في السنة الثانية من الحصار الذي فرضته الإمارات والسعودية والبحرين ومصر على دولة قطر، بدا كأن وسائل إعلام هذه الدول اختارت منحى أكثر جديّة وخطورة لحربها الإعلامية مع الدوحة.
فإن كان العام الأوّل قد اتّسم بنشر الأكاذيب الإعلامية يوميّاً ضد قطر، بشكل أساء لإعلام دول الحصار أكثر مما أساء للدوحة، فإن السنة الثانية كشفت عمّا تخطّط له الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التابعة لهذه الدول، وطريقة عملها.
وعند المقارنة بين أداء الإعلام في العام الأول وأدائه في العام الثاني، يبقى القاسم المشترك الأبرز، هو التحريض الأعمى، الأقرب إلى الجنون، ضدّ قطر، بينما اختلفت أساليب عرض هذه الأكاذيب. ففي العام الأول انجرّت الصحف السعودية، والإماراتية والمصرية تحديداً، إلى جانب الفضائيات التابعة لهذه الدول إلى حفلات تهريج، بغية شيطنة الدوحة وكل من يرتبط بها أو يساند مواقفها. لتفقد وسائل الإعلام هذه الحدّ الأدنى من رصانتها، ومصداقيتها.
أما في العام الثاني، وبعدما هدأت التصريحات السياسية المتبادلة مقارنة بالعام الأول، انشغل الإعلام الخليجي بشكل أساسي بالدفاع عن السعودية والإمارات بعد تسليط الإعلام الغربي الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير في هاتين الدولتين، إثر اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي. وكان للإعلام الأميركي تحديداً، دور بارز في كشف حقائق كثيرة، كانت السعودية والإمارات تنفيانها طيلة سنوات.
الاستعانة بإسرائيل
كشف أكثر من تقرير صحافي عن استعانة السعودية والإمارات، بتقنيات إسرائيلية للتجسس على خصومهما، وتحديداً على قطر، أو المتضامنين معها داخل دول الحصار. ونتحدّث هنا عن شراء الحكومتين الخليجيتين لتقنيات تجسس شركة البرمجة والهايتك الإسرائيلية NSO (تأسست سنة 2008). وهي الشركة التي قدمت برمجية "بيغاسوس" للحكومة الإماراتية للتجسس على معارضيها. لكن سرعان ما قررت الإمارات الارتقاء بعملها التجسسي مع ارتفاع وتيرة الصراع الخليجي، إثر فرض الحصار على قطر. هكذا أغرت موظفي "أن أس أو" للانضمام لشركتها الخاصة بتقنيات التجسس، "دارك ماتر"، نهاية عام 2017، واستقبلتهم في مكاتبها في قبرص. ووفق صحيفة "نيويورك" تايمز" استخدمت الإمارات هؤلاء الموظفين الجدد للتجسس على قطر بشكل أساسي، إلى جانب "خصوم آخرين".
في التحقيق نفسه كشفت الصحيفة الأميركية، أن السعودية فضلت الإبقاء على تقنيات التجسس الإسرائيلية التي اشترتها بمبالغ طائلة، للتجسس على قطر، حيث عقد سعود القحطاني، وكان وقتها مستشاراً لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المفاوضات لشراء هذه التقنيات. ثمّ توسّعت دائرة ضحاياها لتشمل أيضاً تركيا، ودولاً غربية.
اقــرأ أيضاً
كل هذه المعلومات كشفت عنها وسائل إعلام غربية، أبرزها "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"، ووكالة "رويترز". إذ نشرت هذه الأخيرة مطلع شهر إبريل/نيسان الماضي، تقريراً مطوّلاً عن استخدام الإمارات مجموعة من خبراء التسلل الإلكتروني الأميركيين، الذين كانوا يعملون سابقاً في المخابرات الأميركية، في التجسس على مجموعة من الإعلاميين، وبينهم المفكر العربي عزمي بشارة، والرئيس التنفيذي لموقع وصحيفة "العربي الجديد" عبد الرحمن الشيال، والإعلامية اللبنانية جيزيل خوري، وهي مقدمة برنامج في "بي بي سي عربي"، ورئيس شبكة الجزيرة، وشخصيات إعلامية عربية بارزة أخرى.
فما الذي حصل؟ ولماذا قرّر الإعلام الغربي تسليط الضوء بهذا الشكل على كل هذه التجاوزات السعودية والإماراتية؟ لم يكن اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول حدثاً هامشياً أو تفصيلاً في تعامل وسائل الإعلام مع السعودية وحليفتها الإمارات.
