حلا وتالا، طفلتان فلسطينيتان لم تتجاوزا عشر سنوات من العمر بعد، إلا أنهما باتتا من رواد أحد المراكز التي تقدم خدمات تعليمية ما بعد العودة من المدرسة، بعد أن وجد الوالدان ضيقا في وقتهما للجلوس معهما لإنهاء الواجبات المدرسية.
ففي أحد المراكز التعليمية، يلتحق العشرات من الطلبة بنظام يتيح لهم متابعة واجباتهم المدرسية، وأوراق العمل التي تطلب منهم بعيدا عن الجو العائلي والأسرة الذي اعتاد عليه الطلاب دائما، وذلك في ظاهرة باتت تتسع في ظل انخراط العائلات بالعمل والوظيفة.
ففي مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، زار مراسل "العربي الجديد"، أحد المراكز التعليمية التي تلمست احتياجات العائلات غير القادرة على منح أبنائها الوقت للانتهاء من الواجبات المدرسية وأوراق العمل، ليكون بمثابة حضن آخر لهم بعدما "ابتعد عنهم الحضن الدافئ للعائلة".
تقول الطفلة تالا أبو السعود لـ"العربي الجديد"، التحقت بالمركز منذ قرابة شهر، فالوقت المتاح عند والدي ووالدتي قليل جدا كونهما ملتزمين بالعمل، وأنا في الصف السادس، ولعدم توفر الوقت التحقت بهذا المركز للمساعدة في حل الواجبات المدرسية والدراسة للامتحانات. وتشير الطفلة أبو السعود، إلى أنها بدأت بعد الانتهاء من الدوام المدرسي تصل إلى البيت لتناول طعام الغداء، ثم تلتحق بالمركز حتى ساعات قبيل الغروب.
السيد نبيل الناطور، ولي أمر أحد الأطفال في المركز، تحدث إلى "العربي الجديد" عن الدوافع التي شجعت العائلة لإلحاق طفلها ببرنامج كهذا، فيقول: "والدة الطفل أنجبت حديثا، مما صعب عليها متابعة دروسه اليومية في المنزل، مما اضطرنا للبحث عن بديل يساعده في المحافظة على مستواه التعليمي.
اقــرأ أيضاً
عوامل دافعة
فكرة الاعتماد على المراكز التعليمية في احتضان الأبناء بعد العودة من المدارس للمساعدة في حل الواجبات البيتية والدراسة للامتحانات، بدأت تتسع في المجتمع الفلسطيني، كما توضح المعلمة إسراء حمدان.
وتقول حمدان، التي تعمل مدرّسة في بأحد المراكز، لـ"العربي الجديد"، إن أبناء الموظفين بشكل خاص يجدون صعوبة في متابعة دراستهم البيتيه نتيجة ضيق الوقت عند الأهل الذين يعودون من وظائفهم منهكين.
وتضيف حمدان ليس عمل الوالدين هو السبب فقط، بل هناك أسباب أخرى من بينها كثرة أبناء الأسرة الواحدة واحتياج كل واحد فيهم لوقت وجهد مما يصعب السيطرة من قبل الأهل، أو نتيجة استحداث المناهج التعليمية التي ترتبط بتطورات علمية وتقنية لا تناسب المؤهل العلمي للوالدين.
أما عن الأسباب الأخرى، فترى حمدان أن اكتظاظ الشعب الصفية في المدارس لا يمنح المدرسين وقتا لاعطاء كل طالب حقه بالمعرفة، وهذا يزيد من الجهد على الأهل، وهو ما يصعب عليهم مهمة تعليم أبنائهم.
وعن طبيعة ما يمكن أن توفره هذه المراكز، تشير حمدان إلى أن الالتحاق بهذه المراكز لا يكون مجردا في المساعدة بحل الواجبات المدرسية أو التهيؤ للامتحانات فقط، بل هناك أنشطة ترفيهية، وإمكانية منح الأطفال مهارات جديدة في تنظيم الوقت وكيفية الاستفادة منه بشكل أفضل مما لو كان في البيت.
