يعيش عشرات ملايين المصريين ممن ينتمون للطبقات الفقيرة والمتوسطة، فترة هلع بشأن القوت، بعدما اختنقت ميزانياتهم من ارتفاع المصروفات بنسب لا تقل عن الضعف، وتصل في بعض السلع الأساسية إلى ثلاثة أضعاف.
وجاءت فواتير استهلاك الخدمات التي تبيعها الحكومة كالكهرباء والمياه والغاز، عن يوليو/تموز (الشهر الأول في السنة المالية بمصر) أكثر التهابا من أي وقت مضى، فقد طُبعت مُحمّلة بالزيادات التي أعلنت عنها الحكومة مطلع الشهر ذاته، هذه الزيادات لم تكن شيئا بالنظر إلى ما حلّ على أسعار باقي السلع المتوفرة بالأسواق في بلد يتجلى من بياناته الرسمية أن معدلات التضخم بين الأعلى عالميا، والأعلى محليا منذ أكثر من ثمانين سنة.
وتزامن كل ذلك مع استعدادات الأسر المصرية لشراء مستلزمات عيد الأضحى والعام الدراسي الجديد، ما زاد بشكل كبير من الأعباء المادية والمعيشية التي تعانيها الأسر بلا استثناء، بمن فيهم الطبقات الغنية أيضا التي لم تسلم هي الأخرى من تلك الأعباء وإن كانت بشكل أقل.
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أول من أمس الخميس، رقما قياسيا جديدا لمعدل التضخم السنوي، بلغ 34.2% خلال يوليو/ تموز الماضي، في إجمالي مناطق البلاد.
وفي 9 أغسطس/آب، أعلن البنك المركزي المصري، أن معدلات التضخم الأساسية ارتفعت إلى 35.2% في يوليو مقارنة بنحو 31.95% في يونيو/حزيران.
ويعود ارتفاع معدل التضخم السنوي يوليو/ تموز الماضي، إلى زيادة أسعار الوقود للمرة الثانية خلال ثمانية أشهر وما نتج عن القرار الحكومي من زيادة تكلفة النقل بنسبة 40%، الأمر الذي انعكس على أسعار السلع خصوصا الغذاء.
كما يرتبط بعدم ربط الأجور بالأسعار ما تسبب في زيادة حدة الركود بالأسواق وتباطؤ النمو الاقتصادي، في ظل الارتفاع الجنوني في الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين وفق إفادات خبراء لـ "العربي الجديد".
وتبعاً لذلك، فإن 30 مليون مصري على الأقل هبطوا إلى مستويات الطبقة الفقيرة، بعد أن كانوا ينتمون للطبقة المتوسطة، وبذلك ارتفع عدد الفقراء إلى 50 مليونا خلال 2017، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض القيمة الشرائية للجنيه المصري منذ تحرير سعر الصرف.
ويقول يوسف بحيري، موظف بإحدى الشركات الحكومية من محافظة القليوبية: "لدي أربعة أبناء، منهم ثلاثة في المرحلة الابتدائية ويصل دخلى الشهري إلى ألفي جنيه. هذا المبلغ كان يكفي لشراء احتياجات أسرتي من الغذاء بقيمة 900 جنيه والدروس الخصوصية لأبنائي الثلاثة 300 جنيه والمواصلات 250 جنيها وفاتورة الكهرباء 100 جنيه والمياه 20 جنيها والقمامة 10 جنيهات ومصاريف آخرى 200 جنيه، وأقوم بادخار باقي الراتب 220 جنيها، وذلك قبل قرارات الحكومة الخاصة بتعويم الجنيه ورفع أسعار الوقود والخدمات". (الدولار الأميركي يساوي 17.9 جنيها).
وأضاف أن القرارات الحكومية أدت إلى زيادة الأسعار بنسبة تتجاوز 100% وبالتالي أصبح راتبي غير كاف للإنفاق على الغذاء فقط، مع العلم أن راتبي زاد 100جنيه فقط قيمة العلاوة الاجتماعية لعام 2016".