فالحملات الإعلامية التي قادتها "واشنطن بوست" (كان خاشقجي ينشر فيها مقالات رأي دورية) وبعدها عشرات الصحف والمواقع العالمية، للكشف عن انتهاك حقوق الإنسان والحريات في السعودية، جعلت فتح الملفات السوداء للرياض وأبوظبي أكثر سهولة.
كرّت السبحة سريعاً، فكان كل يوم يمرّ، يكشف المزيد من السياسات الإعلامية والإلكترونية التي تتبعها دول الحصار في خوض حروبها ضد قطر أو ضد معارضيها في الداخل والخارج.
الذباب الإلكتروني
رغم مأساوية قضية خاشقجي، إلا أنها سمحت للإعلام الغربي أيضاً باكتشاف "الذباب الإلكتروني" السعودي، وغيره من اللجان الإلكترونية التابعة لدول الحصار. فبعد الخامس من يونيو/حزيران 2017، انتشرت مئات الحسابات الوهمية التي جنّدت لتغذية الصراع الخليجي، ونشر الشائعات والأخبار المزيّفة عن دولة قطر، على موقع "تويتر".
والذباب الإلكتروني، تسمية أطلقت على الجيش الإلكتروني الذي يقود المعركة الافتراضية للدفاع عن النظام السعودي. وقد ظهرت تسمية "الذباب" في الخليج بعد فرض الحصار على قطر. ويتألّف الذباب الإلكتروني من مجموعة ضخمة من الحسابات الوهمية أو الروبوتات الإلكترونية، التي تبدو كأنها حسابات تابعة لأشخاص حقيقيين، لكنها ليست كذلك إطلاقاً. بل هي برامج حاسوبية تستغل مواقع التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص "تويتر" لنشر الدعاية السياسية في أغلب الأحيان.
لكن في العام الأول من الحصار، كان تعامل مواقع التواصل مع "الذباب" محايداً أو متسامحاً إلى حد كبير. فكانت تنشر يومياً عشرات التغريدات المسيئة للدوحة، بينما وقفت إدارة "تويتر" موقف المتفرّج. لكن مع اغتيال خاشقجي واستنفار الرأي العام العالمي، بدأ "تويتر" اتخاذ أولى الخطوات لوضع حدّ لنشر الأكاذيب على موقعه.
ففي شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبعد أيام من اغتيال الصحافي السعودي في قنصلية بلاده في إسطنبول، أوقف موقع "تويتر" شبكة تضمّ عدداً كبيراً من الروبوتات الإلكترونية bots التي تدافع عن المملكة العربية السعودية في قضية خاشقجي. ولم تكن وفاته قد تأكدت وقتها.
وكانت شبكة NBC الأميركية قد قدمت لـ"تويتر" دلائل علمية جمعها الباحث جوش راسل، تشير إلى استخدام السعودية لهذه الحسابات الوهمية التي كانت تقوم بنشر مئات التغريدات الدعائية، بنفس الصيغة وفي نفس الوقت على الموقع. وأكد موظف في "تويتر" لم يذكر اسمه وقتها، أن الموقع كان على علم بوجود كل هذه الحسابات التي تروّج لدعاية مدافعة عن النظام السعودي، وقام بالفعل بإيقافها.
ونهاية شهر إبريل/نيسان الماضي، أعاد "تويتر" الكرّة، فأقفل 5 آلاف حساب، يعمل بشكل آلي للدفاع عن السعودية وعن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويهاجم قطر بشكل يوميّ.
البرامج الفنية
انطلاقاً مما سبق قد يبدو للوهلة الأولى أن العام الثاني كان أكثر رصانة في الحرب الإعلامية التي دشنتها دول الحصار ضد قطر. لكن شهر رمضان أعاد إعلام هذه الدول إلى قعر المهنية. فسواء في المسلسلات أو البرامج الحوارية الفنية، أقحم الصراع مع قطر بشكل مبتذل.
ونأخذ هنا مثالين: الأوّل برنامج "مجموعة إنسان" الذي يقدمه السعودي علي العلياني على شاشة MBC. يقوم البرنامج على استقبال ضيف فني في كل حلقة، ومحاورته بشكل "مبتكر". لكن في رمضان 2019 تحوّل البرنامج إلى سلسلة أسئلة تحاول توريط الفنانين في إجابات معادية لقطر، كما حصل في الحلقة الشهيرة مع الفنان الأردني عمر العبداللات.
أما المثال الثاني، فهو قرار الفضائيات الإماراتية وقف عرض مسلسل تظهر فيه الإعلامية الأردنية علا الفارس، بعد أن تركت MBC وانضمت إلى شبكة "الجزيرة".
