في ثقافة ارتداء الأقنعة

10 يونيو 2015

ارحموا أنفسكم من حساب الشعب الذي سيطالكم (Getty)

+ الخط -
تكثر الأقنعة محاولة إخفاء الحقائق، لكنه زمن سقوط الأقنعة. 
خلال عقود مضت، اعتادت الشعوب العربية على تقبل أقنعة السياسيين والمثقفين والفنانين، كما اعتادت، هي نفسها، على تبديل وجوهها، حسب الهدف المقصود من الظهور.
ربما تكون أقنعة العامة بسيطة وسهلة الكشف عند أول محك، لكنها تتطور وتتعقد كلما ازدادت حنكة مرتديها، وكلما اقترب من دائرة "النخبة"، فأقنعة المثقفين والكتاب تكون أكثر حرفة، وقد يصعب كشفها وإزالتها إلا بالاقتراب كثيراً من حياتهم اليومية، أو التعامل معهم خارج منابرهم، حيث يمكن أن يتورطوا بالتفاصيل، فتسقط الأقنعة سهواً.
الأخطر، دائماً، هم السياسيون، لأن وجوههم المتعددة قد تكون أداتهم للعب بمصير المئات أو حتى الملايين، كما حصل في مناطق كثيرة من الوطن العربي، وكما حصل، وما زال يحصل، في سورية.
لم يُظهر النظام السوري، يوماً، وجهه الحقيقي للعالم، واستطاع إخفاء معالمه فترة طويلة، خلف أقنعة عدة، اختلفت باختلاف الظروف الإقليمية والدولية، لعل أبرزها وجه المحارب للعدو الإسرائيلي، والذي لبسه وألبسه للبلاد طويلاً، ثم راح يسوّق قناع النظام الديمقراطي، والذي لم يأخذ زمناً طويلاً ليسقط، داخلياً على الأقل.
ورث بشار الأسد البلاد، ليرث معها أقنعة والده. لكنه تفنن في صناعة وارتداء وجوه جديدة، مثل وجه الدولة العصرية المنفتحة والقابلة لتعدد الآراء بحريّة، ذلك القناع الذي أسقطه النظام عمداً في ربيع دمشق، ليكشف عن أنيابه الموروثة أيضاً، لكنه لم يلبث أن ارتدى وجه المقاومة والممانعة، ليكون حجة جديدة قديمة للقمع والتهميش والإفقار.
أجمل ما فعلته الثورة السورية هو إسقاط جميع الأقنعة وتحطيمها، لتظهر الوجوه الحقيقية للجميع وعلى جميع الأصعدة. أول التي سقطت بعد أقنعة النظام كانت أقنعة معارضته. فعلى الرغم من أن الشعب السوري كان "محكوماً بالأمل"، كما قال سعد الله ونوس، إلا أنه بعد الثورة لم يعد قادراً على تحمل الأقنعة من أحد، فأمهل بعضهم ليثبت إن كان يحمل وجهه الحقيقي أو المزيف، لكن المهل لم تكن طويلة، فتعرّى الجميع أمام معاناة الشعب العظيم، وإصراره على الاستمرار في ثورته.
لم تفهم بعض القوى "الثورية" الدرس بعد، وما زالت مصرة على أن تلبس أقنعتها المكشوفة للجميع، إلا لمن لا يزال ينظر في المرآة، ولا يرى غير نفسه، فيصدق مرآته ويزداد تمسكاً بقناعه.
ولأن الأقنعة ضرورة دولية وسياسية، فقد عُقدت لها كرنفالات أو مؤتمرات واجتماعات كثيرة، وشارك فيها كل من يساهم، ولو من بعيد، بصناعة الوجوه المزيفة، ويستخدمها ليحرك مصالحه في العالم. جديد هذه الكرنفالات، أقصد المؤتمرات، ولن يكون الأخير، مؤتمر القاهرة 2، والذي ينسق له صاحب القناع الأكثر زيفا، هيثم مناع، وتلة من الأقنعة لا الشخصيات. مهرجان حقيقي للوجوه المزيفة التي تخفي حقائقها المشوهة تحت أقنعة المعارضة الوطنية، لكنها أقنعة فضفاضة، لا تناسب قياس رؤوسهم الصغيرة.
ما يغيب عن أذهان هؤلاء، أن للشعب ذاكرة حية ليس من السهل محوها، فمن نسي، مثلاً، اتهام مناع المتظاهرين بأنهم مرتزقة يقومون بتمثيل المظاهرات لصالح الجهات المغرضة مقابل "سندويشة و200 ليرة سورية"، وهو الذي انقلب على الثورة منذ بدايتها؟ ومن منا نسي حسن عبد العظيم، الذي سوّق له النظام كمعارض وطني، يعمل تحت "سقف الوطن"؟ أو صالح مسلم، والذي مازال ينسق مع النظام عسكرياً، ويتقاسم معه المناطق في الحسكة؟ وأي قناع سيرتدي جهاد مقدسي، المتحدث السابق باسم وزارة خارجية النظام، والذي لم يعلن انشقاقه رسمياً حتى الآن؟ لن ينفع تعداد المؤتمرين، فكلهم على ذات الشاكلة أو أسوأ، وكلهم لبس أو أُلبس القناع المجهز له.
للمؤتمر قناع كبير يرتديه، ولكل من الحاضرين الذين يدّعون أنهم يمثلون الشعب السوري، وبنسبة 80%، حسب أحد التقارير المنشورة، قناعه المزيف.
أيها السادة، قد لا نطلب الكثير الآن، فقط ارحموا أنفسكم من حساب الشعب الذي سيطالكم يوماً.
avata
غالية شاهين

صحافية سورية من أسرة "العربي الجديد"