تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
06 ديسمبر 2018
في صراع العروش إما أن تربح أو تموت
كاتب وباحث لبناني حائز على إجازة في إدارة الأعمال ويدرس حاليا في معهد العلوم الإجتماعية في الجامعة اللبنانية، له عدة مساهمات في جرائد لبنانية ومواقع إلكترونية مهتم بالدراسات التاريخية والأبحاث.
بدأت شركة HBO في 14 نيسان/ أبريل الماضي، بعرض الجزء الثامن والأخير من مسلسل الخيال الملحمي الشهير لعبة العروش Game of Thrones، وهو المسلسل المقتبس عن رواية من نفس الاسم، وهي الجزء الأول للسلسلة المعروفة باسم أغنية من جليد ونار A song of Ice and Fire لمؤلفها جورج آر. آر. مارتن، والتي تتألف من سبع روايات حقق فيها المسلسل نسب مشاهدة استثنائية وصلت إلى 11.76 مليون مشاهدة عند عرض الحلقة الأولى من الجزء الثامن.
وللرواية، خلفيات تاريخية وسياسية حدثت بالفعل بالإضافة إلى تشابه في الأماكن الجغرافية ألهمت كاتب سطورها واستعان بها مضيفاً حبكته الخاصة، وكأن صراع العروش هو صراع البشرية جمعاء على السلطة والنفوذ وملخص لأحداث التاريخ السياسي للعالم في قالب أدبي وسينمائي واحد.
تتناول هذه التدوينة أوجه الشبه بين الأحداث التاريخية الحقيقية التي حدثت وبين نظيرتها الأدبية في الرواية، بالإضافة الى الجغرافيا الطبيعية والسياسية لمسرح الأحداث.
الجغرافيا الطبيعية: يختلف المناخ على الأرض منه في ويستيروس، ولكن الطقس الجليدي في شمال القارة الذي قضى على العديد من الأراضي الزراعية حدث بالفعل بين عامي 1300 و1850 وسمي بالعصر الجليدي الصغير، وقضى على العديد من الأراضي الزراعية والمنتوجات، بالإضافة إلى هجرة الناس وإغلاقها للعديد من الكنائس والأديرة وكان للمناخ البارد الأثر الثقافي في الكتابات واللوحات الفنية والنتاج الثقافي الأوروبي فيما بعد.
الجغرافيا السياسية: قسمت الأراضي التي شهدت على الأحداث السياسية إلى ثلاث قارات أو العالم القديم:
1- "ويستيروس" Westeros أو الغرب بحجم قارة أميركا الجنوبية وهي المنطقة التي شهدت أكثر الأحداث السياسية، تشبه الجزيرة البريطانية التي شكلت إلهاماً للكاتب مارتن، معكوسة الى جهة اليمين وجزيرة إيرلندا في جنوب الجزيرة البريطانية مقلوبة رأساً على عقب، يفصل شمالها عن جنوبها حائط جليدي يفصل بين الممالك السبع والمناطق الجليدية الخطرة، استمد الكاتب فكرته من الحائط التاريخي للإمبراطور الروماني هادريان الذي فصل شمال الجزيرة الإنكليزية عن باقي أراضي الإمبراطورية الرومانية.
2- "ايسوس" Essos أو الشرق وهي المنطقة الأكثر اتساعاً من ويستيروس، لكنها تتمتع بكثافة سكانية أقل منها يفصلها بحر ضيق من الممكن أن يكون بحر السلتيك أو القناة الإنكليزية في جغرافيا عالم الواقع، تفصل "جبال العظام" بين شرق القارة الأكثر غموضاً وغربها الأكثر تحضراً، في إشارة الى جبال الأورال التي تفصل بين شرق وغرب قارة أوروسيا.
3- "سوثوريوس" Sothoryos أو الجنوب وهي ليست مكتشفة تقع في جنوب ايسوس، قارة كبيرة جداً في الحجم وتتألف من صحارى كبرى وغابات لم يصلها الإنسان، في إشارة واضحة إلى صحارى شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى غابات القارة الأفريقية التي بقيت بعيدة عن اكتشافات الرجل الأوروبي حتى القرن التاسع عشر للميلاد، تحتوي على حيوانات برية شرسة، بالإضافة الى العديد من الأوبئة والأمراض المميتة.
