31 أكتوبر 2024
في أجواء انتخابات 7 أكتوبر المغربية
يوحي الخطاب السياسي الذي تتداوله الأحزاب السياسية المغربية، أسابيع قبل حلول الانتخابات التشريعية، في 7 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بأن كل شيء بات جاهزاً ومرتباً بعناية، لضمان إجراء انتخابات شفافة ونزيهة، ومغايرة تماماً لكل الاستحقاقات الماضية، فالضمانات المعنوية والسياسية، تم الالتزام بها على مستوى رفيع في هرم السلطة، والأدوات القانونية والتنظيمية والإمكانات المالية واللوجستية الضرورية لهذا الاستحقاق تم توفيرها. وعلى الجبهة الإعلامية، عمدت السلطات المغربية إلى إعلان حالة استنفار في التلفزات والإذاعات العمومية، بهدف الرفع من نسبة المشاركة، وضمان حق كل الأحزاب في تسويق برامجها ومرشحيها تحت مراقبة الهيئة العليا للإعلام السمعي - البصري.
تترجم هذه الأجواء، السيكولوجية العامة التي باتت تكتنف الأحزاب، والمتمثلة في الانكباب على ترتيب شؤونها الداخلية، وتمنيع مقوماتها التنظيمية، واختيار اللغة الملائمة لمخاطبة الزبائن السياسيين المفترضين. وكذلك البحث عن حلفاء محتملين ومقربين لتجنب أي خسارة سياسية، قد تلوح في الأفق. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة وإلحاح، هو هل قرّرت الأحزاب الدخول إلى الانتخابات المقبلة بعقلية جديدةٍ متمردة على التقاليد الانتخابية السابقة، والتي أفرزت برلماناتٍ مزورة، كما كان يتفق على ذلك أغلب الفاعلين السياسيين، أم أن القطيعة مع الماضي غير ممكنة، بحكم طبيعة الممارسات السياسية السائدة في صفوف عدد من الأحزاب؟
يبدو أن من الصعوبة بمكان الجزم بأن ثورةً مفاجئة ستمسّ التشكيلات الحزبية، وسترغمها على التأقلم مع المعطيات الجديدة التي تميز النسيج الاجتماعي المغربي حالياً، خصوصاً في ظل ازدهار شبكات التواصل الاجتماعي وهيمنتها، وفي ظل وجود فضاءاتٍ بديلةٍ لمقرات الأحزاب التقليدية، كما أنه من المستحيل أن نتصوّر حدوث دينامية فكرية وأخلاقية داخل مجموعةٍ من التنظيمات، لأنها تفتقر لأسس هذه الدينامية ومقتضياتها، الشيء الذي يقلص مساحة التفاؤل العريض الذي يسوّق حزبياً وإعلامياً حيال نزاهة الانتخابات.
إذا أصبحت الشفافية المفتاح السحري للديمقراطية، يتعيّن على جزءٍ كبير من الأحزاب أن تدلي بالأرقام الحقيقية لمنخرطيها الذين من المفروض أنهم النواة الصلبة لوجودها في الحقل السياسي. لكن، يظهر أن القاعدة في المغرب مغايرةٌ تماما، فلكل الأحزاب منخرطوها وقواعدها، وإن لم تمض على ولادتها أيام، ولا قيمة هنا لعدد الأعوام والعقود والخبرة التنظيمية والمرجعية السياسية والتراكمات الثقافية والاختيارات الإيديولوجية.
الأحزاب، كما هو معروف في الأدبيات السياسية، هي تجسيد للجغرافيا الاجتماعية، وهي، في الآن نفسه، فضاءات حرّة لنقاش مسؤول بشأن توجهاتٍ معينةٍ، تشمل كل المجالات، وهي (الأحزاب) ضرورية، بغض النظر عن أخطائها وهفواتها، لأنه لا يمكن للديمقراطية أن تشتغل جيداً بدونها، بل هي العمود الفقري للديمقراطية. وإذا كان الأمر كذلك، فإن على أي حزب يحترم أبسط المبادئ الديمقراطية والأخلاق السياسية أن يكون منسجماً مع الواقع الاجتماعي والسياسي، وعاكساً نبض هذا الواقع وتحولاته، حتى لا يتحوّل إلى عائقٍ في وجه التطور الديمقراطي، وحتى لا يصير مجرد ديكور باهتٍ في المسرح السياسي. وهذا ما يحتم اعتماد صيغٍ بديلة في العمل السياسي، عوض المراهنة على الأوهام، والحنين إلى ممارساتٍ تنتج التخلف السياسي، وتصادر الإرادة الشعبية بأساليب غير أخلاقية، مكانها الطبيعي مزبلة التاريخ.