عامان إذاً مرّا، سقط خلالهما إعلام دول الحصار في حفرة من الابتذال يصعب جداً الصعود منها، والعودة إلى ما كانت عليه الحال قبل اندلاع الأزمة الخليجية.
وعند المقارنة بين أداء الإعلام في العام الأول وأدائه في العام الثاني، يبقى القاسم المشترك الأبرز، هو التحريض الأعمى، الأقرب إلى الجنون، ضدّ قطر، بينما اختلفت أساليب عرض هذه الأكاذيب. ففي العام الأول انجرّت الصحف السعودية، والإماراتية والمصرية تحديداً، إلى جانب الفضائيات التابعة لهذه الدول إلى حفلات تهريج، بغية شيطنة الدوحة وكل من يرتبط بها أو يساند مواقفها. لتفقد وسائل الإعلام هذه الحدّ الأدنى من رصانتها، ومصداقيتها.
أما في العام الثاني، وبعدما هدأت التصريحات السياسية المتبادلة مقارنة بالعام الأول، انشغل الإعلام الخليجي بشكل أساسي بالدفاع عن السعودية والإمارات بعد تسليط الإعلام الغربي الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير في هاتين الدولتين، إثر اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي. وكان للإعلام الأميركي تحديداً، دور بارز في كشف حقائق كثيرة، كانت السعودية والإمارات تنفيانها طيلة سنوات.
الاستعانة بإسرائيل
كشف أكثر من تقرير صحافي عن استعانة السعودية والإمارات، بتقنيات إسرائيلية للتجسس على خصومهما، وتحديداً على قطر، أو المتضامنين معها داخل دول الحصار. ونتحدّث هنا عن شراء الحكومتين الخليجيتين لتقنيات تجسس شركة البرمجة والهايتك الإسرائيلية NSO (تأسست سنة 2008). وهي الشركة التي قدمت برمجية "بيغاسوس" للحكومة الإماراتية للتجسس على معارضيها. لكن سرعان ما قررت الإمارات الارتقاء بعملها التجسسي مع ارتفاع وتيرة الصراع الخليجي، إثر فرض الحصار على قطر. هكذا أغرت موظفي "أن أس أو" للانضمام لشركتها الخاصة بتقنيات التجسس، "دارك ماتر"، نهاية عام 2017، واستقبلتهم في مكاتبها في قبرص. ووفق صحيفة "نيويورك" تايمز" استخدمت الإمارات هؤلاء الموظفين الجدد للتجسس على قطر بشكل أساسي، إلى جانب "خصوم آخرين".
في التحقيق نفسه كشفت الصحيفة الأميركية، أن السعودية فضلت الإبقاء على تقنيات التجسس الإسرائيلية التي اشترتها بمبالغ طائلة، للتجسس على قطر، حيث عقد سعود القحطاني، وكان وقتها مستشاراً لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المفاوضات لشراء هذه التقنيات. ثمّ توسّعت دائرة ضحاياها لتشمل أيضاً تركيا، ودولاً غربية.
كل هذه المعلومات كشفت عنها وسائل إعلام غربية، أبرزها "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"، ووكالة "رويترز". إذ نشرت هذه الأخيرة مطلع شهر إبريل/نيسان الماضي، تقريراً مطوّلاً عن استخدام الإمارات مجموعة من خبراء التسلل الإلكتروني الأميركيين، الذين كانوا يعملون سابقاً في المخابرات الأميركية، في التجسس على مجموعة من الإعلاميين، وبينهم المفكر العربي عزمي بشارة، والرئيس التنفيذي لموقع وصحيفة "العربي الجديد" عبد الرحمن الشيال، والإعلامية اللبنانية جيزيل خوري، وهي مقدمة برنامج في "بي بي سي عربي"، ورئيس شبكة الجزيرة، وشخصيات إعلامية عربية بارزة أخرى.
فما الذي حصل؟ ولماذا قرّر الإعلام الغربي تسليط الضوء بهذا الشكل على كل هذه التجاوزات السعودية والإماراتية؟ لم يكن اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول حدثاً هامشياً أو تفصيلاً في تعامل وسائل الإعلام مع السعودية وحليفتها الإمارات.
فالحملات الإعلامية التي قادتها "واشنطن بوست" (كان خاشقجي ينشر فيها مقالات رأي دورية) وبعدها عشرات الصحف والمواقع العالمية، للكشف عن انتهاك حقوق الإنسان والحريات في السعودية، جعلت فتح الملفات السوداء للرياض وأبوظبي أكثر سهولة.