مقدمة تاريخية
سوف نبدأ بالحديث عن تاريخ ويستيروس عند تأسيس الممالك السبع التي سوف تتناحر جميعها للفوز بالعرش الحديدي Iron Throne مع إغفال التاريخ القديم للقارة والذي يمتد إلى أكثر من 12 ألف عام. حصلت هجرات جماعية لشعوب الأندالز Andals من قارة ايسوس إلى ويستيروس، وبعد فترة من الزمن قامت هذه الشعوب بتأسيس ممالك عدة ومتناحرة فيما بينها وعددها سبع.
هذا الحدث يقابله حدث واقعي حصل بالفعل بعد غزو قبائل الساكسون Saxons والفايكينغ Vikings لأراضي الجزيرة البريطانية، وقامت بعد فترة بتأسيس سبع ممالك على أراضي إنكلترا (الأنغلوساكسون) والتي عرفت بفترة الممالك السبع لإنكلترا Heptarchy من القرن الخامس للميلاد حتى العاشر منه، قبل أن تتوحد جميها تحت راية مملكة إنكلترا في عام 927 للميلاد.
البدايات
قام أيغون الأول على رأس جيش جرار مستخدماً التنانين العملاقة لدعمه بالقوة النارية بغزو جزيرة وقارة يستيروس من قارة ايسوس ووحد بالقوة ست ممالك باستثناء واحدة، جلس على العرش الحديدي الذي صنعه من سيوف أعدائه واتخذ لنفسه عدة ألقاب منها، حامي العرش، سيد الممالك السبع وغيرها، وأسس عائلة ملكية قوية عرفت باسم تارغاريان حكمت من بعده بالحديد والنار والقسوة لثلاثمئة عام، بعد أن أطاح باراثيون الأول بها وجلس بدوره على العرش الحديدي.
بإمكان التاريخ العلمي أن يوضح عدة أمور هنا، في العام 1066 قام دوق نورماندي في فرنسا ويليام اللقيط، بغزو الجزيرة البريطانية، وويليام هذا سوف تبدأ معه حقبة جديدة من تاريخ الجزيرة البريطانية، أخضع الجزيرة بأكملها دون استخدام التنين طبعاً، بعد أن قتل ملكها هارولد، وجعلها تابعة للتاج النروماندي، وعرف بويليام الفاتح ومعه بدأ عهد جديد للجزيرة البريطانية والتاج الإنكليزي، مع العلم بأن التنين هو المخلوق الأسطوري الأكثر شهرة في مخيلة ومرويات وشعارات والقصص الشعبية لشعوب ذلك الزمان.
الحرب الأهلية – حرب الملوك الخمسة
بعد وفاة سيد العرش الحديدي روبرت باراثيون الأول انزلقت الممالك السبع في حرب أهلية مدمرة بين عدة عائلات، أبرزها عائلة ستارك ولانيستر وباراثيون عرفت بـ"حرب الملوك الخمسة" واستخدمت فيها جميع أنواع الحيل والمؤمرات والدسائس إيماناً منهم بأحقيتهم في اعتلاء العرش، ففي لعبة العروش إما أن تنتصر أو أن تموت، لا مكان للخائفين والضعفاء والمترددين، العنف سيد الأحكام وإراقة الدماء ليست بعمل شاق والحق للقوة.
