28 اغسطس 2024
في ذكرى إضراب هبّة أكتوبر الفلسطينية
كانت الأعنف والأشمل والأطول، على امتداد كل فلسطين، منذ النكبة الكبرى. لم يكن أحد يتوقع، لا الإسرائيليون، ولا الفلسطينيون، أن تشتعل هذه المواجهة بهذه الحدّة والشمولية، وأن يلتحم معها الكل الفلسطيني، وتحديدا فلسطينيي 1948 بكامل قوتهم، وبجميع أعمارهم وفئاتهم الاجتماعية، باستثناء قلةٍ جوّفتها الأسرلة ونظام الاحتواء والتدجين. وبدت هذه المواجهة الجسورة والمذهلة لنظام الأبارتهايد الصهيوني كأنها معركة منسّقة مسبقا بين الفلسطينيين من على جانبي "الخط الاخضر"، مع أن أوساطا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية كانت تحذّر من تصاعد مشاعر الاغتراب والمرارة من واقع التمييز والنهب المستمر ضد فلسطينيي الداخل. وكانت الأوساط الأمنية ترى أن تصاعد الوعي القومي في صفوفهم، وتزايد مطالبهم، يرفعان مستوى الخطر المحتمل منهم. ولكنها لم تكن تتصوّر أن يكون الانفجار بهذا الحجم، وأن يكون عماد المسيرات والمظاهرات والحشود في شوارع البلدات العربية، والشوارع الرئيسيّة التي تربط مدنا يهودية كبرى، الأجيال الشابّة التي لم تعش النكبة، والتي عملت إسرائيل، بمنهجيةٍ، على تجريدهم من هويتهم الوطنية.
كان فتيل هذه المواجهة الزيارة الاستفزازية التي قام بها مجرم الحرب، إرييل شارون، إلى المسجد الأقصى، لكن الخلفية الأساسية لها، انكشاف خديعة اتفاق أوسلو، وانهيار الأوهام التي روّجها هذا الاتفاق. إذ بان دافع إسرائيل وراء هذا الاتفاق، وهو تكريس فلسطين كلها مستعمرة صهيونية أبدية، تحميها سلطةٌ تنطق زورا باسم السكان الأصليين المحتلين.
أُطلق على المواجهة داخل الأرض المحتلة اسم الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في حين سمى فلسطينيو الداخل حراكهم العارم هبّة القدس والأقصى، أو هبّة أكتوبر، مع أن الأخيرة كانت ابنة الأولى ومفجّرتها. استمرت الانتفاضة الثانية التي بدأت سلمية، وتحولت مسلّحة، أكثر من أربع سنوات، في حين لم تصمد هبّة القدس والأقصى سوى 11 يوما. ولم يكن في مقدورها أن تصمد أطول من هذه المدة أمام القمع الوحشي الذي مارسته إسرائيل ضد جزءٍ من شعبٍ فرضت عليه المواطنة الإسرائيلية وجرّدته من أدنى أشكال الاعتماد على الذات.
كانت الصدمة كبيرة في صفوفهم، إذ ظنّوا أن مواطنتهم الإسرائيلية تحميهم من القتل، وإذا ب "دولتهم" تُعمل القتل بهم، وتضعهم في صف إخوتهم خارج الخط الأخضر، أعداءً للمشروع الصهيوني. كان هذا التعامل الوحشي مقدّمة لتبديد الأوهام عند أوساط واسعة من فلسطينيي 1948، وبالتالي كان فصلا جديدا في نظرتهم تجاه أنفسهم، وهويتهم، ومكانتهم في وطنهم تحت المواطنة الإسرائيلية. ومع ذلك، سارع جزء من قياداتهم التقليدية إلى نقد السلوك الشعبي العفوي العارم المتفاعل من الانتفاضة الفلسطينية، وتأثرا بصور القتل المروّع التي كانت تنقلها شاشات التلفزيون. بل سعت قيادات بعض الأحزاب العربيه إلى إظهار صورتها معتدلة، واجتهدت في ذلك، وبادرت إلى إقامة خيم التعايش، وذلك لتمييزها عن التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الإسلامية اللذيْن اتهما، ببيان رسمي من المخابرات، بأنهما كانا وراء إشعال الهبّة داخل الخط الأخضر، وتعرّضا لاحقا لملاحقات سياسية، وحملات تحريض شرسة، والتي تتواصل وتتجدّد كل يوم.