وتابع قائلا: "فاتورة الكهرباء عن يوليو (تموز) ارتفعت إلى 130جنيها والمياه 30 جنيها والقمامة 20 جنيها، إضافة إلى ميزانية الدروس الخصوصية التي تضاعفت هذا العام والمواصلات التي زادت بنحو الضعف"، مشيرًا إلى أن الأعباء المالية الجديدة دفعته إلى السماح لزوجته بالعمل لمساعدته على تلبية احتياجات الأسرة الأساسية بعد أن كان يرفض هذا الأمر.
ويقول إبراهيم عبد الله، موظف بالمعاش من القاهرة، إن لديه خمسة أبناء منهم ثلاثة متزوجون وبنت وولد يدرسان في الجامعة ويتولى الإنفاق عليهما.
ويبلغ معاشه الشهري نحو 1400 جنيه بعد أن كان يتقاضى راتبا يصل إلى ثلاثة آلاف جنيه في نهاية خدمة عام 2015، لافتًا إلى أنه قام بالاستغناء عن شراء العديد من الأطعمة التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني خلال الفترة الأخيرة، في مقدمتها اللحوم، لضغط إنفاقه على الطعام كي لا يتجاوز ألف جنيه.
أما فاتورة الكهرباء فبلغت 200 جنيه خلال يوليو/تموز، مقابل 150 جنيها في يونيو/حزيران الماضي، وهو مبلغ "جزافي ولا يتناسب مع استهلاكي للكهرباء، وهو الأمر الذي دفعني لتقديم عدة شكاوى لشركة الكهرباء، ولكن لم أتلق أي رد على هذه الشكاوي ويهددني المحصل بقطع التيار عن منزلي حال امتناعي عن السداد".
كما ارتفعت فاتورة المياه إلى عشرين جنيها بعد أن كانت 15 جنيها، إضافة إلى مصاريف الدواء له ولزوجته التي تتجاوز قيمتها 400 جنيه، بعد ارتفاعها بنسبة تراوحت من 50% إلى 100%، وفق كلامه.
وأوضح عبدالله، أنه اضطر إلى الاقتراض من أحد أقاربه لمواجهة الأعباء المالية التي فاقت معاشه الشهري وللإنفاق على تعليم أبنائه، مشيرا إلى أنه حال عجزه عن سداد ديونه سيلجأ إلى الاقتراض من البنك بضمان معاشه، ما يهدد بتدهور الأوضاع المعيشية لأسرته.
ويحدد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء خط الفقر المصري عند 5787.9 جنيها سنويا، أو نحو 482 جنيها شهريا. وبلغت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر 27.8%، وفقا لبحث الدخل والإنفاق لعام 2015.
وأكد الخبير الاقتصادي، شريف الدمرداش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن خطة الإصلاح الاقتصادي التي تنفذها الحكومة المصرية حاليا تقوم على محور واحد وهو ترشيد الإنفاق من خلال تقليص الدعم في الموازنة العامة للدولة، دون العمل على زيادة الإيرادات وهو الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، واصفًا تلك الخطة بـ "العجيبة" التي تتعارض مع كافة القواعد والنظريات الاقتصادية المعمول بها في معظم دول العالم التي تعتمد مسارين هما زيادة الإيرادات وخفض المصروفات لتحقيق الإصلاح الاقتصادي.
وأشار إلى أن الحكومة لم تحرز أي تقدم ملموس في مجال زيادة الإنتاج القومي وجذب الاستثمارات الأجنبية التي تساعد على توفير فرص عمل للشباب وزيادة المعروض من السلع، إضافة إلى خفض الواردات من الخارج، لافتا إلى أن الأرقام التي تعلنها الحكومة عن الاستثمارات الأجنبية الجديدة غير دقيقة ولا تخرج عن كونها "كلاما نظريا".
وأوضح الدمرداش، أن عدم ربط الأجور بالأسعار تسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي حيث تشهد الأسواق خلال الفترة الراهنة موجة "تضخم ركودي"، وتعني ارتفاع معدلات التضخم مع زيادة المعروض من السلع نتيجة زيادة تكلفة الإنتاج والتمويل، فضلا عن انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين وعجزهم عن الشراء.