في عام 1455 اندلعت في انكلترا حرب اهلية عرفت باسم حرب الوردتين، دارت معاركها على مدى ثلاثة عقود حول الأحقية بكرسي العرش في إنكلترا بين جيوش كل من عائلة لانكستر (الوردة الحمراء) وعائلة يورك (الوردة البيضاء) انتهت بانتصار عائلة يورك وفوزها بالعرش الإنكليزي، وقد برزت أسماء في هذه الحرب كان لها الدور المحوري في توجيه الأحداث استعان بها الكاتب لإعطاء طابع التشويق والإثارة، وتدعيم الرواية بمرويات تاريخية هدفت لتقوية حبكة النص، منها مارغرت أنجو لعبت دورها سيريسي لانيستر في الرواية وهي شبيهة بالشخصية التاريخية مارغرت أنجو، تتمع بذكاء وقّاد وكيدٍ عظيم، مارست زنا المحارم مع شقيقها، عديمة الرحمة، تتقن فن الإدارة في البلاط الملكي، جميلة ولكنها ببساطة تتحول في لحظات إلى وحش في محاولتها حماية أبنائها وعرشها حتى لو كلفها الأمر العبور فوق كومة من الجثث، بالإضافة إلى ريتشارد يورك لعب دوره نيد ستارك في الرواية الذي دخل في صراع دموي مع سيريسي لانيستر قطع رأسه في النهاية، وهو المصير نفسه الذي حل بالفعل بريتشارد يورك في العام 1460.
أحداث بإمكاننا الاستعانة بالتاريخ لمعرفة تفاصيلها
العرس الأحمر - العشاء الأسود: قُتل روب ستارك ووالدته وأنصارهما في ليلة العرس الدموية الذين دعوا إليها بعد أن أعطوا الامان. هيستيريا القتل بدأت بعد وضع رأس مقطوع لخنزير وهي دلالة على الموت المحتم، في اسكتلندا حدثت نفس الرواية في العام 1440 للميلاد مع اختلاف التسمية (العشاء الأسود) بعد أن دعا ملك اسكتلندا أعداءه، وأوهمهم بأنهم بحمايته وبعد لحظات فتك أتباعه بالضيوف في عنف غير مسبوق في التاريخ الإنساني بحيث قطعت جثثهم وحرقت.
معركة اللقطاء - معركة كاناي: من أفضل المشاهد العسكرية التي صورت في المسلسل، والتي أوضحت قسوة رامسي بولتون في مواجهة جون سنو الذي استطاع الانتصار في نهايتها ملحقاً هزيمة مذلة بجيوش بولتون، وقد اعترف مخرج هذه الحلقة بأنه استعان بالتاريخ الحربي لروما والقرطاجيين، حيث هزم هنيبعل الجيوش الرومانية المتفوقة عليه عددياً في معركة كاناي عام 216 ق.م.
قبائل الدوثراكي - قبائل المغول: شبيهة بجحافل المغول العنيفة التي اجتاحت معظم أراضي العالم القديم وصولا إلى شرق القارة الأوروبية.
الذهب المصهور: كان يستخدم في الإعدامات الوحشية بحيث يسكب الذهب المصهور ذو الحرارة المرتفعة داخل فم الضحية أو على وجهه مما يؤدي إلى وفاته على الفور، استخدم البارثيون الفرس هذه الطريقة بعد مقتل الجنرال الروماني كراسوس المعروف بعطشه للذهب والثروات في العام 53 ق.م. وفي المسلسل قام كال دروغو بقتل شقيق زوجته كاليسي بنفس الطريقة عقاباً له على طمعه وحبه للمال.
جيوفري بارثيون - كاليغولا: جيوفري الصغير هذا، هو ابن سيريسي لانيستر فعلت المستحيل لإيصاله إلى العرش الحديدي، لكنه كان مضطرب الشخصية ومجنونا وعنيفا وساديا، يشبه إلى حد كبير شخصية الإمبراطور الروماني كاليغولا الذي أرغم أعضاء مجلس الشيوخ الروماني على أكل التبن الخاص بحصانه، وكانت نهايتهما شبيهة بحيث تعرض كاليغولا للاغتيال طعناً بخناجر أعضاء مجلس الشيوخ المسمومة وجيوفري اغتيل بالسم في مشروب النبيذ.
