"في ذكرى رابعة، لا يمكنك إلا الوقوف احتراماً لهؤلاء الشهداء الذين دفعوا أرواحهم ودماءهم ثمناً لقناعاتهم. هم أرادوا نصرة فكرة وقضية، حرصاً على عدم ضياع الثورة". هذا ما يقوله من موقع المجزرة في القاهرة اليوم، علي تهامي، وهو طالب في جامعة الأزهر.
مصريون كثر ما زالوا يسمعون "تردّد صرخات الأمهات في صمت الليل، وفي الخلفيّة أصداء الرصاص الذي حصد أرواح الشباب". وكان هؤلاء الشباب قد وفدوا من المحافظات المصرية، "للحؤول دون ضياع مكتسبات ثورة 25 يناير (2011)".
بالنسبة إلى هؤلاء الرافضين للانقلاب العسكري على أوّل رئيس جمهورية مدني منتخب محمد مرسي، "رابعة العدوية هي رمز للصمود والثبات على الموقف". هم كانوا قد شاركوا بتحرّكات عديدة قبل تظاهرات 30 يونيو، "خوفاً من الهجوم على القصر الرئاسي في الاتحادية والمساس بشرعيّة مرسي". لكن الكيانات والأحزاب الإسلامية سرعان ما حسمت أمرها بعدم الاعتصام والتجمّع أمام القصور الرئاسية، لأن حمايتها هي مسؤولية وزارة الداخلية والحرس الجمهوري. وكان اعتصاما ميدانَي رابعة العدويّة في القاهرة والنهضة في الجيزة.
تحوّل ميدان رابعة والمعتصمون فيه، "محطّ أنظار العالم أجمع، نظراً لصموده". وأتى شهر أغسطس/ آب 2013، ليُفضّ الاعتصام هناك وكذلك في ميدان النهضة بقرار من النائب العام السابق المستشار هشام بركات.
بالنسبة إلى أنصار الرئيس المعزول، "خرج اعتصامهم من دائرة الخلافات السياسية ليتحوّل رمزاً لمواجهة انقلاب عسكري مكتمل الأركان بمشاركة جهاز الشرطة، يسعى إلى الانتقام من كل المشاركين في ثورة 25 يناير". وقد انتشرت شعارات رابعة وشاراتها في بلدان عديدة حول العالم، على مستوى منظمات وحركات وأحزاب.
وكانت أحداث أمنيّة عديدة قد استهدفت هؤلاء قبيل انطلاق اعتصام رابعة وأدّت إلى "تسجيل مئات الإصابات المختلفة بالرصاص وسقوط قتلى وجرحى. وقد أتت الإصابات بأكثرها من الخلف، ما يشير إلى قصد القتل". ولعلّ أحداث طريق النصر التي عُرفت بـ"مذبحة المنصة" في 27 يوليو/ تموز 2013، هي الأشدّ قسوة. فيها، نشبت اشتباكات عنيفة ما بين المعتصمين وقوات الأمن، استمرت حتى صباح اليوم التالي تاريخ انطلاق اعتصام رابعة في 28 يوليو/ تموز. وقد استخدمت فيها الأسلحة الآلية والخرطوش والغاز المسيّل للدموع بشكل مكثّف للغاية، في حين كان المعتصمون في المقابل يردّون بإلقاء الحجارة. وبعد "سقوط نحو 76 شهيداً وألف جريح بالإضافة إلى ضحايا آخرين من جرّاء أحداث سابقة، راحت أعداد كبيرة من داعمي الشرعية أو الرافضين للنظام العسكري تتوافد إلى رابعة".
بالرغم من درجات الحرارة المرتفعة في هذه الفترة من السنة، إلا أن المعتصمين، لا سيّما هؤلاء الوافدين من المحافظات المصريّة، لازموا مكانهم. وبين محاولات الوساطة لحلّ الأزمة وفضّ الاعتصام، كان النظام العسكري بالنسبة إلى هؤلاء الناشطين "يتحيّن الفرصة المناسبة للانقضاض على التحرّك، ظناً منه أنها نهاية التيار الإسلامي وبداية مرحلة جديدة".
ويلفت هؤلاء إلى أن "الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، وخصوصاً أن الدكتور محمد البرادعي الذي كان حينها نائباً للرئيس المؤقت عدلي منصور، فضح النظام الانقلابي. هو تحدّث عن مشاورات لفضّ الاعتصام تدريجياً، كبداية لحلّ الأزمة".
على الرغم من الحديث المتكرر والتحذيرات من أن لحظة فضّ اعتصام رابعة آتية لا محالة، خصوصاً بالتزامن مع حشد قوات أمنيّة على أطراف الميدان من مختلف الاتجاهات، إلا أن قيادات التحالف الوطني لدعم الشرعية لم تتصوّر "حجم العنف الذي كانت وزارة الداخلية تخطّط له وتنوي تنفيذه".
في الساعات الأولى، "فشلت الداخلية في فضّ اعتصام رابعة، نظراً لصمود الشباب المعتصمين. ولم تتمكن من ذلك إلا بدعم من وحدات الجيش، التي شاركت في المجزرة". وقد حاولت مسيرات عدة التوجه إلى ميدانَي رابعة والنهضة لدعم المعتصمين، غير أن كل المحاولات باءت بالفشل. قوات الجيش والشرطة قطعت كل الطرقات التي تؤدي إلى الميدانَين.
إلى ذلك، لم تفِ الداخلية بوعودها التي كانت قد أطلقتها حول تشكيل ممرّ آمن لخروج المعتصمين من الميدانَين من دون التعرّض لهم. هي اعتقلت أعداداً كبيرة من المعتصمين في الممرات الآمنة المزعومة، بالإضافة إلى تعرّض آخرين إلى التنكيل والاعتداء بالضرب. يُذكر أن تسجيلات فيديو وصور فضّ اعتصام رابعة العدوية، تظهر تعمّداً لتصفية الناشطين واصطيادهم مثل الفرائس.
اقرأ ايضاً: حياً أو ميتاً.. أعيدوا ابني الذي ضاع في رابعة