ووفقاً للدمرداش، فإن حجم إنفاق الأسر تضاعف ثلاثة أضعاف منذ تطبيق قرار تعويم الجنيه في ظل انخفاض القيمة الشرائية للجنيه بنسبة 300%، وهو الأمر الذي أدى إلى هبوط 30 مليون مصري للطبقة الفقيرة، بعد أن كانوا ينتمون للطبقة المتوسطة وبذلك ارتفع عدد الفقراء إلى 50 مليونا خلال 2017.
وفي تصريحات له 9 يوليو/ تموز 2017 قال اللواء أبوبكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، إن القفزة التي شهدتها الأسعار، بعد تعويم الجنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني، والذي أفقد الجنيه حوالي نصف قيمته، سيضاعف على الأقل الحد الأدنى لخط الفقر في مصر، ليقترب من الألف جنيه شهريا.
وقال الخبير الاقتصادي، يوسف إبراهيم، إن إنفاق الأسر المصرية زاد بنسبة تراوحت من 100% إلى 200% رغم تراجع استهلاكها من السلع، بسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار مقارنة بفترة ما قبل تعويم الجنيه في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، موضحًا أن الإنفاق على الغذاء يمثل 45%، من إجمالي إنفاق الأسرة المصرية الشهري.
وتابع: الأسرة المصرية مطالبة بتوفير أربع ميزانيات خلال شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2017 تشمل شراء مستلزمات عيد الأضحى والعام الدراسي الجديد، إلى جانب النفقات الشهرية الاعتيادية التي ارتفعت خلال الشهر، وهو الأمر الذي أحدث ارتباكاً وحالة من الاختناق في ميزانية تلك الأسر.
وتتوقع بنوك استثمار ارتفاع معدل التضخم السنوي خلال الشهور المقبلة لمستويات تتراوح بين 35 و36% بعد زيادة أسعار الوقود والكهرباء، بعدما كان تباطأ إلى نحو 30.9% في شهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران الماضيين.
واعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، صلاح الدين فهمي، أن ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 34% في يوليو/ تموز 2017 أمر طبيعي، بعد قرار الحكومة المصرية الصادر في 30 يونيو/ حزيران الماضي بشأن زيادة أسعار الوقود للمرة الثانية خلال ثمانية أشهر.
وقال فهمي لـ "العربي الجديد" إن القرار أدى إلى زيادة تكلفة النقل بنسبة 40% وهو الأمر الذي انعكس على أسعار السلع خصوصا الغذاء مرورا بكل الخدمات.
وحذر فهمي من خطورة تجاهل الحكومة لأزمة الارتفاع الجنوني في الأسعار، مؤكدا أن استمرارها سيؤدي إلى حدوث انفلات أخلاقي وزيادة معدلات الجريمة.
وأوضح أن حزمة الحماية الاجتماعية التي أقرتها الحكومة خلال شهر رمضان الماضي لا تتناسب مع موجة الغلاء القاسية التي تشهدها الأسواق المصرية خلال الفترة الحالية.
وسبق أن أعلنت المديرة العامة لإدارة الأرقام القياسية في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، سعاد مصطفى، في تصريحات سابقة، تعليقاً على معدل التضخم الذي سجل في فبراير/شباط الماضي 31.7%، أنه "وفقاً للتسلسل الزمني لبيانات التضخم في مصر، فإن ارتفاع الأسعار الحالي، هو الأعلى منذ منتصف الأربعينيات".
وبحثت "العربي الجديد" عن أرقام التضخم القديمة، حيث أظهر موقع "كليو إنفرا" الإحصائي، الممول من المنظمة الهولندية للبحث العلمي، أن معدل التضخم في مصر وصل إلى 34.38% عام 1942 تحديداً، في حين سجل نسبة 41.38% في العام 1934.
وتوقعت مصر ارتفاع معدل التضخم بنحو 5% بعد رفع أسعار الوقود، في نهاية يونيو/حزيران، بنسبة وصلت إلى 55%، و100% بالنسبة للغاز المنزلي.
كما رفعت مصر، في 6 يوليو/تموز الماضي، أسعار الكهرباء للاستخدام المنزلي بنسبة وصلت إلى 42.1%، ما سينعكس على معدل التضخم، لدخولها في إنتاج غالبية السلع الأساسية.
