06 نوفمبر 2024
في أحوال "العدالة والتنمية" المغربي
في آخر إطلالة إعلامية له، قال عبد الإله بنكيران، أول رئيس حكومة إسلامي في المغرب (2011 - 2016)، والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية في المغرب، إن عودة الصور المأساوية لشباب مغاربة، وهم يلقون بأنفسهم في لُجج البَحْرِ الأبيض المتوسط، دليل واضح على فشل السياسات العمومية، وعلى "فشلنا جميعا"، قبل أن يضيف أن هذه المظاهر تطرح أسئلة حارقة بشأن فشل النموذج الاقتصادي المغربي، واستشراء اقتصاد الريع، وسؤال الحكامة والتدبير وعلاقة المال بالسلطة.
وكان رئيس الحكومة المغربية السابق يشير إلى صور وفيديوهات انتشرت أخيرا بشكل واسع، على المواقع الاجتماعية، لشباب مغاربة يصوّرون أنفسهم، وهم يغادرون بلادهم عبر مراكب صغيرة ومهترئة في اتجاه الشواطئ الإسبانية، وصور أخرى أكثر مأساويةً لجثث من لفظهم البحر من ضحايا هذه الهجرة، ذكّرت المغاربة بسنوات التسعينات، عندما اشتهرت ظاهرة "قوارب الموت"، وهو التعبير الذي أطلقه الإعلام لوصف القوارب الصغيرة التي كانت تحمل مهاجرين مغاربة إلى أوروبا، لكن أغلبها كان ينتهي ركابه إلى طعام سائغ لسمك مضيق جبل الطارق الذي وصف مرةً بأنه أكبر مقبرة للمهاجرين.
أعاد كلام بنكيران عن الظاهرة التي قال إنها أثارت في نفسه جرحا عميقا التذكير بجرح تلك
السنوات التي ما زال مغاربةٌ كثيرون يستعيدونها بمرارة وحزن. وهو إلى حد بعيد صادقٌ في وصف الجرح والألم الذي يشعر به مما زال يحسّ به غائرا في جسده، لكن مع فارق كبير، وهو أن بنكيران قضى خمس سنوات ونيفا رئيسا فعليا للحكومة، وبالتالي فهو، إلى حد كبير، مسؤولٌ عن الوضع الذي قال إنه مؤشّر على "فشل السياسات العمومية"! فبوصفه رئيس حكومة سابقا، يعتبر مسؤولا عن السياسات العمومية التي أدّت إلى الوضع الذي يصفه اليوم بالجرح الغائر الذي يوخز ضميره.
مع الأسف، بنكيران، الذي يقول اليوم إن مشهد الشباب المغاربة، وهم يلقون أنفسهم في عمق البحر، دليل عن فشل السياسات العمومية، كان هو نفسه المسؤول عن صياغتها خمس سنوات. وبنكيران الذي يعتبر هجرة شريحة من المغاربة بهذه الطريقة تعبيرا عن أسلوب جديد من الاحتجاج، بعد أن تم قمع احتجاجهم في شوارع المدن والقرى المغربية وأزقتها، هو نفسه الذي أقرّ وبرّر سياسات القمع والمنع التي كانت تطاول كل احتجاج شعبي، ووقف أمام البرلمان مدافعا عن القمع ومبرّرا اللجوء إليه! وبنكيران الذي يحمّل سياسات الريع والفساد وزواج السلطة والمال مسؤولية الوضع الذي أدى بمغاربةٍ إلى هجرة بلادهم هو نفسه من سنّ سياسات لا شعبية عندما كان رئيسا للحكومة، وهو الشخص نفسه الذي صرّح مرة عندما سئل عن كيف سيحارب الفساد بأن سياسته هي "عفا الله عما سلف".