خلاصة
إن الكثير من مشاهد وقصص لعبة العروش مأخوذة من التاريخ الإنساني، أضاف إليها مارتن لمساته المبدعة، ففي لعبة العروش لا يمكنك توقع الأحداث المستقبلية بفعل غموض شخصياتها والأحداث السريعة المفاجئة، قد تتعاطف مع شخصيات وتكرهها في آن معاً، قد يحمل الجزء الثامن العديد من الأحداث التارخية التي نجهلها ولكن من المؤكد بأن النهاية أصبحت جلية، سوف ينتصر الخير بعد صراع ومعاناة مع قوى الشر غير العادية ولو بعد حين.
وللرواية، خلفيات تاريخية وسياسية حدثت بالفعل بالإضافة إلى تشابه في الأماكن الجغرافية ألهمت كاتب سطورها واستعان بها مضيفاً حبكته الخاصة، وكأن صراع العروش هو صراع البشرية جمعاء على السلطة والنفوذ وملخص لأحداث التاريخ السياسي للعالم في قالب أدبي وسينمائي واحد.
تتناول هذه التدوينة أوجه الشبه بين الأحداث التاريخية الحقيقية التي حدثت وبين نظيرتها الأدبية في الرواية، بالإضافة الى الجغرافيا الطبيعية والسياسية لمسرح الأحداث.
الجغرافيا الطبيعية: يختلف المناخ على الأرض منه في ويستيروس، ولكن الطقس الجليدي في شمال القارة الذي قضى على العديد من الأراضي الزراعية حدث بالفعل بين عامي 1300 و1850 وسمي بالعصر الجليدي الصغير، وقضى على العديد من الأراضي الزراعية والمنتوجات، بالإضافة إلى هجرة الناس وإغلاقها للعديد من الكنائس والأديرة وكان للمناخ البارد الأثر الثقافي في الكتابات واللوحات الفنية والنتاج الثقافي الأوروبي فيما بعد.
الجغرافيا السياسية: قسمت الأراضي التي شهدت على الأحداث السياسية إلى ثلاث قارات أو العالم القديم:
1- "ويستيروس" Westeros أو الغرب بحجم قارة أميركا الجنوبية وهي المنطقة التي شهدت أكثر الأحداث السياسية، تشبه الجزيرة البريطانية التي شكلت إلهاماً للكاتب مارتن، معكوسة الى جهة اليمين وجزيرة إيرلندا في جنوب الجزيرة البريطانية مقلوبة رأساً على عقب، يفصل شمالها عن جنوبها حائط جليدي يفصل بين الممالك السبع والمناطق الجليدية الخطرة، استمد الكاتب فكرته من الحائط التاريخي للإمبراطور الروماني هادريان الذي فصل شمال الجزيرة الإنكليزية عن باقي أراضي الإمبراطورية الرومانية.
2- "ايسوس" Essos أو الشرق وهي المنطقة الأكثر اتساعاً من ويستيروس، لكنها تتمتع بكثافة سكانية أقل منها يفصلها بحر ضيق من الممكن أن يكون بحر السلتيك أو القناة الإنكليزية في جغرافيا عالم الواقع، تفصل "جبال العظام" بين شرق القارة الأكثر غموضاً وغربها الأكثر تحضراً، في إشارة الى جبال الأورال التي تفصل بين شرق وغرب قارة أوروسيا.
3- "سوثوريوس" Sothoryos أو الجنوب وهي ليست مكتشفة تقع في جنوب ايسوس، قارة كبيرة جداً في الحجم وتتألف من صحارى كبرى وغابات لم يصلها الإنسان، في إشارة واضحة إلى صحارى شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى غابات القارة الأفريقية التي بقيت بعيدة عن اكتشافات الرجل الأوروبي حتى القرن التاسع عشر للميلاد، تحتوي على حيوانات برية شرسة، بالإضافة الى العديد من الأوبئة والأمراض المميتة.
مقدمة تاريخية
سوف نبدأ بالحديث عن تاريخ ويستيروس عند تأسيس الممالك السبع التي سوف تتناحر جميعها للفوز بالعرش الحديدي Iron Throne مع إغفال التاريخ القديم للقارة والذي يمتد إلى أكثر من 12 ألف عام. حصلت هجرات جماعية لشعوب الأندالز Andals من قارة ايسوس إلى ويستيروس، وبعد فترة من الزمن قامت هذه الشعوب بتأسيس ممالك عدة ومتناحرة فيما بينها وعددها سبع.
