في خلافات دول البريكس

22 سبتمبر 2015

رئيس وزراء الهند ورئيس جنوب أفريقيا ورئيسة البرازيل (10يوليو2015،Getty)

+ الخط -
مصطلح "بريكس" مختصر للأحرف الأولى بالإنجليزية لأسماء البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا. ابتكرته هيئة بنك استثمار أميركي لزبائنها؛ ثم ترسّخ المصطلح، في الأفكار والتأملات والدراسات الاقتصادية والسياسية ذات الطابع الاستراتيجي، فضلاً عن الدبلوماسية الخاصة بالتحوّلات التي يشهدها العالم الحديث.
صحيح أن بين هذه الدول الخمس نقاطاً مشتركة، خصوصاً لجهة تطبيق الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية، والنمو الاقتصادي القوي الذي تحقق العقد الماضي، علاوة على استراتيجيات التنمية التي جاءت خيارات معبّرة عن كيفية الاندماج في الاقتصاد العالمي. لكن، ثمة في المقابل خلافات سياسية، نستطيع أن نصفها بالعميقة، بين شركاء دول البريكس. فلدى البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا طموحات إقليمية ودولية، لكن توزيع المقاعد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يعكس التسويات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية؛ وبالتالي، تدعو كل من روسيا والصين إلى المحافظة على الوضع القائم، وهذا من شأنه أن يقصي الديمقراطيات الليبرالية الثلاث، الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، عن مجلس الأمن. فضلاً عن ذلك، فإن وجود مصالح متناقضة ومطالبات بأراضٍ أو بأقاليم يشكل مصدراً لضغوط اقتصادية وديبلوماسية، وحتى عسكرية.
ولا نقول جديداً إن قلنا إنه، ووفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، يتحمّل مجلس الأمن المسؤولية الرئيسة في صون السلم والأمن الدوليين؛ إذ يمكنه أن يقوم بتحقيقات وبتقديم توصيات، ويمكنه حتى أن يقوم "بعمل عسكري ضد المعتدي". وهو يتألف من 15 عضواً، منهم خمسة أعضاء دائمون: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا وبريطانيا؛ فيما تنتخب الجمعية العامة أعضاء آخرين مدة سنتين.
العامان 2010 و2011 بات يُطلق عليهما بـ "عامي الدبلوماسية المخصصة لشركاء البريكس"، بحيث شغلت الدول الخمس مقاعد في مجلس الأمن الدولي. لكن، وحدهما روسيا والصين حافظتا على مقعديهما. في العامين 2013 و2014، كما في العام 2015، لم يكن للبرازيل والهند وجنوب إفريقيا مقعد في هذه الهيئة العليا للحوكمة العالمية.
هكذا إذاً يكتسي عدم تمتّع البرازيل والهند وجنوب إفريقيا بعضوية دائمة في مجلس الأمن بعداً رمزياً ضاغطاً؛ إذ لا تشغُل أي دولة من قارة أميركا الجنوبية، أو من جنوب آسيا، أو من إفريقيا مكاناً، عضواً دائماً في مجلس الأمن (مقابل ثلاث دول أوروبية)، وبالتالي، فإن لهذه المسألة تداعيات دبلوماسية تحبل بنتائج كثيرة غير محمودة.
وإذا كان لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد، فإن القرارات المتعلقة بقضايا أساسية تتمّ بموافقة 9 أعضاء على الأقل من أصل 15 عضواً، على أن تشمل تلك الموافقة الدول الخمس دائمة العضوية. وهكذا، فإن الدول الخمس الكبرى تتمتع بحق الفيتو؛ في حين استبعدت البرازيل والهند وجنوب إفريقيا من الحصول على عضوية دائمة، كأمر يتطلب "إجماع القوى العظمى" الضروري للوصول إلى أي قرار. والمؤكد أن لهذا الاستبعاد تأثيره العملي على النشاط السياسي والعسكري للهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، ولا سيما فيما يتعلق بالعمليات العسكرية التي جرت، وتجري، تحت رعاية الأمم المتحدة في غير مكان في العالم؛ في حين تتضمّن "قوات حفظ السلام" عدداً متزايداً من الجنود التابعين لدول البريكس، باستثناء روسيا.
في المفاوضات التجارية، وخصوصاً في إطار منظمة التجارة العالمية، لا تتكلم بلدان البريكس