وتصدّى، آنذاك، التجمع الوطني الديمقراطي، بلا هوادة، وبصورة منهجية لهذه المحاولات، في خطابه وصحيفته، وفي اجتماعاته الشعبية. كان ذلك مدفوعا بالوعي لأهمية الخطاب الوطني، والذي كرّسته الهبّة الشعبية، ومناهضة حملة التحريض التي لجأت إليها الموسسة الصهيونية، بهدف تخويف الناس وإبعادها عن القيادات الوطنية.
منذ انفجار الهبّة، جرت تحولات عميقة في نظام الأبارتهايد الصهيوني ومجتمعه، نحو مزيدٍ من التطرّف، والعداء والكراهية، والميل إلى التخلص فيزيائيا من الوجود الفلسطيني داخل الخط الأخضر. وتتجلى هذه التحولات في تعميق نظام المراقبة والضبط وتشديده، والذي شمل قوانين لتجريد الفلسطينيين من ذاكرة نكبتهم. وفي المقابل، طوّروا تكتيكات يومية لمقاومة نظام الضبط والمراقبة والسيطرة، ومصادرة الذاكرة، وأنتج النقاش الذي دار داخل النخب الأكاديمية والمثقفة والسياسية معرفة مضادّة، تجلت في بلورة وثائق التصور المستقبلي، ودستور عدالة، ووثيقة حيفا التي تستعيد الرواية الفلسطينية، وتدعو إلى إلغاء البنية اليهودية الصهيونية وكولونيالية إسرائيل، شرطا لتحقيق العدالة. كما تواصلَ الإنتاج المعرفي متجاوزا هذه الوثائق نحو استحضار الخطاب الكولونيالي لإسرائيل، لإعادة تعريف إسرائيل كيان أبارتهايد استعماريا، مرجعا القضية الفلسطينية إلى أصولها باعتبارها قضية تحرّر وطني من نظام استعماري عنصري. صحيح أن هذا الإنتاج لم يتغلغل بعد في أوساط القوى السياسية التقليدية، لكنه يشكل تطورا مهما يمثل المستقبل المنشود.
سيضرب الفلسطينيون اليوم الاثنين، الأول من أكتوبر/ تشرين الأول، في جميع أنحاء وطنهم التاريخي، في ذكرى الانتفاضة الفلسطينية الثانية والهبّة الشعبية داخل الخط الأخضر، وذلك بقرار مشترك. وليس جديدا أن يلتحم الفلسطينيون من على جانبي الخط الأخضر في نشاطٍ وطني مشترك، إنما الجديد أن تصدر المبادرة من فلسطينيي 48، المقصيين تاريخيا من عملية اتخاذ القرار الفلسطيني، ومن كل مؤسّسات منظمة التحرير الفلسطينية. ومعلومٌ أن التنسيق مع مؤسسات منظمة التحرير، أو الانخراط فيها، بل حتى الالتقاء بأحد أعضائها محظور إسرائيلي، وعديدون ممن تواصلوا تعرّضوا للاعتقال والسجن. ولم تتغير الأمور جذريا، حتى بعد أن باتت منظمة التحرير معترفا بها بموجب اتفاقية أوسلو، فقد واصلت القيادة إدارة عملية اتخاذ القرار بمعزلٍ عن هذا الجزء من الشعب الفلسطيني، واختزل التعامل معهم في التوقع منهم أن يكونوا "جسرا" لعبور الخطاب الفلسطيني السلامي، الهابط، إلى المجتمع الإسرائيلي، وتحديدا حزب العمل الصهيوني. ومن تأثيرات هذا النهج أن نهجا مماثلا، كان قائما أصلا، تعزّز داخل لجنة المتابعة العليا التي تمثّل فلسطينيي 48، وكذلك داخل القائمة البرلمانية المشتركة.
في المقابل، واظب التيار الممثّل بالتجمع الوطني الديمقراطي، والحركة الإسلامية، وحركة أبناء البلد، على التمسّك بالنهج المستقل عن فكر سلطة أوسلو ونهجها. ودعا بصورةٍ منهجيةٍ إلى إسقاط هذا النهج، وإلى العودة إلى خطاب التحرّر الوطني، نحو التفاعل مع نضال الشعب الفلسطيني، باعتبارنا شعبا واحدا نعيش تحت منظومة القهر الكولونيالي نفسها. وفِي الداخل، ربط التيار الوطني الديمقراطي مطلب المساواة بإلغاء البنية الصهيونية لإسرائيل، وتفكيك منظومة الاستعمار.