وتوضح حمدان أن الطلاب الذين يتم استقبالهم بهذه البرامج ما بين الصف الأول وحتى السادس، وهي المرحلة التي تعتبر حساسة ومهمة في تأسيس الطفل وتكوين شخصية تمكنه من الاعتماد على نفسه فيما بعد.
اقــرأ أيضاً
الفجوة المعرفية
بدوره، يوضح الأستاذ ماجد القاضي، الخبير بالتنمية البشرية، ومدير أحد المراكز التعليمية، أن الأهل مصنفين في الوقت الحاضر إلى صنفين؛ أولهما متعلم غير متفرغ، وهذا لا يستطيع أن يمنح أطفاله الوقت الكافي لمتابعة الواجبات المدرسية.
أما الصنف الثاني، وفقا للقاضي، فهم الأهل غير مستكملي التعليم، وبالتالي عدم متابعتهم لاحتياجات المناهج التعليمية الحديثة التي تتطور وتتغير تباعا وفقا للتطورات التكنولوجية والمعرفية.
ويشير القاضي في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأهل مخيرون في هذه الحالات بين ترك أبنائهم يعيشون تجربة منفردة قد تنعكس على تحصيلهم العلمي بشكل سلبي، أو استجلاب مدرس خصوصي إلى المنزل لمتابعة الأبناء، وفي كلتا الحالتين غير مضمونة النتيجة.
وتابع القاضي القول: تجربة المراكز العلمية التي تقدم خدمات "مساندة" من خلال احتضان الطلاب بعد العودة من المدارس، يمكن أن تكون تجربة ناجحة إذا ما أخذ بعين الاعتبار بعض الأسس مثل التحضير اليومي، والمراجعة اليومية، والتقييم الذي يقاس من خلال أداء الطفل بالمدرسة، إلى جانب التغذية الراجعة من الأهل.
وعند سؤال "العربي الجديد" للقاضي إن كانت هذه المراكز تقوم على أسس المنفعة الربحية، وقد ينعكس ذلك على الهدف الأساس من البرامج التي تقدمها، أوضح أنه رغم وجود الهدف الربحي والتشغيلي، إلا أنها تبقى أقل تكلفة من المدرس الخاص.
إحدى السلبيات التي يسجلها، الخبير التربوي مخلص سمارة، على هذا النمط من البرامج التعليمية المساندة، هي حرمان الطفل للحضن العائلي، وحنان الوالدين خلال تلقيه تعليمه في المرحلة الأساسية التي تشكل أكثر مرحلة حساسية في حياته، كما يقول لـ"العربي الجديد".
ويشير سمارة إلى أنه بالرغم من حاجة أطفالنا للمتابعة المباشرة في التعليم، إلا أن الطفل في نهاية الأمر هو إنسان وليس آلة، فغياب الطفل من الصباح وحتى ساعات الظهيرة بالمدرسة، ومن ثم الالتحاق بمركز تعليمي حتى ساعات المساء، يقلص الوقت الذي يمكن أن يجلس به مع والديه إلى ساعة أو ساعتين باليوم، فهو مضطر للنوم مبكرا للنهوض في اليوم التالي للمدرسة.
ويوضح سمارة، بأن هذا النوع من البرامج قد يكون إيجابيا في تعزيز القدرات العلمية، ومنح الأطفال معدلات متقدمة باستمرار، إلا أنه قد يعمل على تفريغ الشحنات العاطفية، وبالتالي تقل نسبة الانتماء للعائلة، وهو ما يعني أن الطفل في مرحلة لا تصبح مرجعيته والديه.
ويرى سمارة أن المناهج التعليمية الحديثة، وانشغال الأهل اليومي، يتطلب الموازنة في إيجاد الحلول التي تساعد الأبناء في الحفاظ على المستوى التعليمي لهم.
