فلسطينيو السويد.. معاناة اللجوء ومنعه عن بعضهم

13 يناير 2020
يأملون أن يصل صوتهم إلى السلطات السويدية (العربي الجديد)
+ الخط -
يشعر عدد من طالبي اللجوء، والحاصلين عليه سابقا بصفة مؤقتة، من الفلسطينيين على الأراضي السويدية بكثير من "الإجحاف والتمييز بحقهم مقارنة بجنسيات أخرى تحصل على حق الإقامة بعد طلب اللجوء"، بحسب ما يذهب بعض منهم إثر قرار اتخذه هؤلاء للاعتصام المفتوح في مدينة يوتوبوري (غوتينبروغ) في جنوب البلد.

الاعتصام الذي بدأه فلسطينيون منذ الثامن من الشهر الحالي يناير/كانون الثاني يأتي بعد أن وصلت عمليات تجميد الإقامة ورفض متكرر لطلبات لجوء آخرين، واحتجاز بعضهم في مراكز تسفير "وتوقف حياة عشرات الأطفال الذين ولدوا وكبروا في السويد، فلا يمكنهم مواصلة دراستهم، بعد أن ذهبت مصلحة الهجرة وبطريقة بيروقراطية لتبليغهم بأن الإقامة التي يحملها أهاليهم قد جمدت"، كما في حالة الفلسطيني رأفت عبد الرحيم وزوجته سوزان بريكة.

أطفال ضحايا قرارات مصلحة الهجرة
يذكر عبد الرحيم لـ"العربي الجديد" أنه حضر إلى السويد منذ 9 سنوات مع 4 من أطفاله. كبر الأطفال في السويد وارتادوا مدارسها، فهم اليوم بين 9 سنوات و22 عاما "ومعاناة الأطفال هي الأكبر فبعد أن انخرطوا في الدراسة وأنهت الابنة لجين والابن عبد الرحيم الثانوية العامة يمنع عليهما الالتحاق بالجامعة الآن، مثلما هو حال الصغار الذين يمنعون من استكمال الالتحاق بالمدارس وهم 9 سنوات و13 و16 سنة". ويذكر رأفت أنه تعاون مع دائرة الهجرة منذ 2011 وحتى تاريخه، ويبدو أن مسألة طلب الإقامة جرى إغلاقها الآن. وكان أن اضطرت هذه الأسرة لفتح قضيتها مجددا بعد أن جمدت منذ سنوات "نحو 45 رفضا حصلنا عليها ووضعونا على قائمة التسفير، إلى أين نسافر والأولاد تتدمر حياتهم أمامي وأمام والدتهم وغير قادرين على فعل الكثير لهم، أقسى المشاعر أن تجد نفسك فجأة بلا أمان ويضيع مستقبل أولادك أمامك". وكان رأفت وأسرته الصغيرة مقيمين في السعودية قبل أن يضطروا لمغادرتها، ثم وصلوا إلى السويد على أمل منح أسرتهم أمانا وبالأخص استكمال الأطفال لدراستهم.
معتصمون في السويد للفت الانتباه لقضيتهم(هند البطران/العربي الجديد) 

تعامل السويد مع الفلسطينيين من طالبي اللجوء المقيمين منذ سنوات على أراضيها، وهم خليط من تجمعات فلسطينية في الخارج ومن قطاع غزة والضفة المحتلة، تعلله بأن "أونروا"، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، مسؤولة عن أوضاع الفلسطينيين في تلك المناطق. ويشير في السياق رب أسرة فلسطينية أقام في البلد 10 سنوات إلى أنه وجد نفسه وأسرته بلا إقامة، بعد حصولهم على رفض جديد في 2019، ويضيف علي الحميد أن أطفاله ولد 3 منهم في السويد، وأن "ظلما كبيرا توقعه مصلحة الهجرة السويدية في تعاملها معنا، فهي تخبرنا أن الرفض يقوم على أن لبنان يمكن أن يستقبلنا، وأن أونروا في لبنان مسؤولة عنا، علما أن أونروا لا علاقة لها بما نعانيه من مشاكل جمة، وذكرت مسؤولة التسفير لنا اعتبار لبنان بلدا آمنا وعلينا المغادرة، وأن أطفالي وإن اندمجوا والتحقوا بالمدارس فسيجري توقيفهم عن ارتياد المدارس حين يصلون إلى سن 16 عاما، وبالتالي نحن نعتبر بنظرهم مقيمون غير شرعيين، وأهمية الاعتصام هو لإيصال رسالة حول هذا الظلم الواقع علينا".
بعضهم ينتظر منذ 10 سنوات (هند البطران/العربي الجديد) 