أكيدٌ أن الناخب يشكل المعيار المناسب للحكم على القاعدة الاجتماعية لحزبٍ ما، كما أن هذا الناخب هو الذي يصنع الحزب في الديمقراطيات التمثيلية، ويمنحه الحياة ويمكّنه من الوصول إلى السلطة، حتى وإن كان غير ملتصقٍ به، أو منخرطٍ في أحد تنظيماته، بيد أن هذا الناخب هو كتلة من القناعات والمشاعر والأفكار والانفعالات، وقد يختار أسلوباً عقابياً وانتقامياً في أثناء الاقتراع، عندما تفشل البرامج والمشاريع المقترحة من الأحزاب في الاستجابة لطموحاته وأهدافه، وهذا ما يفسر أن أزمة الأحزاب في علاقتها مع المواطنين، في المحصلة النهائية، هي عدم تأقلمها مع حاجيات المجتمع الذي يعيش تحولاتٍ عميقة، ويتطلع إلى إصلاحاتٍ ملموسةٍ، وقطائع جذرية مع وعود السياسة السياسوية وديماغوجيتها، وهي السياسة التي تخضع لحساباتٍ تكتيكيةٍ تمليها المصالح المباشرة والانتخابوية للأحزاب، أكثر ما تفرضها استراتيجية طويلة المدى، تتطلبها حاجيات المجتمع وانتظاراته.
إذا كنا نعي أن الانتخابات ليست ملكية للأحزاب، تتصرّف فيها كما تشاء، وتفسر أهدافها كما تريد، فمن الضروري أن تتعاطى هذه الأحزاب مع الانتخابات من منظور وطني سليم، يجعل منها حلقةً أساسيةً في الصيرورة السياسية، وفي الوقت نفسه، خطوة طبيعية وعادية، لتحقيق البناء الديمقراطي وتجسيد شعار دولة الحق والقانون. وأي تعامل خارج هذا المنظور لا يمكن أن يكون إلا نقيضاً للديمقراطية، لأنه، ببساطة، سيفضي إلى سلوكاتٍ مشبوهة وملتبسة، لن تساهم في شيء، سوى في إشاعة البلبلة والتشويش على قناعات المواطنين، وتحريضهم على النفور من العمل السياسي والاشمئزاز منه.
ربما يتصف هذا الكلام ببعض القسوة، لكنه قطعة من الواقع السياسي المستفز، خصوصاً في خضم انتعاش ما يمكن تسميتها ثقافة الإرهاب الانتخابي والفكري الذي يعشّش في أذهان ناشطين سياسيين، لا يفرقون بين مستلزمات الممارسة الديمقراطية ومتطلبات العملية الانتخابية، حيث يريدون أن تتحول هذه العملية إلى قيامة حقيقية، تلغى فيها كل أوجه الحياة، وتصبح فيها وسائل الإعلام العمومي، وخصوصاً التلفزيون، بوقا للدعاية الانتخابية، وتشتغل من دون كلل أو ملل، وعلى مدار الساعة. وينسى هؤلاء أن للمجتمع حقوقاً، لا يمكن القفز فوقها أو طمسها، بسببٍ أو بدون سبب، ما يفيد عدم حرمانه من مساحاتٍ تمكّنه من مناقشة مشكلاته، وتقريبه من جملة من القضايا الوطنية والإقليمية والدولية، عوض اعتقاله في زنزانة لغةٍ خشبيةٍ نفعيةٍ ومؤقتة. وفي التجارب الديمقراطية الحقيقية، ليس هناك من يفكّر بهذه الكيفية المناهضة لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالحملات الانتخابية تنظم، والبرامج الحزبية تعرض، والمنافسة تحتد. وفي أثناء ذلك كله، تحافظ الحياة على وتيرتها العادية، ولا تتعرّض برامج التلفزيون للارتباك بسبب الانتخابات. وفي أقصي الحالات، يتم تكييف بعضها مع اللحظة الانتخابية، في جو من المهنية والاستقلالية والنزاهة.