ومنذ انفجار الهبّة الشعبية، قبل 18عاما، عاش الخطابان، في المؤسسات التمثيلية نفسها، في حالة تناقض وتصادم، وأحيانا في حالة تعايش وحوار، كرّسه النجاح في إقامة القائمة المشتركة بعد رفع نسبة الحسم عام 2015. وحتى وقتٍ قريب، طغى الخطاب الوطني والإسلامي المناهض على نهج السلطة الفلسطينية، والداعي إلى إعادة بناء المؤسسات التمثيلية القُطرية، وتنظيم الفلسطينيين على أساس قومي ينقلهم إلى مرحلة الاعتماد على الذات، وتعزيز هويتهم الوطنية مجموعة قومية تتعرّض بصورة منهجية لسياسات تفتيت وتفكيك. وقد كان هذا التيار قطع مشوارا كبيرا ومهما في مجال التهيئة النظرية، والتنظيمية، لانتخاب المؤسسات، بعد نشاطٍ مكثف، وحوارٍ متواصل، خاضه داخلها على مدار حوالي عقدين، وصولا إلى صياغة خطة انتخاب وبناء شاملة مكتوبة، غير أن الحملة المتلاحقة لهذا التيار من الموسسة الصهيونية أعاقت التقدّم، بل جمّدته، وباتت الهيئات التمثيلية تحت هيمنة التيار غير المعني، تاريخيا، بتنظيم الجماهير العربية قوميا، لأسباب أيدولوجية، تتمثل في الخوف من الانعزال عن الدولة (إسرائيل)، وفِي العجز عن التفكير الخلاق، فقد تم إخراج الحركة الإسلامية عن القانون، أما الحملة التحريضية ضد التجمع الوطني الديمقراطي، والتضييق عليه، فإنها تتواصل من دون توقف.
على الرغم من كل هذا التراجع، صدرت الدعوة الأولية إلى إضراب عام في كل فلسطين التاريخية، بعد صدور قانون القومية، عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، والذي صادقت عليه لجنة المتابعة، قبل التوجه إلى رام الله للقاء الفصائل والحركات الفلسطينية لتبنّي قرار الإضراب، وهو أمر مهم.
السؤال الذي يبقى مطروحا: هل يشكل قبول القرار وتبنّيه نقلة حقيقية في التفكير والنهج، أم أنّه ليس أكثر من فزعة، كفزعة تل أبيب ضد قانون القومية التي انتهت عند انتهاء المظاهرة، وعادت القيادة إلى سابق نهجها العقيم، منتشية ومعجبة بنفسها؟
كان فتيل هذه المواجهة الزيارة الاستفزازية التي قام بها مجرم الحرب، إرييل شارون، إلى المسجد الأقصى، لكن الخلفية الأساسية لها، انكشاف خديعة اتفاق أوسلو، وانهيار الأوهام التي روّجها هذا الاتفاق. إذ بان دافع إسرائيل وراء هذا الاتفاق، وهو تكريس فلسطين كلها مستعمرة صهيونية أبدية، تحميها سلطةٌ تنطق زورا باسم السكان الأصليين المحتلين.
أُطلق على المواجهة داخل الأرض المحتلة اسم الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في حين سمى فلسطينيو الداخل حراكهم العارم هبّة القدس والأقصى، أو هبّة أكتوبر، مع أن الأخيرة كانت ابنة الأولى ومفجّرتها. استمرت الانتفاضة الثانية التي بدأت سلمية، وتحولت مسلّحة، أكثر من أربع سنوات، في حين لم تصمد هبّة القدس والأقصى سوى 11 يوما. ولم يكن في مقدورها أن تصمد أطول من هذه المدة أمام القمع الوحشي الذي مارسته إسرائيل ضد جزءٍ من شعبٍ فرضت عليه المواطنة الإسرائيلية وجرّدته من أدنى أشكال الاعتماد على الذات.
