فلسطين كسورية.. لن تقهر

18 اغسطس 2014

غزة وحلب والفلوجة تحت القصف

+ الخط -

... لكنّ غزة لن تستسلم، لأنها فلسطين بدلالاتها العربية عامة، والسورية/العراقية بصورة خاصة، كما أن سورية والعراق لن يستسلما في معركة الحرية والعبودية الكبرى، الدائرة الآن على مستوى المنطقة، حيث تقاتل نظم مفتوحة على الاستبدادين، السياسي والمذهبي، إلى جانب إسرائيل في جانب، والشعوب المتعطشة إلى الحرية والاستقلال في جانب مقابل، وتدور أحداثٌ سيتقرر بها مصيرنا إلى زمن بعيد، يعلم الطرفان المتواجهان أنها تضع، اليوم، أحجار الأساس لواقعٍ يغاير ما عشناه، في نيف ونصف قرن مضى، فإما الصعود إلى ما تريده الشعوب، أو النكوص إلى بربرية من نمط أسدي/ داعشي/ صهيوني لا تبقي ولا تذر.

لن يبقى شيء بعدها كما كان قبلها، فليس مستغرباً أن يحاول كلا الطرفين توظيف كل ما لديه من قوة لقهر الطرف الآخر، وأن تقدم الشعوب مئات آلاف الشهداء، وتبقى في ساحة المعركة، إلى أن تخرج من المأساة التي عاشتها تحت احتلالين، داخلي وخارجي، لهما وظيفة واحدة أو متكاملة، هي إبقاؤها خاضعة ذليلة، والحؤول بينها وبين ما تصبو إليه من حرية وعدالة وكرامة.

لن تستسلم غزة أو سورية أو العراق، لأن الاستسلام باب هزيمةٍ، ستغير بتكلفتها البشرية والسياسية ما صنعه التاريخ من حقائق، صمدت خلال قرون، يعني وقوعها ترسخ حلف أبدي، صهيوني القسمات والطبيعة، بين عرب سحقوا شعوبهم، عدو الكيان الدخيل والغاصب، أوصلتهم هزيمتهم إلى نقطةٍ، لن يكون بعدها خلاف بين حكامهم و"عدوهم" المزعوم الذي تبنوا خططه ونهجه وسياساته حيال المواطن العادي: المطالب بحقه في الحرية والحياة، وسيتبناهم، من جانبه، لأنهم نفضوا عنهم غلالة العداء الكاذب تجاهه، وبلغوا النقطة التي يريدها، حيث لا شعوب ولا مقاومة ولا نضال ولا حرية.

لن تستسلم فلسطين أو سورية أو العراق، لأن الاستسلام لم يعد خياراً، بعد أن تغير معناه وتبدلت هويته، وأغلق أي باب يقود إلى تسويةٍ أو حل وسط، وجعل من المحال أن تتوقف المعركة ضد الشعب بقبوله، ومن المحتم أن تتواصل، إلى أن تغير هوية المنطقة التاريخية، ويرحل القسم الأكبر من شعوبها عن الوجود، ولا يبقى فيها كلمة لغير من أحكموا سيوفهم في رقاب من كانوا يسمونهم "شعوبهم".

لا خيار أمامنا في فلسطين وسورية والعراق غير النصر أو الفناء، فالمعركة التي يخوضها قتلتنا ضدنا ليست ردهم على مطالبتنا بالحرية، بل هي ردهم على وجودنا ذاته الذي لن نرتضيه، بعد الآن، إلا إذا صار مفعماً بها وبالكرامة، وبالتالي، نافياً وجودهم الذي أسسوه على عبوديتنا وإذلالنا.

في معركة لها هذه الأبعاد بالنسبة إلى واقعنا ووعينا، لن يكون خيارنا النجاة بجلودنا، في مقابل استمرار قتلتنا، عرباً كانوا أم إسرائيليين، في حكمنا أو التحكم بنا. ولن نرتضي أن يخرج أي جزء يتحرر من فلسطين أو سورية أو العراق من الصراع، وينأى بنفسه عن بقية ميادينه وساحاته، لأن ذلك سيكون خياراً قاتلاً لمن لم ينل حريته بعد، في عالمنا العربي، وقبل كل شيء لنا نحن أيضا، ما دام انتصارنا محالاً من دون تلاحمنا ووحدتنا كشعوب لها قضية واحدة، ولأن هزيمتنا مستحيلة، إذا لم ينفرط عقدنا، ونبتعد بعضنا عن بعض، ونقاتل فرادى ومتفرقين.

والآن: إذا كنا موحدين معنوياً وروحياً، وفي أهدافنا ومطالبنا، ألا يجب أن نتحد أيضاً مادياً وتنظيمياً، سياسياً وبشرياً، وأن نتحول إلى بنيان مرصوص، لا يمكن اختراقه أو كسر أي جزء منه؟  ألم تحن ساعة حوار بين قوى الحرية وممثلي شعوبها، لإقامة هذه الوحدة، وتلمس سبل تأسيسها وإدامتها، اليوم وفي الزمن المقبل، الذي ستلعب وحدتنا دوراً عظيماً، في جعله زمن حرية وعدالة ومساواة، وعالم شعوب حرة وكريمة؟ ألم يأت وقت وحدة القوى الحرة داخل كل بلد من بلداننا، وبينهم وبين جيرانهم الأحرار الذين يهددهم، اليوم، خطر البراميل المتفجرة وأيديولوجيات إرهابية لن ينجو منها أحد منهم، شرعت تحيق بهم من كل مكان، على امتداد الأرض العربية؟

E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.