ويختم بالقول: لا يمكن ملء الفراغ العاطفي أو الروحي الذي يمنحه الوالدان لأبنائهما بأي وسيلة أخرى، وبالتالي يجب أن يكون هناك وعي كاف من قبل الجميع، وهذا لا يلغي أهمية هذه المراكز، لكن يتوجب أن يكون دورها مكملاً وليس لاغيًا لدور الأهل.
ففي مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، زار مراسل "العربي الجديد"، أحد المراكز التعليمية التي تلمست احتياجات العائلات غير القادرة على منح أبنائها الوقت للانتهاء من الواجبات المدرسية وأوراق العمل، ليكون بمثابة حضن آخر لهم بعدما "ابتعد عنهم الحضن الدافئ للعائلة".
تقول الطفلة تالا أبو السعود لـ"العربي الجديد"، التحقت بالمركز منذ قرابة شهر، فالوقت المتاح عند والدي ووالدتي قليل جدا كونهما ملتزمين بالعمل، وأنا في الصف السادس، ولعدم توفر الوقت التحقت بهذا المركز للمساعدة في حل الواجبات المدرسية والدراسة للامتحانات. وتشير الطفلة أبو السعود، إلى أنها بدأت بعد الانتهاء من الدوام المدرسي تصل إلى البيت لتناول طعام الغداء، ثم تلتحق بالمركز حتى ساعات قبيل الغروب.
السيد نبيل الناطور، ولي أمر أحد الأطفال في المركز، تحدث إلى "العربي الجديد" عن الدوافع التي شجعت العائلة لإلحاق طفلها ببرنامج كهذا، فيقول: "والدة الطفل أنجبت حديثا، مما صعب عليها متابعة دروسه اليومية في المنزل، مما اضطرنا للبحث عن بديل يساعده في المحافظة على مستواه التعليمي.
عوامل دافعة
فكرة الاعتماد على المراكز التعليمية في احتضان الأبناء بعد العودة من المدارس للمساعدة في حل الواجبات البيتية والدراسة للامتحانات، بدأت تتسع في المجتمع الفلسطيني، كما توضح المعلمة إسراء حمدان.
وتقول حمدان، التي تعمل مدرّسة في بأحد المراكز، لـ"العربي الجديد"، إن أبناء الموظفين بشكل خاص يجدون صعوبة في متابعة دراستهم البيتيه نتيجة ضيق الوقت عند الأهل الذين يعودون من وظائفهم منهكين.
وتضيف حمدان ليس عمل الوالدين هو السبب فقط، بل هناك أسباب أخرى من بينها كثرة أبناء الأسرة الواحدة واحتياج كل واحد فيهم لوقت وجهد مما يصعب السيطرة من قبل الأهل، أو نتيجة استحداث المناهج التعليمية التي ترتبط بتطورات علمية وتقنية لا تناسب المؤهل العلمي للوالدين.
أما عن الأسباب الأخرى، فترى حمدان أن اكتظاظ الشعب الصفية في المدارس لا يمنح المدرسين وقتا لاعطاء كل طالب حقه بالمعرفة، وهذا يزيد من الجهد على الأهل، وهو ما يصعب عليهم مهمة تعليم أبنائهم.
وعن طبيعة ما يمكن أن توفره هذه المراكز، تشير حمدان إلى أن الالتحاق بهذه المراكز لا يكون مجردا في المساعدة بحل الواجبات المدرسية أو التهيؤ للامتحانات فقط، بل هناك أنشطة ترفيهية، وإمكانية منح الأطفال مهارات جديدة في تنظيم الوقت وكيفية الاستفادة منه بشكل أفضل مما لو كان في البيت.
وتوضح حمدان أن الطلاب الذين يتم استقبالهم بهذه البرامج ما بين الصف الأول وحتى السادس، وهي المرحلة التي تعتبر حساسة ومهمة في تأسيس الطفل وتكوين شخصية تمكنه من الاعتماد على نفسه فيما بعد.