بصوت واحد، كما أن هذه البلدان نادراً ما تجتمع ضمن المجموعات نفسها، بل إن بعضها، أحيانا، يتكتل ضد بعضه. فالمفاوضات بشأن المنتجات الزراعية، تسبّبت، مثلاً، باختلافات كبيرة بين دول البريكس؛ إذ تتعارض مصالح جنوب إفريقيا والبرازيل (وهما عضوان في مجموعة "كيرنز" التي تدعو إلى تحرير التجارة الزراعية، والتي تضمّ 19 بلداً نامياً ومتطوراً) مع مصالح الصين والهند، بوصفهما ضمن مجموعة "أصدقاء المنتجات الدولية" التي تطالب بوضع قيود على فتح الأسواق في مجال التجارة الزراعية. وبالنسبة إلى تجارة المنتجات الصناعية، تلتقي مصالح جنوب إفريقيا والبرازيل على هذا الصعيد مع مصالح الهند ضد الصين، بحيث يتطلّب تحالف هذه البلدان مع غيرها من الدول، ضمن منظمة التجارة العالمية، اتخاذ تدابير للحدّ من فتح الأسواق أمام تجارة المنتجات الصناعية.
مع ذلك، وجد الدبلوماسيون البرازيليون أن الصينيين نظراء لهم ضمن مجموعة أصدقاء مكافحة الإغراق الذين يسعون إلى مزيد من الانضباط فيما يخصّ تدابير مكافحة الإغراق، التي تستخدمها الهند وجنوب إفريقيا بسهولة. وجنوب إفريقيا هي العضو الوحيد بين تجمّع بلدان البريكس، الموجود ضمن مجموعة "بلدان إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ"، والذي يمنحه الاتحاد الأوروبي أفضليات جمركية. وقد سمح هذا الأمر بأن تتمّ منافسة جنوب إفريقيا من الصين وروسيا في الأسواق الأوروبية، لا سيما بعد انضمام البلدين، أخيراً، إلى عضوية منظمة التجارة العالمية، ومطالبتهما بالحدّ من الالتزامات التي تفترضها المفاوضات، في ظل تدابير اللبرلة التي اتخذاها.
من جهة أخرى، تتعارض مواقف دول البريكس بخصوص جدول أعمال إصلاحات الأمم المتحدة، وبالتالي، فإن لهذه الدول مصالح قد لا يمكن التوفيق بينها. فالصراع المفتوح والعسكري بات من دون شك منعدماً؛ لكن الالتباس الذي يقود العلاقات الثنائية بين هذه الدول يبقى قوياً. وإذا كان العضوان الدائمان في مجلس الأمن الدولي، روسيا والصين، متضامنين
خلال التصويت، مثلاً، على القرارات المتعلقة بالشرق الأوسط، أو بخصوص المؤسسات المالية الدولية، وإصلاحات الأمم المتحدة، فهذا لا ينبغي أن يحجب قلق روسيا من صعود القوّة الصينية، بحيث عزّز انعكاس علاقات الهيمنة المتمثلة ببروز النفوذ الصيني، حساسيّة النخب العسكرية الروسية، التي استشعرت وتستشعر فقدانها التدريجي تفوّقها الفضائي والنووي.
كما يبدو الرأي العام الروسي، فضلاً عن ذلك، جاهزاً للتنديد بالصين عند دعمها علاقاتها بالجمهوريات السوفييتية السابقة، والتي لا تزال علاقاتها متوترة مع روسيا، مثل أوكرانيا. فضلاً عن ذلك، تدين الأحزاب القومية في روسيا الصين، لكونها "تستبيح" موارد الطاقة الوطنية. وفي سياق آخر، تكثر التوترات على حدود البلدين. لكن، ضمن إطار تدفقات الهجرة؛ بحيث تكافح الحكومة الروسية لأجل السيطرة على موجات الهجرة الصينية إلى الشرق الأقصى الروسي؛ ويتهم المسؤولون المحلّيون المهاجرين الصينيين الذين لا يملكون أوراقاً رسمية بـ "سرقة الوظائف الروسية".
فوق هذا وذاك، لا تزال العلاقات التجارية بين الصين وروسيا محدودة، وتتركّز في القطاع العسكري والطاقة. ويُفسّر الحظر الغربي على فئات معينة من الأسلحة لبلاد كونفوشيوس، سبب بقاء روسيا المورّد الرئيس للأسلحة إلى الصين.
على مستوى آخر، وعندما امتنعت الصين عن التصويت (مارس/آذار 2014) على قرار مجلس الأمن الذي شجب الاستفتاء ونتائجه في شبه جزيرة القرم، فُسّر موقفها هذا بأنه مشاركة غير مباشرة في العزلة الدبلوماسية المفروضة على روسيا.
كما تعاني بعض دول البريكس مشكلات عرقية ودينية وطوائفية حادّة، تُفضي أحياناً، إلى اضطراباتٍ من شأنها إعاقة النمو الاقتصادي والدمقرطة فيها. ونقصد هنا الهند التي علّق رئيس وزرائها السابق، جاسوانت سينغ، حول تجربة تكتل دول البريكس بعامة: "على الرغم من طموحاتها الحثيثة لإحداث تغيير فعلي في بنية الخرائط الاقتصادية والسياسية العالمية، فإن دول البريكس لا تزال تطغى فيها المصالح الوطنية، والداخلية جداً، على المصالح الاستراتيجية المشتركة فيما بينها".

A2AFC18A-C47E-45F2-A2B6-46AD641EA497
أحمد فرحات

كاتب وشاعر لبناني، عمل في عدد من الصحف اليومية اللبنانية والعربية، وفي مجلات ودوريات فكرية عربية.