قبيل تصريح بنكيران الذي اعتبره بعضهم مثل "عودة ضمير" متأخرة، صرّح أحد أعضاء حزبه، وهو عضو في الحكومة الحالية التي يقودها الحزب نفسه وناطق باسمها، مستنكرا هجرة الشباب المغاربة إلى الضفة الأخرى، إن المغرب "يوفر فرص شغل هائلة"، متسائلا عن سبب هجرة الشباب المغاربة من بلدهم، ما أثار عليه موجة انتقادات وسخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي. وللتذكير فقط، فالوزير "الإسلامي" الذي يتحدث اليوم عن وجود "فرص شغل هائلة" يوفرها الاقتصاد المغربي كان هو نفسه ضحية للبطالة نفسها التي يعاني منها شباب اليوم قبل ست سنوات فقط، أي قبل تولي حزبه تدبير الشأن العام، لولا انتماؤه للحزب الذي وفر له آنذاك "منصبا نضاليا" على رأس صحيفته التي كانت تعيش آخر أيام إفلاسها قبل إغلاقها نهائيا بعد أن تولّى الحزب قيادة الحكومة.
هذه "الازدواجية" في خطاب حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة في المغرب منذ عام 2011، من دون أن يحكم فعليا، هي التي حوّلت الحزب الذي راهن عليه ناخبون مغاربة
كثيرون في انتخابات أعوام 2011 و2015 و2016، إلى رقم عادي داخل المعادلة السياسية والحزبية المغربية، لا يختلف عمّن سبقوه من الأحزاب السياسية التي لم يكن يشغلها سوى تنصيب "مناضليها" في مواقع رسمية، ونيل "حصّتها" من ريع المال العام.
في ظرف ست سنوات، تحول "العدالة والتنمية" الذي كان يعتبره كثيرون من أنصاره والمتعاطفين معه بأنه "الحزب المخلص" و"فرصتهم" الأخيرة لإنقاذ البلاد، إلى أداة للتبرير والقمع، وتحول بعض أعضائه، خصوصا ممن تولّوا مناصب في إدارة الشأن العام، إلى حماة للفساد ومدافعين عن المفسدين، فشتان ما بين خطاب الحزب عندما كان في المعارضة التي التحق بصفوفها متأخرا وخطاب أعضائه اليوم في الحكومة وفي مواقع المسؤولية العمومية الذين تحوّل أغلبهم إلى محامين عن الفساد والاستبداد أو مبرّرين لسياساته ونتائجها الكارثية على البلاد والعباد..
ما يعيشه اليوم حزب العدالة والتنمية هو بداية نهاية مأساوية لحزبٍ حمل معه آمال طبقات كثيرة مقهورة في المغرب، لكنه سرعان ما خيب ظنها به، عندما تولّى مناصب المسؤولية، وتحول أعضاؤه إلى حماة للمفسدين، فيما كان ينتظر منه أن يحوّل أصوات ناخبيه إلى فرصة لمحاربة الفساد، كما كان يقول شعاره الانتخابي "صوتك فرصتك لمحاربة الفساد"، قبل أن يتحوّل الشعار نفسه إلى: صوتك فرصتنا لتبيان مدى دفاعنا عن الفساد والمفسدين وتبرير أفعالهم.
وكان رئيس الحكومة المغربية السابق يشير إلى صور وفيديوهات انتشرت أخيرا بشكل واسع، على المواقع الاجتماعية، لشباب مغاربة يصوّرون أنفسهم، وهم يغادرون بلادهم عبر مراكب صغيرة ومهترئة في اتجاه الشواطئ الإسبانية، وصور أخرى أكثر مأساويةً لجثث من لفظهم البحر من ضحايا هذه الهجرة، ذكّرت المغاربة بسنوات التسعينات، عندما اشتهرت ظاهرة "قوارب الموت"، وهو التعبير الذي أطلقه الإعلام لوصف القوارب الصغيرة التي كانت تحمل مهاجرين مغاربة إلى أوروبا، لكن أغلبها كان ينتهي ركابه إلى طعام سائغ لسمك مضيق جبل الطارق الذي وصف مرةً بأنه أكبر مقبرة للمهاجرين.
