في ذكرى رحيل الصحافي سعيد مطر

26 مارس 2018
+ الخط -
اختطف القدر ودون سابق إنذار، وفي مثل هذه الأيام، قبل خمسة عشر عاماً، الزميل الصحافي الشاب سعيد مطر، بعد أن أنهى زيارته القصيرة لمدينته الرّقة، وهو في طريق العودة إلى مدينة حلب، عبر طريق الرّقة - حلب، وتعرض أفراد أسرته وأطفاله لإصابات بليغة نتيجة الحادث الذي وقع وأودى بحياته، وعلى هذا الطريق تحديدا.

ولطالما كتب الزميل مطر عنه في زاويته الأسبوعية (نافذة للمحرّر)، وفي تحقيقاته الصحافية المنشورة، واستطلاعاته المصورة، وحواراته المبتكرة، من على منبر جريدة "تشرين" التي كان يُحرّر فيها لأكثر من خمسة عشر عاماً.

وآخر هذه الزوايا التي كتبها، ويا لها من مصادفة غريبة فعلاً، عندما تزامن وقوع الحدث مع ما كان قد أرسله، وأكّد عليه في زاويته الأسبوعية المنشورة تحت عنوان (ضحايا طريق الرقّة ـ حلب) يوم الأربعاء 19 فبراير/ شباط 2003 وتناوله لمساوئ هذا الطريق، والتنبيه لمخاطره التي راح ضحيتها المئات من الشباب في حوادث مفجعة.. في الوقت الذي نقرأ فيه في الصفحة ما قبل الأخيرة من الصحيفة ذاتها نعوة للزميل مطر، تُشير إلى تعرّضه لحادث سير مروّع على طريق الرّقة ـ حلب، بالقرب من مدينة الثورة، حيث أكد من خلال زاويته المذكورة، قبل وفاته بساعات: (أنه بالرغم من الموافقة على توسيع طريق الرقّة ــ حلب ورصد الاعتمادات اللازمة لذلك، ووضع الدراسات المطلوبة لتنفيذ مسارٍ ثانٍ بحيث يصبح ذهاباً وإياباً، إلّا أن أعمال التنفيذ لم تبدأ، ومع التأخير في إنجاز المسار الثاني تستمرُ الحوادث الخطرة على امتداد الطريق البالغ قرابة 200 كلم).


وفي موقعٍ آخر من المادة ذاتها، يؤكد الزميل المرحوم: (إنَّ عدد الضحايا الناتج عن حوادث السير على هذا الطريق تجاوز الـ2000 مواطن خلال العام الماضي، 2002، إضافة للجرحى والأضرار المادية التي أصابت الآليات والمحاصيل).

كما تناول الزميل المرحوم العديد من القضايا والمسائل في تحقيقاته ومقالاته التي أمتعنا بها، وتركت صداها لدى الإخوة المواطنين من خلال تناوله لقضايا التنمية، والمرافق الخدمية، وما أكثرها، ومثال ذلك مقاله المنشور بجريدة تشرين في العدد رقم (6114) تاريخ 20 ديسمبر/ كانون الأول 1994 بعنوان: (في الرّقة الأشجار تموت واقفة)، حيث كتب يقول (المصيبة الأكبر تحويل حديقة الأطفال الوحيدة في المدينة والتي صار عمرها أكثر من عشرين عاماً إلى نادٍ ليلي.. حيث بدأت المعاول تَهدمُ معالمها وتقلع أشجارها لتبني قاعات الإسمنت ولتستقطب زوّار الطريق الليلي.. واستثمار مثل هذه الحدائق يتمّ في الكواليس دون الإعلان عن مزايدات علنية، كما هو حال المنشآت العائدة للمحافظة دون إعطاء أي دور لمجالس المدن والبلدان.. فهل من يُنقذ أشجار حدائق الرّقة.. وحديقة الأطفال من معاول الهدم، وزحف الإسمنت! ففي الرقّة تموت الأشجار واقفة! وتُقلع وهي حيّة!).

وفي زاويةٍ أخرى، وتحت عنوان: (الرّقة في مستنقع الوحل) المنشور في الصحيفة ذاتها في العدد رقم (6132) تاريخ 10 يناير/ كانون الثاني 1995، كتب المرحوم سعيد مطر يقول: (هل يعتقد أحد أن مدينة الرّقة التي تعتبر من المدن الحديثة تعيش الآن، ومنذ بداية فصل الشتاء، وكأنه فصل يعود إلى أيام الستينيات، من حيث خدماتها التحتية.. فما أن جاء فصل الشتاء، محمّلاً بأمطار الخير، حتى أضحت الشوارع في حالة يرثى لها! فالطين غطى كل الأرصفة، والشوارع من شرقها حتى غربها، ومن شمالها حتى جنوبها). وهذا واقعها الحالي أيضاً، وما يزال مستمراً!

وفاة الزميل الصحافي سعيد مطر نتيجة الحادث الذي تعرّض له وأفراد أسرته، تركت أثراً بالغاً في نفوس محبيه وأصدقائه وزملائه، ومتابعة كتاباته التي يصوغها بقالبٍ جميلٍ ومتأصّل، وبأسلوبٍ رشيقٍ ومقنع، وبصورةٍ خاصة زاويته الأسبوعية (نافذة للمحرّر) التي تصدر صباح يوم الثلاثاء من كل أسبوع.

وقد تحقّق لروح فقيدنا الغالي تنفيذ المطلب الملحّ الذي ينشد، وتمنى يوماً تحقيقه، لما له من أهمية في حياة الوطن والمواطن، وهو العمل على تسوية طريق الرّقة - حلب، وجعله بمسارين أسوةً بالطرق الدولية الموزعة في أنحاء القطر لأهميته الخدمية والاقتصادية، وهذا المطلب ما أكد عليه زميلنا في آخر مقال نشره، في اليوم الذي وافته فيه منيته، بقوله: (إنّه يجب الإسراع بتنفيذ هذا الطريق الدولي الهام الذي يُعاني من تدني مواصفاته الفنية، وزيادة الحفر والمطبات، وسوء أعمال الصيانة فيه، وعدم الاهتمام بوضع خطوط المنصّف بعيداً عن الصيانات الوهمية التي صرفت عليها مبالغ كبيرة جداً يمكن أن يضع حداً للحوادث، وخاصةً أنَّ الاعتمادات تم تخصيصها والدراسات الفنية انتهت، وما على الجهات المعنية في وزارة المواصلات إلّا البدء بعمليات التنفيذ).

ويبقى لسان حالنا يقول: إنَّ فقدان الزميل الصحافي سعيد مطر يمثل خسارة كبيرة للإعلام السوري عموماً، وجريدة تشرين بصورةٍ خاصة.

فإلى جنات الخلد يا صاحب الكلمة المقنعة، الصادقة، التي تركت أكثر من علامة استفهام في الوسط الصحافي، وحتى الشعبي!!

وفي هذا المقام لا يسعنا إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.