تترجم هذه الأجواء، السيكولوجية العامة التي باتت تكتنف الأحزاب، والمتمثلة في الانكباب على ترتيب شؤونها الداخلية، وتمنيع مقوماتها التنظيمية، واختيار اللغة الملائمة لمخاطبة الزبائن السياسيين المفترضين. وكذلك البحث عن حلفاء محتملين ومقربين لتجنب أي خسارة سياسية، قد تلوح في الأفق. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة وإلحاح، هو هل قرّرت الأحزاب الدخول إلى الانتخابات المقبلة بعقلية جديدةٍ متمردة على التقاليد الانتخابية السابقة، والتي أفرزت برلماناتٍ مزورة، كما كان يتفق على ذلك أغلب الفاعلين السياسيين، أم أن القطيعة مع الماضي غير ممكنة، بحكم طبيعة الممارسات السياسية السائدة في صفوف عدد من الأحزاب؟
يبدو أن من الصعوبة بمكان الجزم بأن ثورةً مفاجئة ستمسّ التشكيلات الحزبية، وسترغمها على التأقلم مع المعطيات الجديدة التي تميز النسيج الاجتماعي المغربي حالياً، خصوصاً في ظل ازدهار شبكات التواصل الاجتماعي وهيمنتها، وفي ظل وجود فضاءاتٍ بديلةٍ لمقرات الأحزاب التقليدية، كما أنه من المستحيل أن نتصوّر حدوث دينامية فكرية وأخلاقية داخل مجموعةٍ من التنظيمات، لأنها تفتقر لأسس هذه الدينامية ومقتضياتها، الشيء الذي يقلص مساحة التفاؤل العريض الذي يسوّق حزبياً وإعلامياً حيال نزاهة الانتخابات.
إذا أصبحت الشفافية المفتاح السحري للديمقراطية، يتعيّن على جزءٍ كبير من الأحزاب أن تدلي بالأرقام الحقيقية لمنخرطيها الذين من المفروض أنهم النواة الصلبة لوجودها في الحقل السياسي. لكن، يظهر أن القاعدة في المغرب مغايرةٌ تماما، فلكل الأحزاب منخرطوها وقواعدها، وإن لم تمض على ولادتها أيام، ولا قيمة هنا لعدد الأعوام والعقود والخبرة التنظيمية والمرجعية السياسية والتراكمات الثقافية والاختيارات الإيديولوجية.
الأحزاب، كما هو معروف في الأدبيات السياسية، هي تجسيد للجغرافيا الاجتماعية، وهي، في الآن نفسه، فضاءات حرّة لنقاش مسؤول بشأن توجهاتٍ معينةٍ، تشمل كل المجالات، وهي (الأحزاب) ضرورية، بغض النظر عن أخطائها وهفواتها، لأنه لا يمكن للديمقراطية أن تشتغل جيداً بدونها، بل هي العمود الفقري للديمقراطية. وإذا كان الأمر كذلك، فإن على أي حزب يحترم أبسط المبادئ الديمقراطية والأخلاق السياسية أن يكون منسجماً مع الواقع الاجتماعي والسياسي، وعاكساً نبض هذا الواقع وتحولاته، حتى لا يتحوّل إلى عائقٍ في وجه التطور الديمقراطي، وحتى لا يصير مجرد ديكور باهتٍ في المسرح السياسي. وهذا ما يحتم اعتماد صيغٍ بديلة في العمل السياسي، عوض المراهنة على الأوهام، والحنين إلى ممارساتٍ تنتج التخلف السياسي، وتصادر الإرادة الشعبية بأساليب غير أخلاقية، مكانها الطبيعي مزبلة التاريخ.
