولو أنّ القتيلَ أحد المغتصبين الصهاينة، لقامت قيامتُه! ولهدد وأزبد وأرعد ضدّ قاتله، ولأرسل التعازي الحارّة إلى ذويه! لكنّ هديل الهشلمون ليس لها من الحظوة ما لقتلتها، عند من يُفترض أنه رئيسُها ووليّ دمها أمام العالم، ولو كان لها أن تنطق، لصرخت في جموع المنددين والمستنكرين: "دعوا دمًا ضيّعه أهلُه"!

الرئيسُ عبّاس كائنٌ عجيبٌ ومتناقض، كان يقولُ للناس فاتحة عهده بالرئاسة: "أنا رجل لا أحبّ وجع الراس، وقريبًا سيأتي اليوم الذي أملُّ فيه، وأسحبُ شنطتي وأغادر!" لكن الأيام أثبتت أنه لا يعرفُ الملل حقيقة! وهو يناضلُ عن كرسيّه بشراسة شابّ في مقتبل العمر!

وقد صرّح ذات مرّة مع انطلاق الربيع العربيّ: "إذا تظاهر ضدّي اثنان، سأتقدّم باستقالتي"، فلما تظاهر الناسُ ضدّه قمع واعتقل وغيّبَ في سجونه العشرات من الشباب والطلاب!

ومن تناقضات الرئيس أنه يرفضُ العنف، بأيّ مقدارٍ، وتحت أيّ ذريعة، ولو حجرًا على جيب "المشمار قفول"، لكنه لا يتردد لحظة في استعمال العنف مع أبناء شعبه، والموقف الوحيدُ الذي سجله التاريخ له يأمر فيه بإطلاق النار، كان تجاه المقاومين!

ومن تناقضاته أنه دومًا يلومُ فصائل المقاومة ويحرّض عليها بدعوى تدخلها في شئون الدول الأخرى، بينما لا يجدُ غضاضةً في التدخل بين فينة وأخرى، ولكن لتأييد الأنظمة الظالمة والمجرمة!

أحيانًا تشعر أن الرجل يبحثُ عن "سواد الوجه"، كما يقولون بالفلسطينية، فمثلًا كانت علاقته سيئةً مع النظام السوريّ قبل ثورة شعبه عليه، وتدهور علاقته مع المقاومة الفلسطينية، فلما ثار الشعب على بشار الأسد، وصارت له خصومة مع المقاومة، صالحه عبّاسُ ووطّد علاقته به!

الرئيس عبّاس حقودٌ جدًا أيضًا، ومن حقده أنه يُعاقب غزّة لأنها لفظته، ولم تثُر ضدّ خصومه السياسيين، ولذلك لا يفوّت فرصةً لإيذائها، كم كانت صدمةُ الناس كبيرةً في غزة يوم أعلنت قطرُ عن منحها الوقود لمحطة الكهرباء، فرفض الرئيس عباس توريدها مطالبًا قطر بدفع ما يُعادل ضرائبها لخزينة السلطة! رغم أنه لا قانون في العالم يسمحُ بفرض ضرائب على التبرّعات!

طالما أردتُّ أن أكتب في هجاء الرئيس عبّاس، وكرهتُ أن أنغّص على الناس عيدهم بذكره، لكن دماء "هديل الهشلمون" التي تجاهلها حرّضتني على هجائه ليلة العيد! ولا أجدُ حقيقةً عبارة "تهنئة" أدعو عليه بها إلا أن أسلك طريق القائلة: "أدعي عليك بإيه وإنت فيك كل العبر"، فكل عام وأنت محمود عبّاس يا سيادة الرئيس!

(فلسطين)
المساهمون