ويرى آخرون أنه "من الغريب أن تتعامل السويد مع اللجوء الفلسطيني بهذا الشكل، رغم أننا كنا نعتقد أنه البلد الأكثر اطلاعا على تفاصيل مأساة الشعب الفلسطيني، سواء كان في غزة المحاصرة منذ سنوات أو تحت الاحتلال المباشر في الضفة ومآسي العيش في مخيمات لبنان، ووضع فلسطينيي سورية الذين هجروا مثل بقية السوريين عموما".
ومن ناحيته يرى أشرف مناصرة، من مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، أنه وأسرته "نعيش مأساة حقيقية وفي ظروف قاسية جدا". وحضر مناصرة في 2017 وبعد أن جرى الاستماع لقضيتهم وانتظروا 11 شهرا وصلهم في 2019 قرار برفض منح الأسرة إقامة "بل جاء قرار بترحيلنا ومنع دخولنا إلى الاتحاد الأوروبي لمدة عامين".

عاطلون من الحياة
ويرى مناصرة أن القرار "مجحف وتمييزي بحق اللاجئين الفلسطينيين مقارنة بغيرهم، ونحن لا نطالب بالمستحيل فأطفالنا الأربعة سيضيع مستقبلهم ونعيش ظروفا ممنوع فيها مزاولة عمل أو دراسة، وما أستغربه أن موظفا في العشرين من عمره في مصلحة الهجرة يقيم وضع الفلسطينيين القادمين إلى السويد منذ سنوات بأن بلدهم آمن تحت الاحتلال، ومطلوب للاحتلال وآمن؟" ويردف "موظف شاب لا يعرف أين تقع فلسطين 1948 والنكبة وما جرى لنا يقرر مستقبلا مأساويا لأسرة لاجئة، رغم عدم قدرتهم على إعادة الفلسطيني إلى وطنه فلسطين". مناصرة يختم واقع أسرته بالقول "نحن كالمعلقين بين السماء والأرض، يجري إنهاكنا وتحويلنا لبشر غير منتجين، فما هي فائدة السويد من أن تترك الناس هكذا بدل أن يكونوا منتجين ومساهمين في البلد، أطالب الساسة والسلطات في السويد بالنظر بشكل احترافي ومهني وليس بيروقراطيا في قرارات وقف الإقامات".

معتصمون في السويد يطالبون بحل لمشكلتهم(هند البطران/العربي الجديد) 

أما حمدان، القادم من قطاع غزة منذ 2014 وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، فلا تختلف قصته كثيرا عن عشرات الفلسطينيين وأسرهم. الرجل غادر غزة المحاصرة على أمل أن يحصل في السويد على علاج مناسب "إلا أن حالتي للأسف تفاقمت وأصبحت مزمنة، ثم يقولون لك "أونروا" مسؤولة عن علاجك في غزة، رغم أن أونروا لا تقدم علاجا لمثل حالتي، وحين يعتبرون أن غزة آمنة فكأنهم لا يعرفون أن الواقع غير ما يقولون، وأونروا التي يقولون إنها مسؤولة عن حمايتي وعلاجي هي غير قادرة على حماية نفسها أصلا، لا أثناء القصف ولا بشح مواردها وعدم قدرتها على فعل شيء سوى المناشدات".

يبدو أن فترة الانتظار الطويل في ظروف غير صحية فاقمت من وضع حمدان "فجلوسي في معسكر الانتظار وغياب الاعتناء بحالتي الصحية أدى إلى تدهور صحتي، فصار عندي انحناء بالعمود الفقري واعوجاج بالقدمين والحوض وقصر بالقدم وهشاشة في العظام ومشكلات في المثانة، والآن جرى سحب إقامتي المؤقتة وسوف يعيدونني إلى المعسكر".
معتصمون في السويد يلفتون الانتباه إلى مأساتهم (هند البطران/العربي الجديد)