كانت الصدمة كبيرة في صفوفهم، إذ ظنّوا أن مواطنتهم الإسرائيلية تحميهم من القتل، وإذا ب "دولتهم" تُعمل القتل بهم، وتضعهم في صف إخوتهم خارج الخط الأخضر، أعداءً للمشروع الصهيوني. كان هذا التعامل الوحشي مقدّمة لتبديد الأوهام عند أوساط واسعة من فلسطينيي 1948، وبالتالي كان فصلا جديدا في نظرتهم تجاه أنفسهم، وهويتهم، ومكانتهم في وطنهم تحت المواطنة الإسرائيلية. ومع ذلك، سارع جزء من قياداتهم التقليدية إلى نقد السلوك الشعبي العفوي العارم المتفاعل من الانتفاضة الفلسطينية، وتأثرا بصور القتل المروّع التي كانت تنقلها شاشات التلفزيون. بل سعت قيادات بعض الأحزاب العربيه إلى إظهار صورتها معتدلة، واجتهدت في ذلك، وبادرت إلى إقامة خيم التعايش، وذلك لتمييزها عن التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الإسلامية اللذيْن اتهما، ببيان رسمي من المخابرات، بأنهما كانا وراء إشعال الهبّة داخل الخط الأخضر، وتعرّضا لاحقا لملاحقات سياسية، وحملات تحريض شرسة، والتي تتواصل وتتجدّد كل يوم.
وتصدّى، آنذاك، التجمع الوطني الديمقراطي، بلا هوادة، وبصورة منهجية لهذه المحاولات، في خطابه وصحيفته، وفي اجتماعاته الشعبية. كان ذلك مدفوعا بالوعي لأهمية الخطاب الوطني، والذي كرّسته الهبّة الشعبية، ومناهضة حملة التحريض التي لجأت إليها الموسسة الصهيونية، بهدف تخويف الناس وإبعادها عن القيادات الوطنية.
منذ انفجار الهبّة، جرت تحولات عميقة في نظام الأبارتهايد الصهيوني ومجتمعه، نحو مزيدٍ من التطرّف، والعداء والكراهية، والميل إلى التخلص فيزيائيا من الوجود الفلسطيني داخل الخط الأخضر. وتتجلى هذه التحولات في تعميق نظام المراقبة والضبط وتشديده، والذي شمل قوانين لتجريد الفلسطينيين من ذاكرة نكبتهم. وفي المقابل، طوّروا تكتيكات يومية لمقاومة نظام الضبط والمراقبة والسيطرة، ومصادرة الذاكرة، وأنتج النقاش الذي دار داخل النخب الأكاديمية والمثقفة والسياسية معرفة مضادّة، تجلت في بلورة وثائق التصور المستقبلي، ودستور عدالة، ووثيقة حيفا التي تستعيد الرواية الفلسطينية، وتدعو إلى إلغاء البنية اليهودية الصهيونية وكولونيالية إسرائيل، شرطا لتحقيق العدالة. كما تواصلَ الإنتاج المعرفي متجاوزا هذه الوثائق نحو استحضار الخطاب الكولونيالي لإسرائيل، لإعادة تعريف إسرائيل كيان أبارتهايد استعماريا، مرجعا القضية الفلسطينية إلى أصولها باعتبارها قضية تحرّر وطني من نظام استعماري عنصري. صحيح أن هذا الإنتاج لم يتغلغل بعد في أوساط القوى السياسية التقليدية، لكنه يشكل تطورا مهما يمثل المستقبل المنشود.