وبدأ التضخم موجة صعود حادة عندما تخلّت مصر، في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن ربط سعر صرف الجنيه بالدولار، ورفعت حينها أسعار الفائدة 300 نقطة أساس، بجانب زيادة أسعار المحروقات.
اقــرأ أيضاً
وجاءت فواتير استهلاك الخدمات التي تبيعها الحكومة كالكهرباء والمياه والغاز، عن يوليو/تموز (الشهر الأول في السنة المالية بمصر) أكثر التهابا من أي وقت مضى، فقد طُبعت مُحمّلة بالزيادات التي أعلنت عنها الحكومة مطلع الشهر ذاته، هذه الزيادات لم تكن شيئا بالنظر إلى ما حلّ على أسعار باقي السلع المتوفرة بالأسواق في بلد يتجلى من بياناته الرسمية أن معدلات التضخم بين الأعلى عالميا، والأعلى محليا منذ أكثر من ثمانين سنة.
وتزامن كل ذلك مع استعدادات الأسر المصرية لشراء مستلزمات عيد الأضحى والعام الدراسي الجديد، ما زاد بشكل كبير من الأعباء المادية والمعيشية التي تعانيها الأسر بلا استثناء، بمن فيهم الطبقات الغنية أيضا التي لم تسلم هي الأخرى من تلك الأعباء وإن كانت بشكل أقل.
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أول من أمس الخميس، رقما قياسيا جديدا لمعدل التضخم السنوي، بلغ 34.2% خلال يوليو/ تموز الماضي، في إجمالي مناطق البلاد.
وفي 9 أغسطس/آب، أعلن البنك المركزي المصري، أن معدلات التضخم الأساسية ارتفعت إلى 35.2% في يوليو مقارنة بنحو 31.95% في يونيو/حزيران.
ويعود ارتفاع معدل التضخم السنوي يوليو/ تموز الماضي، إلى زيادة أسعار الوقود للمرة الثانية خلال ثمانية أشهر وما نتج عن القرار الحكومي من زيادة تكلفة النقل بنسبة 40%، الأمر الذي انعكس على أسعار السلع خصوصا الغذاء.
كما يرتبط بعدم ربط الأجور بالأسعار ما تسبب في زيادة حدة الركود بالأسواق وتباطؤ النمو الاقتصادي، في ظل الارتفاع الجنوني في الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين وفق إفادات خبراء لـ "العربي الجديد".
وتبعاً لذلك، فإن 30 مليون مصري على الأقل هبطوا إلى مستويات الطبقة الفقيرة، بعد أن كانوا ينتمون للطبقة المتوسطة، وبذلك ارتفع عدد الفقراء إلى 50 مليونا خلال 2017، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض القيمة الشرائية للجنيه المصري منذ تحرير سعر الصرف.
ويقول يوسف بحيري، موظف بإحدى الشركات الحكومية من محافظة القليوبية: "لدي أربعة أبناء، منهم ثلاثة في المرحلة الابتدائية ويصل دخلى الشهري إلى ألفي جنيه. هذا المبلغ كان يكفي لشراء احتياجات أسرتي من الغذاء بقيمة 900 جنيه والدروس الخصوصية لأبنائي الثلاثة 300 جنيه والمواصلات 250 جنيها وفاتورة الكهرباء 100 جنيه والمياه 20 جنيها والقمامة 10 جنيهات ومصاريف آخرى 200 جنيه، وأقوم بادخار باقي الراتب 220 جنيها، وذلك قبل قرارات الحكومة الخاصة بتعويم الجنيه ورفع أسعار الوقود والخدمات". (الدولار الأميركي يساوي 17.9 جنيها).
وأضاف أن القرارات الحكومية أدت إلى زيادة الأسعار بنسبة تتجاوز 100% وبالتالي أصبح راتبي غير كاف للإنفاق على الغذاء فقط، مع العلم أن راتبي زاد 100جنيه فقط قيمة العلاوة الاجتماعية لعام 2016".
وتابع قائلا: "فاتورة الكهرباء عن يوليو (تموز) ارتفعت إلى 130جنيها والمياه 30 جنيها والقمامة 20 جنيها، إضافة إلى ميزانية الدروس الخصوصية التي تضاعفت هذا العام والمواصلات التي زادت بنحو الضعف"، مشيرًا إلى أن الأعباء المالية الجديدة دفعته إلى السماح لزوجته بالعمل لمساعدته على تلبية احتياجات الأسرة الأساسية بعد أن كان يرفض هذا الأمر.