تجميد إقامات بعد 10 سنوات
وكانت السلطات في السويد أصدرت إقامات مؤقتة لمدة سنة لتعود وتنظر فيها مصلحة الهجرة تقييما كل 12 شهرا، وبدأت عمليا بشكل مكثف في 2019 وقف تجديد الإقامة، وهو ما يطاول بشرا انتظروا وأقاموا بهذه الطريقة في السويد لأكثر من 15 سنة. وتذكر في السياق لاجئة فلسطينية من لبنان أنها تقيم منذ عشر سنوات مع أسرتها وأولادها، ورغم فترة الانتظار الطويلة وجدت نفسها وأطفالها بلا إقامة اليوم، وهي على قوائم الترحيل. هذا إلى جانب مآس أخرى لأسر خرجت بالأصل لإنقاذ أطفالها ولعلاج بعضهم من أمراض مزمنة، فجرى إهمالهم وتفاقمت أوضاعهم الصحية والنفسية. فعلي الحمد يرى في هذه السياسة السويدية "أمرا مقصودا لكي يقبل طالب اللجوء ترحيله، أي أنهم ينتهجون سياسة تعجيزية، وإلا فما الداعي لأن تجد أسرة نفسها فجأة خارج شقتها بعد 10 سنوات من السكن لأن مصلحة الهجرة لم تجدد إقامتهم، وبالتالي لم يعد يحق لكثير من هؤلاء السكن في مساكن مخصصة من مصلحة الهجرة؟". تساؤل علي وتركيز كثيرين على صدمة "أن يكون بلد حقوق الإنسان السويد يتعاطى بهذا الشكل مع من يطلبون حماية ولجوءا لأجل مستقبل آمن لأبنائهم"، لا تجيب عليه مصلحة الهجرة السويدية سوى بأنها تطبق قرارات حكومية.

فكثير من العوائل التي تضم كبار سن، نساء ورجالا، يجدون أنفسهم اليوم مهددين بتطبيق السويد الصارم لوقف تجديد الإقامات المؤقتة ورفض إقامات من انتظر لأكثر من 10 سنوات. وتتذرع السويد بين فترة وأخرى بتطبيق معاهدة دبلن، أي بإرجاع اللاجئ إلى البلد الأوروبي الأول الذي دخل إليه، وبعض هؤلاء يراد إرجاعهم إلى اليونان الذي يعاني أصلا من اكتظاظ ووضع مأساوي يعيشه لاجئو البلد في أثينا، وعلى جزره التي تفتقد لأي نوع من الحياة الكريمة، كما أن إيطاليا بسياستها المتشددة ترفض بالأصل استقبال بضع عشرات. وتتعاطى استوكهولم بكثير من التشدد مع من استطاع الوصول من قطاع غزة بعد رحلة محفوفة بالمخاطر، ويقول بعضهم إن مصلحة الهجرة "تمدد دراسة قضايانا لسنوات طويلة لأجل إيصالنا إلى يأس، فيما غيرنا من أخوة لنا من العرب يحصلون سريعا على إقامة، ونحن ننتظر "فكيف يعتبرون غزة آمنة ليجري إعادتنا إليها"، كما يتساءل شريف أبو شملخ الذي حصل على رفض بحجة أن "غزة تعتبر بلدا آمنا"، وأظن أن كاتب الرسالة لا يعرف أن غزة ليست محاصرة وهي جزء من فلسطين المحتلة، وليست بلدا كما يظن".
أطفال ضحايا قرارات سويدية(هند البطران/العربي الجديد) 

من أجل الأطفال

 رغم أنها بنفسها تنتظر منذ سنوات، وتعاني جسديا من آثار بادية على جسدها وجرح نفسي عميق بسبب ما تسبب به الاحتلال لقطاع غزة، تجد السيدة هند نفسها تتحدث أكثر بشكل مصدوم عن "هذه الأسر التي لديها أطفال، يذهبون إلى المدارس هنا وتعلموا لغة البلد الذي ولدوا فيه، هم مأساة حقيقية، فقد أصبح بعضهم مركونا بلا حياة، وهذه فضيحة ترتكبها السويد التي عرفت بمواقفها الإنسانية من الفلسطينيين". تنشغل رغم الأمراض التي تعانيها وآلامها المبرحة وبانتظار "الفرج" منذ سنوات لهؤلاء وهي تتساءل "هل غصت السويد ببضع عشرات ممن وصلوها قبل غيرهم طالبين الحماية؟". سؤال يتردد كثيرا بين معتصمي خيمة غوتيبورغ في جنوب السويد، حيث تقاطر البعض في طقس قاس ولم يستطع آخرون الوصول نتيجة ظروف مالية مكلفة في مواصلات السويد. وبعضهم يتساءل أيضا "من بين مئات آلاف اللاجئين ما معنى أن يقال لمن حضر هروبا من الاحتلال أنه مرفوض وأن مدينته آمنة؟ أهي سياسة تلك التي تقول بأن الاحتلال آمن والاختناق في حصار غزة آمن ولفظ الفلسطيني في لبنان وغيره حياة آمنة؟ نحن لا نريد أن تستقبل لا أوروبا ولا السويد كل الفلسطينيين من المنطقة العربية، بل ما نطالب به النظر بحالات من وصل إليها ولديه مشكلة وقضية، ولا أن تميزهم عن غيرهم من طالبي اللجوء"، بحسب ما يصف معتصم منتظر منذ 9 سنوات أن يبت في قضيته.


المساهمون