هذا الحدث يقابله حدث واقعي حصل بالفعل بعد غزو قبائل الساكسون Saxons والفايكينغ Vikings لأراضي الجزيرة البريطانية، وقامت بعد فترة بتأسيس سبع ممالك على أراضي إنكلترا (الأنغلوساكسون) والتي عرفت بفترة الممالك السبع لإنكلترا Heptarchy من القرن الخامس للميلاد حتى العاشر منه، قبل أن تتوحد جميها تحت راية مملكة إنكلترا في عام 927 للميلاد.
البدايات
قام أيغون الأول على رأس جيش جرار مستخدماً التنانين العملاقة لدعمه بالقوة النارية بغزو جزيرة وقارة يستيروس من قارة ايسوس ووحد بالقوة ست ممالك باستثناء واحدة، جلس على العرش الحديدي الذي صنعه من سيوف أعدائه واتخذ لنفسه عدة ألقاب منها، حامي العرش، سيد الممالك السبع وغيرها، وأسس عائلة ملكية قوية عرفت باسم تارغاريان حكمت من بعده بالحديد والنار والقسوة لثلاثمئة عام، بعد أن أطاح باراثيون الأول بها وجلس بدوره على العرش الحديدي.
بإمكان التاريخ العلمي أن يوضح عدة أمور هنا، في العام 1066 قام دوق نورماندي في فرنسا ويليام اللقيط، بغزو الجزيرة البريطانية، وويليام هذا سوف تبدأ معه حقبة جديدة من تاريخ الجزيرة البريطانية، أخضع الجزيرة بأكملها دون استخدام التنين طبعاً، بعد أن قتل ملكها هارولد، وجعلها تابعة للتاج النروماندي، وعرف بويليام الفاتح ومعه بدأ عهد جديد للجزيرة البريطانية والتاج الإنكليزي، مع العلم بأن التنين هو المخلوق الأسطوري الأكثر شهرة في مخيلة ومرويات وشعارات والقصص الشعبية لشعوب ذلك الزمان.
الحرب الأهلية – حرب الملوك الخمسة
بعد وفاة سيد العرش الحديدي روبرت باراثيون الأول انزلقت الممالك السبع في حرب أهلية مدمرة بين عدة عائلات، أبرزها عائلة ستارك ولانيستر وباراثيون عرفت بـ"حرب الملوك الخمسة" واستخدمت فيها جميع أنواع الحيل والمؤمرات والدسائس إيماناً منهم بأحقيتهم في اعتلاء العرش، ففي لعبة العروش إما أن تنتصر أو أن تموت، لا مكان للخائفين والضعفاء والمترددين، العنف سيد الأحكام وإراقة الدماء ليست بعمل شاق والحق للقوة.
في عام 1455 اندلعت في انكلترا حرب اهلية عرفت باسم حرب الوردتين، دارت معاركها على مدى ثلاثة عقود حول الأحقية بكرسي العرش في إنكلترا بين جيوش كل من عائلة لانكستر (الوردة الحمراء) وعائلة يورك (الوردة البيضاء) انتهت بانتصار عائلة يورك وفوزها بالعرش الإنكليزي، وقد برزت أسماء في هذه الحرب كان لها الدور المحوري في توجيه الأحداث استعان بها الكاتب لإعطاء طابع التشويق والإثارة، وتدعيم الرواية بمرويات تاريخية هدفت لتقوية حبكة النص، منها مارغرت أنجو لعبت دورها سيريسي لانيستر في الرواية وهي شبيهة بالشخصية التاريخية مارغرت أنجو، تتمع بذكاء وقّاد وكيدٍ عظيم، مارست زنا المحارم مع شقيقها، عديمة الرحمة، تتقن فن الإدارة في البلاط الملكي، جميلة ولكنها ببساطة تتحول في لحظات إلى وحش في محاولتها حماية أبنائها وعرشها حتى لو كلفها الأمر العبور فوق كومة من الجثث، بالإضافة إلى ريتشارد يورك لعب دوره نيد ستارك في الرواية الذي دخل في صراع دموي مع سيريسي لانيستر قطع رأسه في النهاية، وهو المصير نفسه الذي حل بالفعل بريتشارد يورك في العام 1460.