الفجوة المعرفية
بدوره، يوضح الأستاذ ماجد القاضي، الخبير بالتنمية البشرية، ومدير أحد المراكز التعليمية، أن الأهل مصنفين في الوقت الحاضر إلى صنفين؛ أولهما متعلم غير متفرغ، وهذا لا يستطيع أن يمنح أطفاله الوقت الكافي لمتابعة الواجبات المدرسية.
أما الصنف الثاني، وفقا للقاضي، فهم الأهل غير مستكملي التعليم، وبالتالي عدم متابعتهم لاحتياجات المناهج التعليمية الحديثة التي تتطور وتتغير تباعا وفقا للتطورات التكنولوجية والمعرفية.
ويشير القاضي في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأهل مخيرون في هذه الحالات بين ترك أبنائهم يعيشون تجربة منفردة قد تنعكس على تحصيلهم العلمي بشكل سلبي، أو استجلاب مدرس خصوصي إلى المنزل لمتابعة الأبناء، وفي كلتا الحالتين غير مضمونة النتيجة.
وتابع القاضي القول: تجربة المراكز العلمية التي تقدم خدمات "مساندة" من خلال احتضان الطلاب بعد العودة من المدارس، يمكن أن تكون تجربة ناجحة إذا ما أخذ بعين الاعتبار بعض الأسس مثل التحضير اليومي، والمراجعة اليومية، والتقييم الذي يقاس من خلال أداء الطفل بالمدرسة، إلى جانب التغذية الراجعة من الأهل.
وعند سؤال "العربي الجديد" للقاضي إن كانت هذه المراكز تقوم على أسس المنفعة الربحية، وقد ينعكس ذلك على الهدف الأساس من البرامج التي تقدمها، أوضح أنه رغم وجود الهدف الربحي والتشغيلي، إلا أنها تبقى أقل تكلفة من المدرس الخاص.
إحدى السلبيات التي يسجلها، الخبير التربوي مخلص سمارة، على هذا النمط من البرامج التعليمية المساندة، هي حرمان الطفل للحضن العائلي، وحنان الوالدين خلال تلقيه تعليمه في المرحلة الأساسية التي تشكل أكثر مرحلة حساسية في حياته، كما يقول لـ"العربي الجديد".
ويشير سمارة إلى أنه بالرغم من حاجة أطفالنا للمتابعة المباشرة في التعليم، إلا أن الطفل في نهاية الأمر هو إنسان وليس آلة، فغياب الطفل من الصباح وحتى ساعات الظهيرة بالمدرسة، ومن ثم الالتحاق بمركز تعليمي حتى ساعات المساء، يقلص الوقت الذي يمكن أن يجلس به مع والديه إلى ساعة أو ساعتين باليوم، فهو مضطر للنوم مبكرا للنهوض في اليوم التالي للمدرسة.
ويوضح سمارة، بأن هذا النوع من البرامج قد يكون إيجابيا في تعزيز القدرات العلمية، ومنح الأطفال معدلات متقدمة باستمرار، إلا أنه قد يعمل على تفريغ الشحنات العاطفية، وبالتالي تقل نسبة الانتماء للعائلة، وهو ما يعني أن الطفل في مرحلة لا تصبح مرجعيته والديه.
ويرى سمارة أن المناهج التعليمية الحديثة، وانشغال الأهل اليومي، يتطلب الموازنة في إيجاد الحلول التي تساعد الأبناء في الحفاظ على المستوى التعليمي لهم.
ويختم بالقول: لا يمكن ملء الفراغ العاطفي أو الروحي الذي يمنحه الوالدان لأبنائهما بأي وسيلة أخرى، وبالتالي يجب أن يكون هناك وعي كاف من قبل الجميع، وهذا لا يلغي أهمية هذه المراكز، لكن يتوجب أن يكون دورها مكملاً وليس لاغيًا لدور الأهل.