هَرَب الحاج صبحي الحلو وعائلته من حي الشجاعية شرقي مدينة غزة أثناء تعرضه للقصف الإسرائيلي المركّز، إلى مخيم الشاطئ للاجئين المطلّ على البحر، ظنّاً منه أن المكان آمن. لكن القذائف الإسرائيلية لاحقته، ليكتشف الغزيّون أن لا مكان يلجأون إليه.
في ذلك اليوم، أمسك صبحي بيدي حفيديه رامي وأسامة، وذهب ليشتري لهما الحلويات من البقالة المقابلة للمنزل الذي هرب إليه في الشاطئ. لكن القذائف الإسرائيلية انهالت على المكان الذي كان فيه عدد من الأطفال.
استشهد صبحي وحفيده أسامه على الفور، فيما أصيب رامي بجراح خطرة، نقل بعدها إلى العلاج في تركيا. كذلك، استشهد ثمانية أطفال آخرين في المكان عينه.
حكاية الحاج صبحي تنطبق على الكثير من الغزيين. إذ تركت آلاف العائلات منازلها هرباً من شدة القصف وطلباً للنجاة والحياة. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان. استُهدفت السيارات التي تقلُّهم والمنازل التي انتقلوا إليها، ولم تترك الطائرات والآليات العسكرية الإسرائيلية شبراً آمناً في غزة.
حتى أن مدارس "الأونروا" التي تعتبر الأكثر أماناً بوصفها تابعة لمؤسسة أممية تحظى بحماية دولية، والتي تضم مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين، لم تسلم من القذائف الإسرائيلية التي استباحت جميع الحرمات، وقتلت عشرات المواطنين الآمنين الذين احتموا داخلها.
أم محمد السمري فقدت ثلاثة من أحفادها بعدما هربوا مع أسرهم إلى مدرسة بنات بيت حانون الإعدادية شمالي قطاع غزة، فقد تم استهداف سيارة كانت تقف في مقابل المدرسة قبل أن يدخلوها، مما أدى إلى إصابتهم جميعاً واستشهاد الأطفال محمد وضياء وسلمى.
تسأل أم محمد وهي تتفقد ابنتها فاطمة التي ترقد على سرير في مستشفى "الشفاء" نتيجة إصابتها بمختلف أنحاء جسدها: "ما ذنب هذه العائلة المسكينة؟ أرادت فقط الهرب من الخطر بعد تحذيرها من قبل قوات الاحتلال".
يمكن رصد انتهاكات إسرائيلية كثيرة للقانون الدولي الإنساني خلال فترة العدوان المستمر على القطاع، من خلال الاستهداف المباشر للمنشآت المدنية، التي يحتمي بداخلها المواطنون، كالبيوت والمساجد والمدارس والمستشفيات.
مروان حجيلة بدوره ترك منزله في مدينة خان يونس بعد تعرضه لعدد من القذائف الإسرائيلية، وانتقل للعيش في منطقة الجلاء وسط المدينة. لكن عائلته لم تسلم من القذائف الإسرائيلية.
يقول: "توجهنا إلى وسط المدينة عن طريق صلاح الدين. وأثناء سيرنا، انهالت علينا الصواريخ التي طالت إحدى السيارات القريبة منا، فتطايرت الشظايا واخترقت جسد زوجتي وابنتي اللتين ترقدان الآن في مستشفى الشفاء، فيما استشهد جميع من كانوا في السيارة".
وبات لدى الغزيين قناعة بأنه لا يوجد مكان آمن، وأن الموت والحياة سيان في ظل تجاهل المجتمع الدولي لجرائم إسرائيل بحق المدنيين. ووفق تقديرات حقوقية، فإن أكثر من 86 عائلة غزية فقدت ثلاثة أفراد وأكثر منذ بدء العدوان.