كانت أميركا للجميع. كانت أميركا فكرة ولم تكن جغرافيا! كانت وهما، مجرد وهم لكل مهاجر مقصه ليفصله على مقاس معانيه! "إنها ملجأ ولم تكن وطنا -كما قال العروي-". هويتك ما شئت، ولا أحد يمكنه أن يقول لك من أنت؟! فما دمت على هذه الأرض فإنها لك، وأنت منها! الأميركي منشغل بالعمل وكسب المزيد، والبحث عن الرفاه.
لا شيء يشغله. القنوات لا تحمل له غير برامج التسويق، وأحوال الطقس، وبرامج الترفيه. لا خوف من المستقبل. ولا خوف من الجيران. لا خوف من مناصب الشغل والدخل الوفير.
لا شيء يشغله. القنوات لا تحمل له غير برامج التسويق، وأحوال الطقس، وبرامج الترفيه. لا خوف من المستقبل. ولا خوف من الجيران. لا خوف من مناصب الشغل والدخل الوفير.
........
أميركا الأمة. الأميركي هو الأبيض أولا، ثم الزنجي ثانيا. وما بينهما أعراق مهاجرة. صار المهاجر هو صاحب اللكنة. صاحب الثقافة المختلفة. صارت هويتك ملامحك. وصار العربي شرق -أوسطي. والشرق أوسطي مسلم. والمسلم إرهابي. والآلة الإعلامية منشغلة بصناعة الصورة وتنميطها. الإرهابي مسلم.
وكل إرهابي مسلم وإن لم يكن كل مسلم إرهابيا. لا مجال لتصحيح الصورة. ملايين الصور والأخبار تملأ الفضاء العام. مجاهدون هناك. قتلة هناك. كارهون يتوعدون السلام والأمن الأميركي في كل مكان. على كل أميركي أن يكون حذرا، فالإرهابيون الحقيقيون بينهم، وعلى الجميع أن يبحث عنهم!
يحلو للإعلام الأميركي أن يسلط الضوء على اللافتات التي تحرض على معاداة أميركا، من المحيط إلى أقصى خارطة إسلامية على الأرض. لا حديث في العالم، بعد انهيار جدار برلين سوى عن الإرهاب "الإسلامي".
......
في المنافي تكتشف أنك الصورة المظلمة لبلد جئت منه! تجتهد في التخلص من الكثير من الشوائب التي تراها غير صالحة لك، لكنك تجد نفسك عنوانا لثقافة صناع الإرهاب. تكتب، وتشرح، وتحاول، وتصرخ، لكنك تحمل تهمة أبدية. أنت ما أريد لك أن تكون ولا شيء آخر غير أن تكون "آخر" الخير والسلام.
.......
تزداد هجرة العرب إلى أميركا. تتسع قاعدة الجالية. تُدعم الجمعيات الإسلامية. يرخص لها لإقامة "بيوت الله". يزداد العربي المسلم تشبثا بماضيه ما دام أنه فقد الحاضر، فقد الزمن والمكان. تُفتعل الصراعات التي تنتهي بالمحاكم.
تتزايد الأحقاد. وتخلق سياقات، محكمة الصنع والضبط، لإنتاج "كيتوهات" عربية تعيش القلق والاكتئاب، وتزداد انغلاقا على نفسها. وباسم الحرية، والعدالة، والديمقراطية، ومثلما تشاهد الهيب هوب، ترى "الإسلام الإيديولوجي". لحى وسراويل قصيرة، وزوجات منقبات، وآيات قرآنية على الزجاج الخلفي للسيارات.
.....
صرت عربيا مسلما على مقاس الصورة التي أريدت لي!
لم تعد أميركا للجميع. أميركا للأميركيين فقط. للبيض. للمسيحيين فقط. للذين لا يلحنون ولا لكنة لهم. للذين لهم أسماء لا حروف فيها خارج الأبجدية الإنجليزية. ثم نقذف خارج السياق. الهامش هو المصير الحتمي لحضورنا. إنه المنفى المضاعف. أن توجد خارج كل السياقات، يعني أن لا أمل لك في أن تجد مكانا لك في أي جغرافيا.
يصبح همك الأوحد هو أن تثبت براءتك. صار الأصل هو أن تحمل تهمتك "الإرهابية" وعليك أن تتخلص منها. ما تبقى من حياتك هو زمن للبرهنة على حسن سلوكك. لا مجال للخطأ. لا مساحة للحرية التي جئت من أجلها. فالإرهابي، ليس من يلبس الجلباب ويعفو عن اللحى فقط، إنما الأخطر هم المتعلمون. أولئك الذين "يتظاهرون" بالاندماج. فساحات المعارك ملأى "بالمجاهدين" الآتين من أوروبا وأميركا. ملأى، ليس فقط بالذين نشأوا في عائلات مسلمة، وإنما الذين التحقوا بالإسلام من أصول أميركية!
....
أنا، اليوم، أحمل جواز سفري كمواطن أميركي. أقف أمام حرس الحدود فيسألونني، بعد أن يفتشوا حقيبتي وجسدي، وملابسي، وأغراضي: «ما هو وطنك الأصلي؟!» أجيب بتلكؤ وارتباك.. لأني أعي جيدا أنني مجرد "مجنس" حامل لوثيقة تسمح لهم برصد تحركاتي. وحين أقف أمام شرطي الحدود في وطني الأصلي، يقول لي: «ما سبب الزيارة؟!»
.....