كرّت السبحة سريعاً، فكان كل يوم يمرّ، يكشف المزيد من السياسات الإعلامية والإلكترونية التي تتبعها دول الحصار في خوض حروبها ضد قطر أو ضد معارضيها في الداخل والخارج.
الذباب الإلكتروني
رغم مأساوية قضية خاشقجي، إلا أنها سمحت للإعلام الغربي أيضاً باكتشاف "الذباب الإلكتروني" السعودي، وغيره من اللجان الإلكترونية التابعة لدول الحصار. فبعد الخامس من يونيو/حزيران 2017، انتشرت مئات الحسابات الوهمية التي جنّدت لتغذية الصراع الخليجي، ونشر الشائعات والأخبار المزيّفة عن دولة قطر، على موقع "تويتر".
والذباب الإلكتروني، تسمية أطلقت على الجيش الإلكتروني الذي يقود المعركة الافتراضية للدفاع عن النظام السعودي. وقد ظهرت تسمية "الذباب" في الخليج بعد فرض الحصار على قطر. ويتألّف الذباب الإلكتروني من مجموعة ضخمة من الحسابات الوهمية أو الروبوتات الإلكترونية، التي تبدو كأنها حسابات تابعة لأشخاص حقيقيين، لكنها ليست كذلك إطلاقاً. بل هي برامج حاسوبية تستغل مواقع التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص "تويتر" لنشر الدعاية السياسية في أغلب الأحيان.
لكن في العام الأول من الحصار، كان تعامل مواقع التواصل مع "الذباب" محايداً أو متسامحاً إلى حد كبير. فكانت تنشر يومياً عشرات التغريدات المسيئة للدوحة، بينما وقفت إدارة "تويتر" موقف المتفرّج. لكن مع اغتيال خاشقجي واستنفار الرأي العام العالمي، بدأ "تويتر" اتخاذ أولى الخطوات لوضع حدّ لنشر الأكاذيب على موقعه.
ففي شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبعد أيام من اغتيال الصحافي السعودي في قنصلية بلاده في إسطنبول، أوقف موقع "تويتر" شبكة تضمّ عدداً كبيراً من الروبوتات الإلكترونية bots التي تدافع عن المملكة العربية السعودية في قضية خاشقجي. ولم تكن وفاته قد تأكدت وقتها.
وكانت شبكة NBC الأميركية قد قدمت لـ"تويتر" دلائل علمية جمعها الباحث جوش راسل، تشير إلى استخدام السعودية لهذه الحسابات الوهمية التي كانت تقوم بنشر مئات التغريدات الدعائية، بنفس الصيغة وفي نفس الوقت على الموقع. وأكد موظف في "تويتر" لم يذكر اسمه وقتها، أن الموقع كان على علم بوجود كل هذه الحسابات التي تروّج لدعاية مدافعة عن النظام السعودي، وقام بالفعل بإيقافها.
ونهاية شهر إبريل/نيسان الماضي، أعاد "تويتر" الكرّة، فأقفل 5 آلاف حساب، يعمل بشكل آلي للدفاع عن السعودية وعن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويهاجم قطر بشكل يوميّ.
البرامج الفنية
انطلاقاً مما سبق قد يبدو للوهلة الأولى أن العام الثاني كان أكثر رصانة في الحرب الإعلامية التي دشنتها دول الحصار ضد قطر. لكن شهر رمضان أعاد إعلام هذه الدول إلى قعر المهنية. فسواء في المسلسلات أو البرامج الحوارية الفنية، أقحم الصراع مع قطر بشكل مبتذل.
ونأخذ هنا مثالين: الأوّل برنامج "مجموعة إنسان" الذي يقدمه السعودي علي العلياني على شاشة MBC. يقوم البرنامج على استقبال ضيف فني في كل حلقة، ومحاورته بشكل "مبتكر". لكن في رمضان 2019 تحوّل البرنامج إلى سلسلة أسئلة تحاول توريط الفنانين في إجابات معادية لقطر، كما حصل في الحلقة الشهيرة مع الفنان الأردني عمر العبداللات.
أما المثال الثاني، فهو قرار الفضائيات الإماراتية وقف عرض مسلسل تظهر فيه الإعلامية الأردنية علا الفارس، بعد أن تركت MBC وانضمت إلى شبكة "الجزيرة".
عامان إذاً مرّا، سقط خلالهما إعلام دول الحصار في حفرة من الابتذال يصعب جداً الصعود منها، والعودة إلى ما كانت عليه الحال قبل اندلاع الأزمة الخليجية.