ويقول إبراهيم عبد الله، موظف بالمعاش من القاهرة، إن لديه خمسة أبناء منهم ثلاثة متزوجون وبنت وولد يدرسان في الجامعة ويتولى الإنفاق عليهما.
ويبلغ معاشه الشهري نحو 1400 جنيه بعد أن كان يتقاضى راتبا يصل إلى ثلاثة آلاف جنيه في نهاية خدمة عام 2015، لافتًا إلى أنه قام بالاستغناء عن شراء العديد من الأطعمة التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني خلال الفترة الأخيرة، في مقدمتها اللحوم، لضغط إنفاقه على الطعام كي لا يتجاوز ألف جنيه.
أما فاتورة الكهرباء فبلغت 200 جنيه خلال يوليو/تموز، مقابل 150 جنيها في يونيو/حزيران الماضي، وهو مبلغ "جزافي ولا يتناسب مع استهلاكي للكهرباء، وهو الأمر الذي دفعني لتقديم عدة شكاوى لشركة الكهرباء، ولكن لم أتلق أي رد على هذه الشكاوي ويهددني المحصل بقطع التيار عن منزلي حال امتناعي عن السداد".
كما ارتفعت فاتورة المياه إلى عشرين جنيها بعد أن كانت 15 جنيها، إضافة إلى مصاريف الدواء له ولزوجته التي تتجاوز قيمتها 400 جنيه، بعد ارتفاعها بنسبة تراوحت من 50% إلى 100%، وفق كلامه.
وأوضح عبدالله، أنه اضطر إلى الاقتراض من أحد أقاربه لمواجهة الأعباء المالية التي فاقت معاشه الشهري وللإنفاق على تعليم أبنائه، مشيرا إلى أنه حال عجزه عن سداد ديونه سيلجأ إلى الاقتراض من البنك بضمان معاشه، ما يهدد بتدهور الأوضاع المعيشية لأسرته.
ويحدد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء خط الفقر المصري عند 5787.9 جنيها سنويا، أو نحو 482 جنيها شهريا. وبلغت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر 27.8%، وفقا لبحث الدخل والإنفاق لعام 2015.
وأكد الخبير الاقتصادي، شريف الدمرداش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن خطة الإصلاح الاقتصادي التي تنفذها الحكومة المصرية حاليا تقوم على محور واحد وهو ترشيد الإنفاق من خلال تقليص الدعم في الموازنة العامة للدولة، دون العمل على زيادة الإيرادات وهو الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، واصفًا تلك الخطة بـ "العجيبة" التي تتعارض مع كافة القواعد والنظريات الاقتصادية المعمول بها في معظم دول العالم التي تعتمد مسارين هما زيادة الإيرادات وخفض المصروفات لتحقيق الإصلاح الاقتصادي.
وأشار إلى أن الحكومة لم تحرز أي تقدم ملموس في مجال زيادة الإنتاج القومي وجذب الاستثمارات الأجنبية التي تساعد على توفير فرص عمل للشباب وزيادة المعروض من السلع، إضافة إلى خفض الواردات من الخارج، لافتا إلى أن الأرقام التي تعلنها الحكومة عن الاستثمارات الأجنبية الجديدة غير دقيقة ولا تخرج عن كونها "كلاما نظريا".
وأوضح الدمرداش، أن عدم ربط الأجور بالأسعار تسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي حيث تشهد الأسواق خلال الفترة الراهنة موجة "تضخم ركودي"، وتعني ارتفاع معدلات التضخم مع زيادة المعروض من السلع نتيجة زيادة تكلفة الإنتاج والتمويل، فضلا عن انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين وعجزهم عن الشراء.
ووفقاً للدمرداش، فإن حجم إنفاق الأسر تضاعف ثلاثة أضعاف منذ تطبيق قرار تعويم الجنيه في ظل انخفاض القيمة الشرائية للجنيه بنسبة 300%، وهو الأمر الذي أدى إلى هبوط 30 مليون مصري للطبقة الفقيرة، بعد أن كانوا ينتمون للطبقة المتوسطة وبذلك ارتفع عدد الفقراء إلى 50 مليونا خلال 2017.
