فيتو أميركي ضد فتح جبهة درعا... لا يطمئن السوريين

27 مايو 2018
تتأهّب فصائل المعارضة بدرعا لخوض معركتين محتملتين (فرانس برس)
+ الخط -
قطع التحذير الأميركي العلني والصريح للنظام السوري من عواقب خرق اتفاق "خفض التصعيد" في الجنوب السوري، الشكّ باليقين، لناحية وجود التزام أميركي حقيقي بالحفاظ على حالة الهدوء النسبي في هذه المنطقة القريبة من حدود أبرز حليفين لأميركا في المنطقة: إسرائيل والأردن. ويبدو أن هذا الفيتو الأميركي سيتواصل في انتظار التسوية النهائية بين النظام والمعارضة، ولو أنّ هذا التحذير لم يكن كافياً لطمأنة بعض أوساط المجتمع المحلي في الجنوب السوري. وترى هذه الأوساط أنّ الولايات المتحدة في عهد الإدارة الحالية، باتت معروفة بتبديل مواقفها وعدم مبالاتها كثيراً بمثل هذه الالتزامات، في حين أن روسيا تعمل على استراتيجية ثابتة وطويلة الأمد في دعم نظام بشار الأسد وتمكينه خطوة خطوة من السيطرة على مجمل البلاد.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر ناورت، في بيان، في وقت متأخر من يوم الجمعة، إنّ واشنطن "ستتخذ إجراءات حازمة ومناسبة رداً على انتهاكات نظام الأسد، بوصفها ضامناً لمنطقة عدم التصعيد في الجنوب السوري مع روسيا والأردن"، محذّرة النظام من "توسيع نطاق الصراع أو تهديد الهدنة القائمة". وأشار البيان الأميركي إلى مسؤولية روسيا بوصفها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، "في استخدام ميزاتها الدبلوماسية والعسكرية للضغط على نظام الأسد، لإجباره على وقف المزيد من الهجمات العسكرية".

ودخلت محافظة درعا ضمن مناطق "خفض التصعيد"، بعد الاتفاق الموقّع بين روسيا والولايات المتحدة والأردن، في تموز/ يوليو 2017، على الرغم من أنّ تفاصيل كثيرة حول آليات تطبيق هذا الاتفاق ما زالت غامضة حتى الآن. وجاء التحذير الأميركي الأخير بعد تداول أنباء في الفترة الأخيرة عن أن النظام السوري يحشد لمعركة حاسمة في الجنوب بدرعا والقنيطرة ضد فصائل المعارضة، بعد أن أكمل فرض سيطرته على كامل محيط دمشق والغوطتين. وترددت معلومات عن توجيه النظام تعزيزات جديدة إلى محافظة درعا، بما في ذلك "قوات النمر"، المليشيا الأبرز في قوات النظام، فيما ألقت مروحيات الأخير منشورات فوق بعض مناطق محافظة درعا تحذر فيها من عملية عسكرية وشيكة، وتدعو مقاتلي المعارضة إلى إلقاء السلاح. كذلك دعت المنشورات، الموقعة باسم "القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة"، أهالي المحافظة إلى مشاركة قوات النظام في "طرد الإرهابيين".

وفي هذا السياق، أكّد قائد مليشيا "لواء القدس"، عدنان السيد، في مقطع فيديو مصوّر نشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، نية قوات النظام والمليشيات الأجنبية والمحلية الموالية لها، التوجّه إلى محافظتي القنيطرة ودرعا، بهدف "إنهاء الوجود المسلح فيهما"، حسب تعبيره.


إلى ذلك، نقلت شبكات موالية عن مصادر تابعة للنظام قولها إنّ "هذه المعركة تكتسب أهميتها كونها معركة الحدود الثالثة التي يخوضها الجيش السوري، بعد سيطرته على الحدود مع لبنان والحدود مع العراق". ويترافق ذلك، مع تسخين على الأرض، إذ تواظب قوات النظام على قصف مناطق سيطرة المعارضة، خصوصاً في مدينة درعا البلد وحي طريق السد، بينما تردّ فصائل المعارضة بقصف مواقع قوات النظام.

من جهتها، سعت روسيا إلى دعم تحركات النظام على الأرض، بالرغم من التزامات وعهود قطعتها للمعارضة خلال اجتماع أستانة الأخير، بأنها "ستحترم منطقة خفض التصعيد" في الجنوب السوري. وفي هذا السياق، لوّحت قاعدة "حميميم" الروسية بشنّ عملية عسكرية في محافظة درعا، والتخلّي عن اتفاق "خفض التصعيد" في الجنوب السوري. وقال المتحدث باسم القاعدة، أليكسندر إيفانوف، إن "انتهاء اتفاقية خفض التصعيد في مدينة درعا سيكون حتمياً في ظلّ استمرار وجود متطرفين ينتمون لتنظيمي داعش وجبهة النصرة". كذلك وجهت روسيا والنظام السوري رسالة إلى بلدات عدة في محافظة درعا، خيّرتها فيها بين "المصالحة" وتسليم السلاح، أو مواجهة الخيار العسكري.

وقالت مصادر محلية إن الرسائل التي وصلت إلى البلدات الثلاث، محجة، وأبطع وداعل، في الأيام الأخيرة، عن طريق رئيسي بلديتي محجة وأبطع، تحثّ روسيا فيها الفصائل العسكرية العاملة في البلدات على الخروج منها وتسليمها إلى قوات النظام والشرطة العسكرية الروسية، أو البقاء فيها وتسليم الأسلحة والانضمام لعملية "المصالحة"، مع التحذير من أنه في حال رفضت هذه الخيارات، سيتم اللجوء إلى الحل العسكري. أمّا إذا وافقت الفصائل على العرض، فسيبقى الأهالي في منازلهم، وتؤمّن لهم الخدمات الأساسية مثل بقية المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام. وتسيطر "حركة أحرار الشام الإسلامية" على بلدة محجة إلى جانب بعض المجموعات العسكرية الصغيرة، بينما تنتشر في بلدتي أبطع وداعل فصائل كبيرة نسبياً، مثل "جيش الثورة"، "فوج المدفعية" و"لواء الكرامة".

