في حاجة أردوغان إلى انتخابات مبكرة

20 ابريل 2018
+ الخط -
لم تكن دعوة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى انتخاباتٍ رئاسيةٍ وبرلمانيةٍ مبكرة مفاجئة للمتابعين. ولعلها لم تأت منه أولاً، إذ سبقه إليها حليفه رئيس حزب الحركة القومية، دولت باهجلي، والذي يسجل له أنه كان الأول دوماً في الدعوة إلى مثل هذه الانتخابات مراراً منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي. ولا يتعلق المهم هنا بمن دعا أولاً إلى هذه الانتخابات، بل بالأسباب التي تقف وراء هذه الدعوة.
لعل في مقدمة هذه الأسباب أن أردوغان يعتقد أن العملية العسكرية في عفرين في شمال سورية زادت من شعبية حزب العدالة والتنمية في الداخل التركي، وأن المنطق يقتضي منه تحويل هذا الإنجاز العسكري إلى انتصار سياسي يصب في الداخل، ولعل هذا ما يفسر إشارته إلى جملة الظروف الخارجية وتأكيده بالقول: "إنه نتيجة للعمليات العسكرية التي نخوضها في سورية، والأحداث التاريخية التي تشهدها منطقتنا، بات من الضروري لتركيا تجاوز حالة الغموض في أسرع وقت ممكن"، مع أن الإشارة إلى حالة الغموض في الداخل لا تبدو واضحة كثيراً، إلا أنها توحي بجملة العوامل الداخلية الاقتصادية والحزبية والسياسية، فعلى صعيد الاقتصاد ثمّة مخاوف تتعزّز من الدخول في أزمة اقتصادية، على الرغم من النهضة الاقتصادية الكبيرة التي حققتها تركيا خلال العقد الماضي. ولعل من أهم أسباب هذه المخاوف 
التراجع الكبير في سعر الليرة التركية مقابل الدولار، والنسبة الكبيرة للاستيراد مقابل التصدير، وازدياد حجم الديون الخارجية والداخلية، وهو ما يشكل قلقاً كبيراً لحزب العدالة والتنمية، وسط الخشية من أن تؤدي تداعيات ما سبق إلى التأثير على الحاضنة الشعبية لحزب العدالة والتنمية. وعلى المستوى الحزبي والتحالفات، ثمّة مخاوف تتعزّز لدى تحالف حزبَي العدالة والتنمية والحركة القومية من صعود نجم الحزب القومي الجديد (الجيد أو الخير) بزعامة ميرال أكشنار التي انشقت عن حزب الحركة القومية، وكذلك من التحالف الجديد الناشئ بين حزب الشعب الجمهوري الذي يمثل إرث أتاتورك وحزب السعادة الذي يمثل إرث مؤسس الإسلام السياسي التركي، نجم الدين أربكان.
واللافت أن هذه التحالفات بدأت تعمل بمنهجية نقدية تجاه ممارسات حكم حزب العدالة والتنمية، فيما يتعلق بالحريات والصحافة والاعتقالات في ظل حكم الطوارئ بعد الانقلاب العسكري الفاشل صيف العام 2016. والخطورة هنا أن الجمهور الذي تعمل عليه هذه التحالفات الجديدة هو نفسه الذي يراهن عليه حزب العدالة والتنمية في زيادة شعبيته، لتحقيق فوز ساحق في الانتخابات المقبلة. وربما وجد تحالف أردوغان – باهجلي أن أي تأخير في إجراء الانتخابات المبكرة سيصب لصالح التحالفات المعادية، لاسيما إذا انضم حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد إلى هذه التحالفات الجديدة، نكاية بأردوغان ومحاولة لإخراجه من السلطة. وعليه، تأتي خطوة الانتخابات المبكرة تعبيراً عن خطوة دستورية قانونية، تدرك أهمية استثمار عامل الوقت، لكي لا تستغل المعارضة هذا العامل لصالحها، خصوصاً وأن الوقت المتبقي لإجراء الانتخابات المبكّرة غير كافٍ للمعارضة في تنظيم صفوفها بشكلٍ يشكل خطراً على تحالف حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية الراسخ. لكن الأهم بالنسبة لأردوغان يبقى العامل السياسي، إذ انه يعتقد أن حزب العدالة والتنمية بات بحاجة إلى بنية سياسية جديدة لإدارة المرحلة المقبلة، فجملة الظروف السياسية والداخلية تفرض على الحزب مثل هذه البنية الجديدة، لجهة الإدارة والقرارات والسياسات والخيارات، وهو ما يجعل صيف تركيا انتخابياً ساخناً، لا يقل سخونة عن حرارة الحروب المشتعلة في الجوار الجغرافي.
55B32DF5-2B8C-42C0-ACB3-AA60C835F456
خورشيد دلي

كاتب سوري، عمل في قنوات تلفزيونية، صدر له في 1999 كتاب "تركيا وقضايا السياسة الخارجية"، نشر دراسات ومقالات عديدة في عدة دوريات وصحف ومواقع إلكترونية.