وفي تصريحات له 9 يوليو/ تموز 2017 قال اللواء أبوبكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، إن القفزة التي شهدتها الأسعار، بعد تعويم الجنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني، والذي أفقد الجنيه حوالي نصف قيمته، سيضاعف على الأقل الحد الأدنى لخط الفقر في مصر، ليقترب من الألف جنيه شهريا.
وقال الخبير الاقتصادي، يوسف إبراهيم، إن إنفاق الأسر المصرية زاد بنسبة تراوحت من 100% إلى 200% رغم تراجع استهلاكها من السلع، بسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار مقارنة بفترة ما قبل تعويم الجنيه في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، موضحًا أن الإنفاق على الغذاء يمثل 45%، من إجمالي إنفاق الأسرة المصرية الشهري.
وتابع: الأسرة المصرية مطالبة بتوفير أربع ميزانيات خلال شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2017 تشمل شراء مستلزمات عيد الأضحى والعام الدراسي الجديد، إلى جانب النفقات الشهرية الاعتيادية التي ارتفعت خلال الشهر، وهو الأمر الذي أحدث ارتباكاً وحالة من الاختناق في ميزانية تلك الأسر.
وتتوقع بنوك استثمار ارتفاع معدل التضخم السنوي خلال الشهور المقبلة لمستويات تتراوح بين 35 و36% بعد زيادة أسعار الوقود والكهرباء، بعدما كان تباطأ إلى نحو 30.9% في شهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران الماضيين.
واعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، صلاح الدين فهمي، أن ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 34% في يوليو/ تموز 2017 أمر طبيعي، بعد قرار الحكومة المصرية الصادر في 30 يونيو/ حزيران الماضي بشأن زيادة أسعار الوقود للمرة الثانية خلال ثمانية أشهر.
وقال فهمي لـ "العربي الجديد" إن القرار أدى إلى زيادة تكلفة النقل بنسبة 40% وهو الأمر الذي انعكس على أسعار السلع خصوصا الغذاء مرورا بكل الخدمات.
وحذر فهمي من خطورة تجاهل الحكومة لأزمة الارتفاع الجنوني في الأسعار، مؤكدا أن استمرارها سيؤدي إلى حدوث انفلات أخلاقي وزيادة معدلات الجريمة.
وأوضح أن حزمة الحماية الاجتماعية التي أقرتها الحكومة خلال شهر رمضان الماضي لا تتناسب مع موجة الغلاء القاسية التي تشهدها الأسواق المصرية خلال الفترة الحالية.
وسبق أن أعلنت المديرة العامة لإدارة الأرقام القياسية في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، سعاد مصطفى، في تصريحات سابقة، تعليقاً على معدل التضخم الذي سجل في فبراير/شباط الماضي 31.7%، أنه "وفقاً للتسلسل الزمني لبيانات التضخم في مصر، فإن ارتفاع الأسعار الحالي، هو الأعلى منذ منتصف الأربعينيات".
وبحثت "العربي الجديد" عن أرقام التضخم القديمة، حيث أظهر موقع "كليو إنفرا" الإحصائي، الممول من المنظمة الهولندية للبحث العلمي، أن معدل التضخم في مصر وصل إلى 34.38% عام 1942 تحديداً، في حين سجل نسبة 41.38% في العام 1934.
وتوقعت مصر ارتفاع معدل التضخم بنحو 5% بعد رفع أسعار الوقود، في نهاية يونيو/حزيران، بنسبة وصلت إلى 55%، و100% بالنسبة للغاز المنزلي.
كما رفعت مصر، في 6 يوليو/تموز الماضي، أسعار الكهرباء للاستخدام المنزلي بنسبة وصلت إلى 42.1%، ما سينعكس على معدل التضخم، لدخولها في إنتاج غالبية السلع الأساسية.
وبدأ التضخم موجة صعود حادة عندما تخلّت مصر، في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن ربط سعر صرف الجنيه بالدولار، ورفعت حينها أسعار الفائدة 300 نقطة أساس، بجانب زيادة أسعار المحروقات.