أكيدٌ أن الناخب يشكل المعيار المناسب للحكم على القاعدة الاجتماعية لحزبٍ ما، كما أن هذا الناخب هو الذي يصنع الحزب في الديمقراطيات التمثيلية، ويمنحه الحياة ويمكّنه من الوصول إلى السلطة، حتى وإن كان غير ملتصقٍ به، أو منخرطٍ في أحد تنظيماته، بيد أن هذا الناخب هو كتلة من القناعات والمشاعر والأفكار والانفعالات، وقد يختار أسلوباً عقابياً وانتقامياً في أثناء الاقتراع، عندما تفشل البرامج والمشاريع المقترحة من الأحزاب في الاستجابة لطموحاته وأهدافه، وهذا ما يفسر أن أزمة الأحزاب في علاقتها مع المواطنين، في المحصلة النهائية، هي عدم تأقلمها مع حاجيات المجتمع الذي يعيش تحولاتٍ عميقة، ويتطلع إلى إصلاحاتٍ ملموسةٍ، وقطائع جذرية مع وعود السياسة السياسوية وديماغوجيتها، وهي السياسة التي تخضع لحساباتٍ تكتيكيةٍ تمليها المصالح المباشرة والانتخابوية للأحزاب، أكثر ما تفرضها استراتيجية طويلة المدى، تتطلبها حاجيات المجتمع وانتظاراته.
إذا كنا نعي أن الانتخابات ليست ملكية للأحزاب، تتصرّف فيها كما تشاء، وتفسر أهدافها كما تريد، فمن الضروري أن تتعاطى هذه الأحزاب مع الانتخابات من منظور وطني سليم، يجعل منها حلقةً أساسيةً في الصيرورة السياسية، وفي الوقت نفسه، خطوة طبيعية وعادية، لتحقيق البناء الديمقراطي وتجسيد شعار دولة الحق والقانون. وأي تعامل خارج هذا المنظور لا يمكن أن يكون إلا نقيضاً للديمقراطية، لأنه، ببساطة، سيفضي إلى سلوكاتٍ مشبوهة وملتبسة، لن تساهم في شيء، سوى في إشاعة البلبلة والتشويش على قناعات المواطنين، وتحريضهم على النفور من العمل السياسي والاشمئزاز منه.
ربما يتصف هذا الكلام ببعض القسوة، لكنه قطعة من الواقع السياسي المستفز، خصوصاً في خضم انتعاش ما يمكن تسميتها ثقافة الإرهاب الانتخابي والفكري الذي يعشّش في أذهان ناشطين سياسيين، لا يفرقون بين مستلزمات الممارسة الديمقراطية ومتطلبات العملية الانتخابية، حيث يريدون أن تتحول هذه العملية إلى قيامة حقيقية، تلغى فيها كل أوجه الحياة، وتصبح فيها وسائل الإعلام العمومي، وخصوصاً التلفزيون، بوقا للدعاية الانتخابية، وتشتغل من دون كلل أو ملل، وعلى مدار الساعة. وينسى هؤلاء أن للمجتمع حقوقاً، لا يمكن القفز فوقها أو طمسها، بسببٍ أو بدون سبب، ما يفيد عدم حرمانه من مساحاتٍ تمكّنه من مناقشة مشكلاته، وتقريبه من جملة من القضايا الوطنية والإقليمية والدولية، عوض اعتقاله في زنزانة لغةٍ خشبيةٍ نفعيةٍ ومؤقتة. وفي التجارب الديمقراطية الحقيقية، ليس هناك من يفكّر بهذه الكيفية المناهضة لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالحملات الانتخابية تنظم، والبرامج الحزبية تعرض، والمنافسة تحتد. وفي أثناء ذلك كله، تحافظ الحياة على وتيرتها العادية، ولا تتعرّض برامج التلفزيون للارتباك بسبب الانتخابات. وفي أقصي الحالات، يتم تكييف بعضها مع اللحظة الانتخابية، في جو من المهنية والاستقلالية والنزاهة.