لا يمكن إنكار الأريحية التي نجدها الآن في نصوص الكُتّاب السوريين، إذ يبدو أن أحد رقبائهم الذاتيين قد سقط من حساباتهم، وهو الرقيب الذي أوجده نظام البعث طوال عقود. رقيب اجتماعي أكثر منه سياسياً، وإن كان من الصعب، طبعاً، فصل الجانبين عن بعضهما.
نلمس ذلك في الرواية الأولى للكاتب السوري عبدو خليل (1968)، "فندق بارون"، الصادرة حديثاً عن "دار الآداب". الفندق الذي تداولت وسائل إعلام عديدة اسمه أخيراً، وكان يوماً محطة للمشاهير، مثل أغاثا كريستي ومصطفى كمال أتاتورك، هو المكان الذي تدور فيه أحداث القصة، حيث تبحث هيلين الإنجليزية عن والدها. فقد أخبرتها والدتها في رسالة قبل وفاتها أن والدها هو أحد الأشخاص الثلاثة الذين تعرّفت إليهم في زيارة سابقة إلى مدينة حلب، وكانوا مقيمين معها في الفندق.
رغبة هيلين في معرفة والدها تدفعها إلى زيارة الفندق، الذي بات أكثر نزلائه من الأرمن المعمّرين، وما زالوا يبحثون عن أقاربهم المفقودين، منذ المجازر التي تعرّضوا لها بداية القرن الماضي.
تصل هيلين إلى حلب بداية عام 2011، لكن أحداث الثورة تبقى مجرّد أصداء خلفية في سياق بحثها عن الأب. ما الذي حدث آنذاك؟ لماذا ثلاثة أسماء؟ لماذا لم تخبرها والدتها باسم والدها الحقيقي، رغم إصرارها على معرفته؟
أسئلة كثيرة تعصف بها ولا تتمكن من إيجاد أجوبة عنها، بل تقودها إلى أسئلة أخرى أكثر غموضاً عن الأشخاص الذين تتعرّف إليهم أثناء إقامتها في حلب، مثل كارو الأرمني العجوز المشرف على الفندق، الذي لا يكشف لها تفصيلاً عن والدتها، التي يتذكرها جيّداً رغم مضي عقود على زيارتها، إلا ليزيد من جرعة الغموض الذي يلفّ الأمر كله؛ وأبو الريح، الكردي المتعصّب لقائده أوجلان، الذي يقع فور رؤية هيلين في غرامها ويسعى إلى الزواج منها؛ والفتاة الحلبية، منار، التي تنتمي إلى أوساط "بنات العِشرة"، وتعوّض هيلين عن دفء أحضان ليزا، صديقتها في إنجلترا، التي ابتعدت عنها لشهور عديدة بسبب بحثها اللامجدي عن والدها؛ إضافة إلى خال منار، التاجر الحلبي المتديّن.
يحاول الروائي هنا أن يعطي صورة عن حلب ومجتمعها، ويسعى إلى استحضار ذاكرة وأشخاص ومكان وثورة، ما يدفعه إلى الاستعجال أحياناً، والقفز من شخصية إلى أخرى، ثم إهمال كل منها تماماً؛ ما يفقد العمل تماسكه في مفاصل عديدة.
لكن الرواية تبقى مشوّقة، وتخوض في تفاصيل الحياة الاجتماعية للسوريين التي لم تنفصل يوماً عن السياسة، أو بالأحرى عن تغييب السياسة الذي ألقى بظلّه طويلاً على فعل الكتابة في البلاد.