أحداث بإمكاننا الاستعانة بالتاريخ لمعرفة تفاصيلها
العرس الأحمر - العشاء الأسود: قُتل روب ستارك ووالدته وأنصارهما في ليلة العرس الدموية الذين دعوا إليها بعد أن أعطوا الامان. هيستيريا القتل بدأت بعد وضع رأس مقطوع لخنزير وهي دلالة على الموت المحتم، في اسكتلندا حدثت نفس الرواية في العام 1440 للميلاد مع اختلاف التسمية (العشاء الأسود) بعد أن دعا ملك اسكتلندا أعداءه، وأوهمهم بأنهم بحمايته وبعد لحظات فتك أتباعه بالضيوف في عنف غير مسبوق في التاريخ الإنساني بحيث قطعت جثثهم وحرقت.
معركة اللقطاء - معركة كاناي: من أفضل المشاهد العسكرية التي صورت في المسلسل، والتي أوضحت قسوة رامسي بولتون في مواجهة جون سنو الذي استطاع الانتصار في نهايتها ملحقاً هزيمة مذلة بجيوش بولتون، وقد اعترف مخرج هذه الحلقة بأنه استعان بالتاريخ الحربي لروما والقرطاجيين، حيث هزم هنيبعل الجيوش الرومانية المتفوقة عليه عددياً في معركة كاناي عام 216 ق.م.
قبائل الدوثراكي - قبائل المغول: شبيهة بجحافل المغول العنيفة التي اجتاحت معظم أراضي العالم القديم وصولا إلى شرق القارة الأوروبية.
الذهب المصهور: كان يستخدم في الإعدامات الوحشية بحيث يسكب الذهب المصهور ذو الحرارة المرتفعة داخل فم الضحية أو على وجهه مما يؤدي إلى وفاته على الفور، استخدم البارثيون الفرس هذه الطريقة بعد مقتل الجنرال الروماني كراسوس المعروف بعطشه للذهب والثروات في العام 53 ق.م. وفي المسلسل قام كال دروغو بقتل شقيق زوجته كاليسي بنفس الطريقة عقاباً له على طمعه وحبه للمال.
جيوفري بارثيون - كاليغولا: جيوفري الصغير هذا، هو ابن سيريسي لانيستر فعلت المستحيل لإيصاله إلى العرش الحديدي، لكنه كان مضطرب الشخصية ومجنونا وعنيفا وساديا، يشبه إلى حد كبير شخصية الإمبراطور الروماني كاليغولا الذي أرغم أعضاء مجلس الشيوخ الروماني على أكل التبن الخاص بحصانه، وكانت نهايتهما شبيهة بحيث تعرض كاليغولا للاغتيال طعناً بخناجر أعضاء مجلس الشيوخ المسمومة وجيوفري اغتيل بالسم في مشروب النبيذ.
خلاصة
إن الكثير من مشاهد وقصص لعبة العروش مأخوذة من التاريخ الإنساني، أضاف إليها مارتن لمساته المبدعة، ففي لعبة العروش لا يمكنك توقع الأحداث المستقبلية بفعل غموض شخصياتها والأحداث السريعة المفاجئة، قد تتعاطف مع شخصيات وتكرهها في آن معاً، قد يحمل الجزء الثامن العديد من الأحداث التارخية التي نجهلها ولكن من المؤكد بأن النهاية أصبحت جلية، سوف ينتصر الخير بعد صراع ومعاناة مع قوى الشر غير العادية ولو بعد حين.
كاتب وباحث لبناني حائز على إجازة في إدارة الأعمال ويدرس حاليا في معهد العلوم الإجتماعية في الجامعة اللبنانية، له عدة مساهمات في جرائد لبنانية ومواقع إلكترونية مهتم بالدراسات التاريخية والأبحاث.