22 سبتمبر 2020
في ذكرى النكبة.. ماذا عن آفاق الصراع الديموغرافي؟
يحيي الشعب الفلسطيني، هذه الأيام، الذكرى السادسة والستين للنكبة الكبرى (1948-2014)، والتي أدت إلى تشريد القسم الأكبر من الشعب الفلسطيني، بقوة المجازر الإسرائيلية. وتبعاً لعملية الإحلال اليهودي مكان العربي الفلسطيني، صاحب الأرض، برز العامل الديموغرافي، باعتباره ركيزة أساسية في الصراع العربي الإسرائيلي.
لهذا كله، اهتمت الدوائر والمؤسسات الإسرائيلية والصهيونية، على حد سواء، بالصراع الديموغرافي، على اعتبار أنه هاجس إسرائيلي يومي، واتضح ذلك في الدراسات الأكاديمية الإسرائيلية، مثل دراسات الدكتور الباحث الإسرائيلي أرنون سوفر، وكذلك ما تم من توصيات في مؤتمرات إسرائيلية استراتيجية، مثل مؤتمرات هرتسيليا ومركز جافي ومراكز بحث إسرائيلية أخرى.
فما مؤشرات الصراع الديموغرافي بين العرب واليهود في فلسطين منذ عام 1948، وما آفاق الصراع المذكور؟ أسئلة عديدة، نحاول الإجابة عنها في سياق عرضنا هذا.
صمد في المناطق الفلسطينية التي أنشئت عليها إسرائيل، والبالغة 78% من مساحة فلسطين التاريخية، المقدرة بـ27009 كيلومترا مربعا، نحو 151 ألف فلسطيني، تركزت غالبيتهم في الجليل الفلسطيني، ووصل عددهم في عام 2014 إلى 1.4 مليون فلسطيني.
وبفعل الزيادة الطبيعية العالية بين الفلسطينيين، ارتفع مجموعهم، ليصل إلى 11.8 مليون فلسطيني، في بداية عام 2014، في مقابل مليون وأربعمائة ألف فلسطيني عشية نكبة 48. والملاحظ أنه على الرغم من السياسات الإسرائيلية التي أدت إلى عمليات "ترانسفير"، طالت نحو 70% من الشعب الفلسطيني خلال عامي 1948 و1967 والسنوات اللاحقة، فإن غالبية الفلسطينيين تتركز في حدود فلسطين التاريخية والدول العربية المجاورة.
وتفيد دراسات ديموغرافية بأن عدد السكان الفلسطينيين واليهود سيتساوى في حدود فلسطين التاريخية، مع نهاية عام 2016، حيث سيبلغ نحو 6,4 ملايين لكل من العرب الفلسطينيين والمستوطنين اليهود، أيضاً، وذلك لو بقيت معدلات النمو السائدة حالياً.
وبناء على اسقاطات سكانية، ستصبح نسبة السكان اليهود نحو 48,9% من السكان، بحلول نهاية عام 2020، حيث سيصل عددهم إلى نحو 6,9 ملايين يهودي، في مقابل 7،2 مليون عربي فلسطيني.
وبشأن تقدير مجموع الشعب الفلسطيني في الذكرى السادسة والستين للنكبة، هناك معطيات تفيد بأن عدد الفلسطينيين بلغ نحو 11.8 مليون فلسطيني، مع بداية العام الحالي 2014، وثمة 4,5 ملايين في الضفة والقطاع، (منهم 2.8 مليون في الضفة الغربية، بما في ذلك سكان القدس، و1.7 مليون في قطاع غزة)، ونحو 1,4 مليون فلسطيني في داخل الخط الأخضر؛ وما يقارب 5,2 ملايين في الدول العربية، ونحو 665 ألفاً في الدول الأجنبية. ووصل عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية نحو 5,9 ملايين نهاية عام 2014، في حين بلغ عدد اليهود 6,1 ملايين يهودي في إسرائيل، والمستوطنات المنتشرة في الضفة الغربية، في بداية العام المذكور.
لقد اعتمدت الحركة الصهيونية وإسرائيل على ركيزتين أساسيتين، لفرض صورة ديموغرافية، تجعل من اليهود أكثرية على حساب العرب الفلسطينيين وأرضهم. تمثلت الأولى بارتكاب المجازر لطرد غالبية الفلسطينيين من أرضهم، واستطاعت العصابات الصهيونية ارتكاب 44 مجزرة في عام 1948، بدعم بريطاني مطلق، ما أدى إلى طرد 850 ألف فلسطيني من أرضهم، حتى الخامس عشر من مايو/أيار من عام 1948، شكلوا آنذاك 61% من اجمالي عدد الفلسطينيين المقدر بنحو 1400000 عربي فلسطيني.
وينتمي هؤلاء اللاجئون إلى 531 مدينة وقرية فلسطينية. وبفعل الزيادة الطبيعية التي تصل إلى نحو 3 % سنوياً، قدر عدد اللاجئين الفلسطينيين في بداية العام الحالي 2014 بنحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني، منهم نحو خمسة ملايين وثلاثمائة ألف لاجئ مسجلين في سجلات "أونروا."
يستحوذ الأردن على 41% منهم، يليه قطاع غزة 22%، ثم الضفة الغربية 16% فسورية ولبنان 10.5% على التوالي، كما يوجد بضعة آلاف من اللاجئين، في كل من مصر والعراق والمنافي البعيدة، بيد أنهم غير مسجلين في "أونروا" لأسباب مختلفة. وهناك تقديرات بتهجير النظام السوري نحو 100 ألف فلسطيني إلى لبنان والأردن ومصر وليبيا وغيرها من الدول.
وتجلت الركيزة الثانية لفرض الديموغرافيا اليهودية في القيام بعملية إحلال للمهاجرين اليهود من بقاع الأرض في المناطق الفلسطينية المحتلة. وفي هذا السياق، استطاعت الحركة الصهيونية جذب 650 ألف يهودي من مختلف أنحاء العالم، ليصبحوا المادة البشرية لإسرائيل التي أنشئت في الخامس عشر من مايو/أيار 1948، بعد القيام بعملية تطهير عرقي، مبرمجة ومدروسة بشكل محكم.
وتبقى الإشارة إلى أنه بعد مرور 66 عاماً على إنشاء إسرائيل، ونكبة الفلسطينيين الكبرى (1948-2014)، فإن ركائز المشروع لم تكتمل بعد، سواء في شقها البشري الديموغرافي، أو المادي، أي الأرض، فثمة حلقات مفقودة، ولم تكتمل، فالاستيطان على أشده، والموازنات المخصصة لذلك خير دليل، والفلسطيني ملاحق في أرضه، سواء في الجزء المحتل عام 1948، أو المحتل عام 1967، بجعل حياته صعبة، أو محاولة أسْرَلته، وجعله هامشياً في أرض أجداده وآبائه، وتبعاً لذلك، تسعى المؤسسة الإسرائيلية إلى ترسيخ فكرة يهودية الدولة الصهيونية على الأرض، بوسائل وسياسات مختلفة، لتحقق عدة أهداف رزمة واحدة.