وتهدف التعديلات التي اقترحتها أحزاب "يسار الوسط"، إلى تقليص صلاحيات مجلس الشيوخ، وتدعيم سلطة مجلس النواب، حيث تقوم آلية عمل البرلمان حالياً (قبل التعديل) على إرسال مشاريع القوانين التي تصادق عليها الغرفة الأولى (النواب) إلى الغرفة الثانية (الشيوخ)، لكن في حال التنقيح الصادر عن الغرفة الأخيرة؛ يتم إعادة القانون من الجديد إلى نقطة الصفر، ثم يرجع مرة أخرى إلى الشيوخ، وهكذا دواليك، إلى حين أن يصادق الأخير على نسخة غير معدلة من طرفه قادمة من النواب.
ذلك الأمر راجع إلى المكانة التي يتمتّع بها مجلس الشيوخ، بصفته سلطة تشريعية تأتي في المنصب الثاني بعد رئيس الجمهورية. وهو الأمر الذي سيفتقده في حال فوز "نعم" للتعديلات الدستورية، كما سيتقلص عدد أعضائه إلى ما يناهز 220 مقعداً نيابياً.
ومن أبرز التعديلات التي جاءت بها الحكومة الإيطالية؛ الخفض من مستوى السلطات الجهوية، وتجميعها في يد الحكومة المركزية. بحيث يتم سن سياسات عمومية، على المستوى المركزي، تهم القطاعات الحيوية، كالصحة، والتعليم، والتجهيز والنقل. ويهدف التعديل إلى ترشيد النفقات العمومية، وتوزيعها بشكل متوازن.
غير أن كثيراً من الإيطاليين يرون في الأمر نوعاً من الوصاية على كل البلاد من طرف العاصمة روما، وعدم فسحها المجال للمنتخَبين في سن سياسات محلية وجهوية وفق احتياجات السكان، الذين يختارون مرشّحيهم حسب برنامج سياسي محلي.
وانقسم الحزب الديمقراطي، الذي يقود الأغلبية الحكومية، إلى فريقين: مؤيد للتعديلات الدستورية؛ ومعارض لها، وهو ما جعل رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، أمام امتحان صعب، بين مواجهة خصومه اليمينيين وأصدقائه اليساريين من الحزب نفسه، الذي يقود باسمه الحكومة الحالية.
يعاب على حكومة رينزي، من طرف خصومه، أنها لم تشرك باقي الفعاليات السياسية في البلاد في تعديلات دستورية حاسمة شملت 47 فصلاً، وهو ما جعل الحكومة تتعرض لحملة شرسة من طرف الخصوم السياسيين لرئيس الحكومة، سواء من حزبه أو من اليمين.
في هذا السياق، يقول إيكور كزيلا، وهو ناشط سياسي في الحزب الديمقراطي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "من غير اللائق أن أصوّت على مقترح رينتزي فقط لأنه من حزبي، الاستفتاء يهمّ البلد لا الحزب، وإني أرى فيه كثيراً من المحاذير، في مقدمتها الفصل 70 المقترح للتعديل، والذي صيغ بطريقة مبهمة لا تظهر جلياً طريقة انتخاب مجلس الشيوخ".
وتتّفق الناشطة الحقوقية كارلا كوتاردي مع هذا الطرح، قائلة في حديثها لـ"العربي الجديد": "من سيضمن لنا غداً في بلدنا إيطاليا أننا لن نكون أمام نموذج لحكم ديكتاتوري؛ إذا ما قدِم رجل غير ديمقراطي. اليوم رينزي يؤمن بالديمقراطية، لكن الضامن لصيانة الديمقراطية هو الدستور، وليس الأشخاص، لأن الإنسان بطبيعته متغير".
وترى كوتاردي أن "الناس يجب أن يصوتوا بحرية دون ضغط. لن تكون هناك أية عواقب، خلافاً لما يدعيه رئيس الوزراء، والذي يهدد في حالة فوز لا بعدم الاستقرار السياسي".
وكان رينتزي، خلال نداءاته عبر وسائل الإعلام للتصويت بـ"نعم"، يحث المواطنين على ألّا يمارسوا تصويتاً انتخابياً ضد اسمه، لتعطيل التعديل، ومن ثم يضطر لتقديم استقالته، وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها.
من جانبه، يقول سيموني بيانكو (يساري راديكالي): "دأبت على عدم التصويت في الانتخابات المحلية أو البرلمانية، لكن لا يمكن أن أغيّب صوتي في مسألة تهمّ مصير البلاد. لا يجب أن يتمركز الحكم في روما، حيث سيسهل تمرير السياسات الصادرة من الاتحاد الأوروبي بسهولة، ونصبح تحت قبضة بروكسل".
وعلى العكس من ذلك؛ يقول المواطن ماتيو جاك روسّي: "سأصوت بنعم. كفى لعدم الاستقرار السياسي"، وتعبّر غزالة برن، وهي إيطالية من أصول مغربية، عن الرّأي ذاته، قائلة لـ"العربي الجديد": "نعم للتغيير، فتبسيط الأمور هو أمر إيجابي في كل الأحوال للحد من البيروقراطية الإيطالية".
عطفاً على ذلك، يقول الناشط السياسي عصام فتح الله، المواطن الإيطالي من أصول مصرية: "الشعب الإيطالي يعيش الآن في أزمة اقتصادية ومعيشية.. أزمة اقتصادية بسبب قوانين قديمة، وأزمة معيشية واجتماعية بسبب حزمة قرارات رينزي".
ويضيف: "رغم صعوبة الحياة الاقتصادية الآن في إيطاليا؛ فإن هناك كثيرين من الشعب الإيطالي يعون تماماً معنى الفرق بين المصالح الاجتماعية للأفراد وبين مصالح الدولة"، ورأى أن "ما قدمه رينزي من تعديلات سيكون له أثر إيجابي على المدى البعيد، وكل ذلك في مصلحة الدولة".
وفي حالة تحقق سيناريو فوز "لا"، الذي يبقى محتملاً جداً، حسب آخر استطلاعات الرأي المنشورة قبل أسبوعين تقريباً. سيقدم رينزي استقالته، كما لوح بذلك للإيطاليين أثناء حملة "نعم".
وقد تصبح السلطة الحكومية بإيطاليا، بعد انتخابات مبكرة، في يد اليمينيين، الذين يتقدّمهم زعيم "حركة 5 نجوم"، الممثل الهزلي بيبو غريلو (من جنوة)، وزعيم "فورتسا إيطاليا"، سيلفيو بيرلسكوني، وزعيم "عصبة الشمال"، المعادية للمهاجرين، ماتيو سالفيني.
الزعماء اليمينيون المذكورون، يتعهدون بعد فوز "لا" وتمكنهم من أغلبية حكومية، بجمع توقيعات لتنظيم استفتاء شعبي للخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يجعل أوروبا تعيش "بريكست" إيطالياً جديداً.