في مصر.. "الكل مقتول"

18 مارس 2015
أغلب المقتولين من الفقراء في كل مجموعة (الأناضول)
+ الخط -

(1)

أ) حصيلة القتلى في ذكرى ثورة 25 يناير هي 25 قتيلاً، تختص المطرية وحدها بـ12 قتيلاً، أحدهم طفل مسيحي، بالإضافة إلى شيماء الصباغ (عضو حزب التحالف الشعبي)، يوم 24، وسندس رضا (17 سنة) يوم 23 في الإسكندرية.

ب) حصيلة قتلى الهجوم على الكتيبة 101 والمربع الأمني في العريش هي 30 قتيلا من جنود القوات المسلحة، تم هذا الهجوم مساء يوم 29 يناير 2015.

ج) بلغ تقدير ضحايا أحداث استاد الدفاع الجوي 22 قتيلا من مشجعي نادي الزمالك، وذلك مساء يوم 8 فبراير/شباط 2015.

د) يوم 16 فبراير/شباط 2015 أذاع تنظيم داعش فيديو يظهر ذبح 21 قبطيا مصريا في ليبيا بعد احتجازهم لفترة.

ه) مقتل المحامي كريم حمدي واثنين آخرين من المحتجزين داخل قسم المطرية في القاهرة بعد تعرضهم للتعذيب، وقد وقعت هذه الحادثة يوم 25 فبراير/شباط 2015.


(2)

ما سبق هو ملخص لحصيلة من ماتوا في مصر خلال شهر واحد، وهي حصيلة تبلغ 103 قتلى، وللحق هي حصيلة غير دقيقة، فهذه هي الأرقام الرسمية، وبالتالي هي تعبر عن أقل تقدير في كل حادثة، ومن ناحية أخرى هي غير دقيقة، لأنها تعبر عن الحوادث المجمعة والحوادث المشهورة، فالحصر الحقيقي صعب جداً، فهناك حوادث قتل لمحتجزين يومياً في الأقسام والسجون، وهناك عمليات ضد الجيش والشرطة في سيناء يوميا، وبالعكس فهناك عمليات للجيش ضد الجماعات الموجودة في سيناء، ما يسفر عن قتلى مصريين يومياً.

أيضاً هذه الحصيلة لا تشمل من يموت في مصر نتيجة حوادث الطرق أو الإهمال الطبي أو من يموت منتحراً هرباً من ضيق العيش. والخلاصة أن الموت عن طريق القتل بغض النظر عن القاتل أصبح حدثاً يومياً في جمهورية مصر العربية.


(3)

هناك عدة ملاحظات على هذه الحصيلة:

أ‌- هذا هو التنوع، فالحصيلة فيها جنود يمثلون السلطة القائمة، وفيها معارضون يمثلون شبابا من أنصار ثورة يناير، وتشمل المسلم والمسيحي، وتشمل المتهم والمحامي، كما أنها تشمل السياسي والمشجع الكروي الذي ذهب ليستمتع بمشاهدة فريقه، فالقتل في مصر أصبح من حق الجميع. ولكن يجب علينا هنا تسجيل حقيقة أن معارضي النظام القائم هم أكثر المعرضين للقتل في مصر، وفي مقدمتهم المعارضون المحسوبون على التيار الإسلامي.

ب‌- الملاحظ على حصيلة القتلى وكل حوادث القتل في مصر، أن الشباب هم أكثر القتلى بين المشجع الشاب والجندي الشاب والثوري الشاب والإسلامي الشاب والقبطي الشاب، وهو ما يعني تحول كلمة (قتل المستقبل) من مجرد تعبير بلاغي إلى حقيقة واقعة.

ج- ملاحظ أيضاً أن أغلب من يقتلون هم الفقراء في كل مجموعة، فهذا المسيحي الصعيدي الذي ترك وطنه وذهب إلى ليبيا ليعمل، هو من أحوج الفقراء، ولم يجد له مكاناً للعمل في شركات ساويرس، وهذا الجندي الذي يموت في سيناء هو المجند الذي لم يجد واسطة لتبقيه بجوار منزله، ولا يوجد في عائلته ضابط جيش، والمشجع الذي تدافع في محاولة للدخول بتذكرة للدرجة الثالثة أو بدون تذكرة، لأنه ليس من المقربين من رئيس النادي، ليعطيه دعوة إلى دخول الدرجة الأولى. والقتل يزيد في المطرية وقسمها لأنها منطقة شعبية فقيرة تعاني يومياً من الحياة، والمحامي كريم حمدي بالطبع ليس من مكتب فريد الديب.


(4)

"عارفين ليه كلنا صعب علينا "الكلب"، علشان محدش فينا قدر يصنفه (مسيحي، إخوان، ألتراس، جيش، شرطة، إرهابي، فلول... ولكن للأسف في مصريين كتير ماتوا ولسه بيموتو بطرق أبشع ومش بيصعبوا علينا بسبب التصنيف"!

العبارات السابقة ليست لي ولكني نقلتها من حساب على فيسبوك لشاب يدعى شرف الدين، وقد كتب بهذا المعنى أكثر من واحد على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي عبارات كتبت تعليقاً على حادث تعذيب وقتل كلب في منطقة شبرا الخيمة علناً أمام المارة. هذه العبارات، للأسف، تعبر عن حقيقة تعامل المصريين مع قتلاهم، فمن قتل وهو محسوب على التنظيم الذي أنتمي إليه أو يتبع أيديولوجيتي أو يتبنى الرأي السياسي الذي أتبناه، فهو بطل عظيم وشهيد، أما إذا كان من رأي أو دين أو فكر مخالف لي فهو يستحق القتل ولا تجوز عليه رحمة أو دمعة. لقد وصلنا إلى أسوأ أنواع الاستقطاب، وهو الاستقطاب في الموت والتعامل معه، فالآن في مصر يرفع شعار: (قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار)


(5)

إن المواطن المصري من كثرة حوادث القتل والموت اعتاد هذه الأخبار، ولكن الحقيقة أن هذه الأخبار تنبئ بكارثة حقيقة في مصر، بل وتؤكد أن المستقبل في مصر مظلم، والكارثة ليست في عدد من يموت، ولكن الكارثة الحقيقية هي في تزايد الحوادث بشكل مستمر، وفي أن كل فريق وطائفة يبحث عن المزيد من القتل للمختلف معه. إن هذه الكلمات هي صرخة تحذير مما يحدث في المجتمع المصري من اعتياد للقتل ومن تبريره.


(مصر)

المساهمون