سيضرب الفلسطينيون اليوم الاثنين، الأول من أكتوبر/ تشرين الأول، في جميع أنحاء وطنهم التاريخي، في ذكرى الانتفاضة الفلسطينية الثانية والهبّة الشعبية داخل الخط الأخضر، وذلك بقرار مشترك. وليس جديدا أن يلتحم الفلسطينيون من على جانبي الخط الأخضر في نشاطٍ وطني مشترك، إنما الجديد أن تصدر المبادرة من فلسطينيي 48، المقصيين تاريخيا من عملية اتخاذ القرار الفلسطيني، ومن كل مؤسّسات منظمة التحرير الفلسطينية. ومعلومٌ أن التنسيق مع مؤسسات منظمة التحرير، أو الانخراط فيها، بل حتى الالتقاء بأحد أعضائها محظور إسرائيلي، وعديدون ممن تواصلوا تعرّضوا للاعتقال والسجن. ولم تتغير الأمور جذريا، حتى بعد أن باتت منظمة التحرير معترفا بها بموجب اتفاقية أوسلو، فقد واصلت القيادة إدارة عملية اتخاذ القرار بمعزلٍ عن هذا الجزء من الشعب الفلسطيني، واختزل التعامل معهم في التوقع منهم أن يكونوا "جسرا" لعبور الخطاب الفلسطيني السلامي، الهابط، إلى المجتمع الإسرائيلي، وتحديدا حزب العمل الصهيوني. ومن تأثيرات هذا النهج أن نهجا مماثلا، كان قائما أصلا، تعزّز داخل لجنة المتابعة العليا التي تمثّل فلسطينيي 48، وكذلك داخل القائمة البرلمانية المشتركة.
في المقابل، واظب التيار الممثّل بالتجمع الوطني الديمقراطي، والحركة الإسلامية، وحركة أبناء البلد، على التمسّك بالنهج المستقل عن فكر سلطة أوسلو ونهجها. ودعا بصورةٍ منهجيةٍ إلى إسقاط هذا النهج، وإلى العودة إلى خطاب التحرّر الوطني، نحو التفاعل مع نضال الشعب الفلسطيني، باعتبارنا شعبا واحدا نعيش تحت منظومة القهر الكولونيالي نفسها. وفِي الداخل، ربط التيار الوطني الديمقراطي مطلب المساواة بإلغاء البنية الصهيونية لإسرائيل، وتفكيك منظومة الاستعمار.
ومنذ انفجار الهبّة الشعبية، قبل 18عاما، عاش الخطابان، في المؤسسات التمثيلية نفسها، في حالة تناقض وتصادم، وأحيانا في حالة تعايش وحوار، كرّسه النجاح في إقامة القائمة المشتركة بعد رفع نسبة الحسم عام 2015. وحتى وقتٍ قريب، طغى الخطاب الوطني والإسلامي المناهض على نهج السلطة الفلسطينية، والداعي إلى إعادة بناء المؤسسات التمثيلية القُطرية، وتنظيم الفلسطينيين على أساس قومي ينقلهم إلى مرحلة الاعتماد على الذات، وتعزيز هويتهم الوطنية مجموعة قومية تتعرّض بصورة منهجية لسياسات تفتيت وتفكيك. وقد كان هذا التيار قطع مشوارا كبيرا ومهما في مجال التهيئة النظرية، والتنظيمية، لانتخاب المؤسسات، بعد نشاطٍ مكثف، وحوارٍ متواصل، خاضه داخلها على مدار حوالي عقدين، وصولا إلى صياغة خطة انتخاب وبناء شاملة مكتوبة، غير أن الحملة المتلاحقة لهذا التيار من الموسسة الصهيونية أعاقت التقدّم، بل جمّدته، وباتت الهيئات التمثيلية تحت هيمنة التيار غير المعني، تاريخيا، بتنظيم الجماهير العربية قوميا، لأسباب أيدولوجية، تتمثل في الخوف من الانعزال عن الدولة (إسرائيل)، وفِي العجز عن التفكير الخلاق، فقد تم إخراج الحركة الإسلامية عن القانون، أما الحملة التحريضية ضد التجمع الوطني الديمقراطي، والتضييق عليه، فإنها تتواصل من دون توقف.
على الرغم من كل هذا التراجع، صدرت الدعوة الأولية إلى إضراب عام في كل فلسطين التاريخية، بعد صدور قانون القومية، عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، والذي صادقت عليه لجنة المتابعة، قبل التوجه إلى رام الله للقاء الفصائل والحركات الفلسطينية لتبنّي قرار الإضراب، وهو أمر مهم.
السؤال الذي يبقى مطروحا: هل يشكل قبول القرار وتبنّيه نقلة حقيقية في التفكير والنهج، أم أنّه ليس أكثر من فزعة، كفزعة تل أبيب ضد قانون القومية التي انتهت عند انتهاء المظاهرة، وعادت القيادة إلى سابق نهجها العقيم، منتشية ومعجبة بنفسها؟
دلالات
مقالات أخرى
02 سبتمبر 2019
17 يوليو 2019
07 ابريل 2019