فيلم "حملة فرعون": لا أحد يتعلّم

14 يونيو 2019
عمرو سعد: بطولات فارغة (فيسبوك)
+ الخط -
منذ "الساموراي السبعة" (1954)، للياباني أكيرا كوراساوا، اقتُبست القصة نفسها مرارًا، بلغات عديدة، وأُعيد تقديمها بمعالجات مختلفة. يمكن إرجاع تلك الشعبية إلى سببين رئيسيين: أولاً، هذه حبكة عالمية ومَرنة، عن حرب الخير في مقابل الشرّ، في صراعٍ على مكان؛ وثانيًا، أنّ فيها 7 شخصيات، تختلف إحداها عن الأخرى في طباعها وإمكاناتها، ومع هذا تتّحد معًا في فريق واحد. 

النسخة المصرية لهذه القصة تتمثّل في "شمس الزناتي" (1991) لسمير سيف. اقتباس فائق الجودة، إنْ في اختيار المكان واللحظة الزمنية، كواحة صحراوية تعتدي عليها عصابة جنود مرتزقة، أثناء الحرب العالمية الثانية؛ أو في اختيار شخصيات أيقونية، مصرية الطابع، للأبطال السبعة، المكلّفين بمهمّة الدفاع عن الواحة. أبطال سبعة يتذكّرهم محبّو السينما المصرية بأسمائهم.

بعد نحو 3 عقود، يُنتَج "حملة فرعون" (2019) لرؤوف عبد العزيز. اقتباس جديد لـ"الساموراي السبعة"، لكن بنسخة سيئة، إلى درجة اليقين بأن صنّاعه لم يتعلموا شيئًا من الأصل، ولا يعرفون أماكن تميّز تلك الحبكة، ولا يُدركون أنّ الأمر ليس مجرّد مَشَاهد قتالية فارغة المعنى.

في الاقتباسات كلّها، يكون "المكان" جوهر الصراع. ساموراي أو رعاة بقر (في نسخة أميركية) يدافعون عن قرية، و7 أصدقاء يواجهون المعتدي لأجل أهل الواحة. صلتهم بالمكان وارتباطهم به يُغيّران طبائعهم وشخصياتهم، مع مرور الوقت، ويجعل موت بعضهم في النهاية بطولة مؤثّرة لا تُنسى. في "حملة فرعون"، لا يوجد مكان للدفاع عنه، بل محاولة البطل يحيى فرعون (عمرو سعد)، ذي التاريخ الإجرامي، أنْ يجمع أصدقاءه لاستعادة ابنه المخطوف في سورية.

بعيدًا عن الفراغات الموجودة في القصّة، وعدم معرفة سبب ذهاب أمّ المخطوف إلى سورية، أو طبيعة العصابة الخاطِفة ومطالبها، ولماذا هي مستقرّة في ذاك المكان؛ هناك أيضًا اقتصار المهمّة على استعادة الابن، ما يُفرِّغ الشخصيات من مضمونها وتفاعلها مع المكان، وتغيّرها مع تطوّر الحبكة، وهذا كلّه لا يُعطي معنى أو أثرًا لتضحية شخصيات كثيرة وموتها، والتضحية والموت يكونان من أجل دافعٍ فرديّ جدًا، إنقاذًا لفردٍ واحد.


الأمر الآخر متعلّق بالزمن، وبأثره في شكل الحرب الدائرة. في "الساموراي"، يُخَاض القتال بالسيوف. في النسخة الأميركية، هناك الغرب الأميركي وأدواته المتمثّلة في البنادق القديمة والأحصنة. في "شمس الزناتي"، تمّ نقل فترة الأحداث إلى الحرب العالمية الثانية، ما جعل القوّة بين الأطراف المتنازعة متقاربة، فيُصبح استخدام السكاكين أو الديناميت أو البنادق مُبرَّرا ومُفيدا ومفهوما. أما في "حملة فرعون"، فالزمن هو الآن، بالتقدّم كلّه في تقنيات المراقبة والأسلحة. لكن هذا غير مؤثّر أبدًا في نظر صنّاعه، غير المهتمّين بكيفية تقرير 7 أشخاص السفر من مصر إلى سورية، وخوض حرب واسعة ومسلّحة مع عصابة، من دون وعي أو سياق تاريخي أو سياسي مُقنع، ومن دون أثر للزمن على إمكانيات الأفراد. فما هي فائدة أن يبرع أحد أفراد المهمة في استخدام السكاكين مثلاً؟ أو أن يكون آخر قويًا بدنيًا؟ أو أنْ تعمل ثالثة في سيرك؟ أو أن يُجيد رابعٌ رياضة الـ"باركور"؟ تفاصيل وفوارق غير مهمّة أبدًا في حربٍ مسلّحة.

هذا يؤدّي إلى ثالث أكبر كوارث "حملة فرعون": الشخصيات، فهي منزوعة من أيّ سياق، ولا يُعرف عن أيّ واحد منهم شيء مهم. حتّى فرعون، لا يُقدِّم الفيلم طبيعةَ عمله الإجرامي، ولا سبب سجنه. هذا ينطبق على أفراد مجموعته جميعهم، وصولاً إلى الخصم الأساسي فرانك، الذي اكتفى صنّاع الفيلم بأن يؤدّيه هابفور يوليوس بيورنسن، المعروف بشخصية "ذا ماونتن" في Game Of Thrones، إذْ اعتقدوا، على الأرجح، أنّ الخطوة الدعائية هذه ستكون مُبهرة كفاية، إلى درجة الاستغناء عن أسئلة بديهية، كمعرفة الهدف من اختياره، وسبب خطفه ابن يحيى، واستيلائه على القرية، والجهات التي يتعامل معها. وأيضًا: لماذا أبقى على ريك (مايك تايسون) بعد القبض عليه منذ البداية؟ ريك مرتزق تائب منزوع الصلة والسياق بأي شيء، بينما مشاركة تايسون خطوة دعائية فارغة، هي الأخرى، لم تؤدِّ إلى نتيجة تجارية جيدة، بحسب الإيرادات المتوسطة للفيلم، في فترة عيد الفطر.

لا إجابات أو تفسيرات. لا يوجد مكان أو زمان مناسبان. حتّى أبسط الجوانب مضمونة النجاح في القصّة. استخدام الإمكانيات المختلفة لأفراد الفريق في المعركة لم تُستَغَلّ، فإذا بمَشاهد الـ"أكشن" مُحمّلة بفوضى وقطعات سريعة وقتالات يدوية غير مفهومة، وبموت فارغ من دون أي أثر عاطفي لشخصيات مسطّحة وكاريكاتورية، لا يُعرف عنها أيّ شيء.
المساهمون