وكان عدد من قادة "الجيش السوري الحر" في درعا، هددوا قوات النظام بتحويل المنطقة إلى "مقبرة" لها، في حال أقدمت على شنّ عملية عسكرية ضد المنطقة. واعتبر بعضهم أن التسريبات عن حشود ومعارك حاسمة، إنّما تدخل في إطار الحرب النفسية للنظام وروسيا على المنطقة، بهدف دفع بعض البلدات لتسليم أمرها للنظام من دون قتال.

في المقابل، حذّر بعض القادة من التهاون في مواجهة ما يضمره النظام وروسيا لمحافظة درعا، ودعوا إلى انضمام الفصائل إلى غرفة "البنيان المرصوص"، كونها الأكثر كفاءة في قيادة أي معركة محتملة مع النظام، كما بيّنت التجربة السابقة. وتتمركز غرفة "البنيان المرصوص" في مدينة درعا البلد، وقد نجحت في صدّ قوات النظام، وسيطرت على معظم المنطقة خلال معارك ربيع العام الماضي.

وفي هذا الإطار، لفت القائد العسكري لـ "تجمّع توحيد الأمة" والقيادي في الجبهة الجنوبية، خالد الفراج، إلى أنّ "فصائل المعارضة لا تنتشر في منطقة جغرافية واحدة، بل تمتد في أرياف درعا الغربية والشمالية والشرقية، ما يضعف من قوة تركيزها، وهو ما قد يتيح للنظام الاستفراد ببعض المناطق وإسقاطها الواحدة تلو الأخرى عبر الحصار والقصف المركز، كما حصل في مدن وبلدات الغوطة الشرقية". وأضاف الفراج في حديث مع "العربي الجديد" أنّ المطلوب من فصائل الجنوب "توحيد خططها، وتشكيل غرفة عمليات واحدة أو اثنتين بهدف وضع خطط محكمة لمواجهة السيناريوهات المحتملة كافة التي قد يلجأ إليها النظام المدعوم من روسيا لتحقيق أهدافه غير الخافية على أحد في إحكام سيطرته على كامل محافظتي درعا والقنيطرة".

ورأى الفراج ضرورة "عدم الركون إلى المواقف الأميركية المتذبذبة حيال ما يجري في سورية"، لافتاً إلى "عدم وجود رؤية ولا عزيمة أميركية يمكن الاعتماد عليها، مقابل تصميم روسي لا لبس فيه في دعم النظام وتمكينه على الأرض وعلى المستوى الدولي".

من جانبه، قال عضو وفد المعارضة السورية إلى أستانة، أيمن العاسمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الروس تعهدوا في أستانة بألا تكون هناك عمليات عسكرية في درعا أو إدلب، لكنهم بالنسبة إلى الجنوب السوري، تحدثوا عن ضرورة فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن".

وحول عدم احترام روسيا لاتفاق "خفض التصعيد" الذي وقعت عليه في الغوطة وريف حمص الشمالي، قال العاسمي إن "الوضع في مناطق الغوطة وريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي، يختلف بعض الشيء عن إدلب وجنوب سورية، ذلك أنه في المناطق الأولى لم يكن هناك شريك خارجي للضامن الروسي، أي أنّ روسيا تولّت وحدها تفسير وتطبيق اتفاق خفض التصعيد، بينما في الحالة الثانية هناك شريك إقليمي (تركيا)، كما هو الحال في إدلب وريف حلب الغربي، أو شريك إقليمي ودولي، متمثّل في الولايات المتحدة والأردن، كما هو الحال في الجنوب السوري، وبالتالي فإن روسيا لا تستطيع تفسير الأمور على هواها في هذه الحالة"، معتبراً أنّ "التصريح الأميركي الأخير يدعم هذا الرأي".

ويقول محللون إن السيطرة على محافظة درعا مهمة جداً للنظام الذي سيتمكّن من تأمين محافظة دمشق، نظراً لقرب درعا من دمشق، بالإضافة إلى تأمين الحدود الجنوبية، وفتح معبر "نصيب" الذي لا يصل سورية ولبنان بالأردن فقط، بل بمنطقة الخليج العربي أيضاً.

ويرى النظام، ومعه روسيا، أن مناطق "خفض التصعيد" لا تعني تخلّي النظام نهائياً عن هذه المناطق، بل هو "تدبير مؤقت لتخفيف العنف والتوتر"، بحسب تعبير أحد المسؤولين الروس، فيما لا يخفي النظام رغبته في استعادة سيطرته على كل المناطق السورية.

والواقع أنّ فصائل المعارضة في المحافظة تتأهّب لخوض معركتين محتملتين في وقت واحد، الأولى مع قوات النظام ومليشياته، والثانية مع تنظيم "داعش" المنتشر في منطقة حوض اليرموك الذي يتحيّن الفرص لإنهاء الحصار عليه، والتوسّع على حساب فصائل المعارضة، بالتنسيق مع قوات النظام التي حاولت في الأيام الأخيرة إدخال عناصر من "داعش" من الذين رحلتهم من جنوب دمشق إلى منطقة حوض اليرموك، لكن فصائل المعارضة ضبطت بعضهم، بينما تمكّن آخرون من الدخول.