كانت سذاجتي توحي لي أنني سأتخلص من الكثير من اللعنات حين سأصبح "مواطنا أميركيا". لكنني اكتشفت أنني أضاعف المنافي. لا تفقد المكان فقط، وإنما تفقد الجواب على أسئلة لم تكن تخطر ببالك من قبل!؟ وعوضا أن تهتم بنحت الأسئلة، تجد نفسك "مجيبا" وعليك أن تحترف الجواب!
*كاتب وأستاذ جامعي مغربي مقيم في بوسطن
أميركا الأمة. الأميركي هو الأبيض أولا، ثم الزنجي ثانيا. وما بينهما أعراق مهاجرة. صار المهاجر هو صاحب اللكنة. صاحب الثقافة المختلفة. صارت هويتك ملامحك. وصار العربي شرق -أوسطي. والشرق أوسطي مسلم. والمسلم إرهابي. والآلة الإعلامية منشغلة بصناعة الصورة وتنميطها. الإرهابي مسلم.
وكل إرهابي مسلم وإن لم يكن كل مسلم إرهابيا. لا مجال لتصحيح الصورة. ملايين الصور والأخبار تملأ الفضاء العام. مجاهدون هناك. قتلة هناك. كارهون يتوعدون السلام والأمن الأميركي في كل مكان. على كل أميركي أن يكون حذرا، فالإرهابيون الحقيقيون بينهم، وعلى الجميع أن يبحث عنهم!
يحلو للإعلام الأميركي أن يسلط الضوء على اللافتات التي تحرض على معاداة أميركا، من المحيط إلى أقصى خارطة إسلامية على الأرض. لا حديث في العالم، بعد انهيار جدار برلين سوى عن الإرهاب "الإسلامي".
......
في المنافي تكتشف أنك الصورة المظلمة لبلد جئت منه! تجتهد في التخلص من الكثير من الشوائب التي تراها غير صالحة لك، لكنك تجد نفسك عنوانا لثقافة صناع الإرهاب. تكتب، وتشرح، وتحاول، وتصرخ، لكنك تحمل تهمة أبدية. أنت ما أريد لك أن تكون ولا شيء آخر غير أن تكون "آخر" الخير والسلام.
.......
تزداد هجرة العرب إلى أميركا. تتسع قاعدة الجالية. تُدعم الجمعيات الإسلامية. يرخص لها لإقامة "بيوت الله". يزداد العربي المسلم تشبثا بماضيه ما دام أنه فقد الحاضر، فقد الزمن والمكان. تُفتعل الصراعات التي تنتهي بالمحاكم.
تتزايد الأحقاد. وتخلق سياقات، محكمة الصنع والضبط، لإنتاج "كيتوهات" عربية تعيش القلق والاكتئاب، وتزداد انغلاقا على نفسها. وباسم الحرية، والعدالة، والديمقراطية، ومثلما تشاهد الهيب هوب، ترى "الإسلام الإيديولوجي". لحى وسراويل قصيرة، وزوجات منقبات، وآيات قرآنية على الزجاج الخلفي للسيارات.
.....
صرت عربيا مسلما على مقاس الصورة التي أريدت لي!
لم تعد أميركا للجميع. أميركا للأميركيين فقط. للبيض. للمسيحيين فقط. للذين لا يلحنون ولا لكنة لهم. للذين لهم أسماء لا حروف فيها خارج الأبجدية الإنجليزية. ثم نقذف خارج السياق. الهامش هو المصير الحتمي لحضورنا. إنه المنفى المضاعف. أن توجد خارج كل السياقات، يعني أن لا أمل لك في أن تجد مكانا لك في أي جغرافيا.
يصبح همك الأوحد هو أن تثبت براءتك. صار الأصل هو أن تحمل تهمتك "الإرهابية" وعليك أن تتخلص منها. ما تبقى من حياتك هو زمن للبرهنة على حسن سلوكك. لا مجال للخطأ. لا مساحة للحرية التي جئت من أجلها. فالإرهابي، ليس من يلبس الجلباب ويعفو عن اللحى فقط، إنما الأخطر هم المتعلمون. أولئك الذين "يتظاهرون" بالاندماج. فساحات المعارك ملأى "بالمجاهدين" الآتين من أوروبا وأميركا. ملأى، ليس فقط بالذين نشأوا في عائلات مسلمة، وإنما الذين التحقوا بالإسلام من أصول أميركية!
....
أنا، اليوم، أحمل جواز سفري كمواطن أميركي. أقف أمام حرس الحدود فيسألونني، بعد أن يفتشوا حقيبتي وجسدي، وملابسي، وأغراضي: «ما هو وطنك الأصلي؟!» أجيب بتلكؤ وارتباك.. لأني أعي جيدا أنني مجرد "مجنس" حامل لوثيقة تسمح لهم برصد تحركاتي. وحين أقف أمام شرطي الحدود في وطني الأصلي، يقول لي: «ما سبب الزيارة؟!»
.....
كانت سذاجتي توحي لي أنني سأتخلص من الكثير من اللعنات حين سأصبح "مواطنا أميركيا". لكنني اكتشفت أنني أضاعف المنافي. لا تفقد المكان فقط، وإنما تفقد الجواب على أسئلة لم تكن تخطر ببالك من قبل!؟ وعوضا أن تهتم بنحت الأسئلة، تجد نفسك "مجيبا" وعليك أن تحترف الجواب!
*كاتب وأستاذ جامعي مغربي مقيم في بوسطن