أعاد كلام بنكيران عن الظاهرة التي قال إنها أثارت في نفسه جرحا عميقا التذكير بجرح تلك
مع الأسف، بنكيران، الذي يقول اليوم إن مشهد الشباب المغاربة، وهم يلقون أنفسهم في عمق البحر، دليل عن فشل السياسات العمومية، كان هو نفسه المسؤول عن صياغتها خمس سنوات. وبنكيران الذي يعتبر هجرة شريحة من المغاربة بهذه الطريقة تعبيرا عن أسلوب جديد من الاحتجاج، بعد أن تم قمع احتجاجهم في شوارع المدن والقرى المغربية وأزقتها، هو نفسه الذي أقرّ وبرّر سياسات القمع والمنع التي كانت تطاول كل احتجاج شعبي، ووقف أمام البرلمان مدافعا عن القمع ومبرّرا اللجوء إليه! وبنكيران الذي يحمّل سياسات الريع والفساد وزواج السلطة والمال مسؤولية الوضع الذي أدى بمغاربةٍ إلى هجرة بلادهم هو نفسه من سنّ سياسات لا شعبية عندما كان رئيسا للحكومة، وهو الشخص نفسه الذي صرّح مرة عندما سئل عن كيف سيحارب الفساد بأن سياسته هي "عفا الله عما سلف".
قبيل تصريح بنكيران الذي اعتبره بعضهم مثل "عودة ضمير" متأخرة، صرّح أحد أعضاء حزبه، وهو عضو في الحكومة الحالية التي يقودها الحزب نفسه وناطق باسمها، مستنكرا هجرة الشباب المغاربة إلى الضفة الأخرى، إن المغرب "يوفر فرص شغل هائلة"، متسائلا عن سبب هجرة الشباب المغاربة من بلدهم، ما أثار عليه موجة انتقادات وسخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي. وللتذكير فقط، فالوزير "الإسلامي" الذي يتحدث اليوم عن وجود "فرص شغل هائلة" يوفرها الاقتصاد المغربي كان هو نفسه ضحية للبطالة نفسها التي يعاني منها شباب اليوم قبل ست سنوات فقط، أي قبل تولي حزبه تدبير الشأن العام، لولا انتماؤه للحزب الذي وفر له آنذاك "منصبا نضاليا" على رأس صحيفته التي كانت تعيش آخر أيام إفلاسها قبل إغلاقها نهائيا بعد أن تولّى الحزب قيادة الحكومة.
هذه "الازدواجية" في خطاب حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة في المغرب منذ عام 2011، من دون أن يحكم فعليا، هي التي حوّلت الحزب الذي راهن عليه ناخبون مغاربة
في ظرف ست سنوات، تحول "العدالة والتنمية" الذي كان يعتبره كثيرون من أنصاره والمتعاطفين معه بأنه "الحزب المخلص" و"فرصتهم" الأخيرة لإنقاذ البلاد، إلى أداة للتبرير والقمع، وتحول بعض أعضائه، خصوصا ممن تولّوا مناصب في إدارة الشأن العام، إلى حماة للفساد ومدافعين عن المفسدين، فشتان ما بين خطاب الحزب عندما كان في المعارضة التي التحق بصفوفها متأخرا وخطاب أعضائه اليوم في الحكومة وفي مواقع المسؤولية العمومية الذين تحوّل أغلبهم إلى محامين عن الفساد والاستبداد أو مبرّرين لسياساته ونتائجها الكارثية على البلاد والعباد..
ما يعيشه اليوم حزب العدالة والتنمية هو بداية نهاية مأساوية لحزبٍ حمل معه آمال طبقات كثيرة مقهورة في المغرب، لكنه سرعان ما خيب ظنها به، عندما تولّى مناصب المسؤولية، وتحول أعضاؤه إلى حماة للمفسدين، فيما كان ينتظر منه أن يحوّل أصوات ناخبيه إلى فرصة لمحاربة الفساد، كما كان يقول شعاره الانتخابي "صوتك فرصتك لمحاربة الفساد"، قبل أن يتحوّل الشعار نفسه إلى: صوتك فرصتنا لتبيان مدى دفاعنا عن الفساد والمفسدين وتبرير أفعالهم.