فلسطينيون محرومون من معرفة مكان احتجاز جثامين أبنائهم الشهداء

رام الله

جهاد بركات

جهاد بركات
28 اغسطس 2020
فلسطينيون محرومون من معرفة مكان احتجاز جثامين أبنائهم الشهداء
+ الخط -

بعد أكثر من ثلاث سنوات على استشهاد الشاب الفلسطيني براء عطا من قرية دير أبو مشعل شمال غرب رام الله وسط الضفة الغربية؛ فإن والدته لا تعلم مكان احتجاز سلطات الاحتلال الإسرائيلي جثمانه، "نحن لا نعرف أين هم أبناؤنا؟ هل هم في مقابر الأرقام؟ أم محتجزون في الثلاجات؟"، تقول والدة الشهيد براء لـ"العربي الجديد"، وقد قدمت مساء الخميس، إلى بلدة نعلين غربي رام الله للمشاركة في إحياء اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء والكشف عن مصير المفقودين الذي يوافق الـ27 من أغسطس/آب في كل عام.

هذا هو الحال الذي وصلت إليه بعض أسر الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى الاحتلال، أن يكون مطلبهم معرفة مكان احتجازهم، وأمنيتهم أن يدفنوا أبناءهم وفق شريعتهم وعاداتهم، وفي مقابرهم في مكان يستطيعون زيارته.

والدة براء توضح في حديثها ما وصلت إليه قضية ابنها وزميليه أسامة عطا وعادل عنكوش، الذين استشهدوا في شهر رمضان؛ يونيو/ حزيران عام 2017، قرب باب العامود في القدس المحتلة بعد أن نفذوا عملية قتلت فيها مجندة إسرائيلية، قائلة: "لغاية الآن لم يرد الاحتلال عليهم، ولا على المحامين أو مؤسسات حقوق الإنسان"، وتقول: "دائما نطالب ولا إجابة. أين يحتجزون أبناءنا؟ نريد أن نعرف أين هم؟ وندفنهم على طريقتنا الإسلامية، صحيح أن كل أرضنا مقدسة- في إشارة إلى أن كل فلسطين المحتلة أرضها واحدة، ولكن لا نقبل أن يدفنهم الاحتلال".

انتقدت والدة براء صمت ضمير العالم كما قالت، وتقصير السلطة الفلسطينية

وانتقدت والدة براء صمت ضمير العالم كما قالت، وتقصير السلطة الفلسطينية حسب رأيها، متسائلة: "لو كان ابن وزير هل سيبقى في الثلاجة ثلاث سنوات؟".

حضر حشد من أهالي الشهداء، وخصوصا من قرى غرب وشمال غرب رام الله، فعالية إحياء اليوم الوطني داخل قلعة الخواجا التاريخية في نعلين، كان من بينهم ابن نعلين نواف الخواجا والد الشهيد سفيان الذي كان استشهد في مارس/ آذار من العام الحالي، قرب بلدته نعلين، بعد أن أطلق جيش الاحتلال النار على مركبة يستقلها.

يصف الخواجا أيامه فيقول لـ"العربي الجديد": "منذ أن استشهد وحتى اليوم لا أنام أكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات ليلا؛ حين أنام أتذكره، وأبقى مستيقظا طوال الوقت، كنت أرى ابني كل يوم صباحا ومساء يضحك، أفتخر به وهو يمشي في الشارع؛ قوله لي (كيف حالك يابا؟) أفضل من كل أموال هذه الدنيا".

يكمل الخواجا مطالبا باستعادة جثمان ابنه، وجميع جثامين الشهداء قائلا: "(ولادنا مش رخاص علينا)، أغلى منهم، قتلوهم بدم بارد وحرمونا من رؤيتهم، ماذا يريدون بعد ذلك؟ ابني كان ذاهبا من أجل رزقه، في مغسلة للمركبات، أطلقوا عليه النار بحجة أنه يريد إلقاء حجارة وقتلوه، ما نريده اليوم أن يعود أبناؤنا الشهداء لندفنهم في مقابرنا مثل كل المسلمين".

وحول التطورات في محاكم الاحتلال في ملف جثامين الشهداء المحتجزة منذ هبة القدس في عام 2015؛ والبالغ عددها 66 جثمانا، تقول والدة الشهيد أسامة عطا من دير أبو مشعل: "أنا حولت القضية من محكمة الأرض إلى محكمة السماء، ولم يعد لي سوى الأمل بالله لاستعادة الجثمان، محاكم الاحتلال تماطل، وتماطل وحتى اللحظة لا يوجد رد علينا، رغم كل المطالبات والفعاليات لا من مجيب"، مضيفة: "ما حصل أصعب شيء في الحياة، حين تظل تحس أن ابنك في الثلاجة ولا تستطيع الوصول إليه أو رؤيته أو دفنه وتكريمه، توفي شقيقه قبل عام تقريبا دون أن يرى جثمانه، كان أمله أن يدفنه ويكرمه لكنه توفي قبل ذلك".

وحول هذا الملف القانوني، أوضحت منسقة الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء والكشف عن مصير المفقودين سلوى حماد، أن الوضع القانوني في محاكم الاحتلال متوقف منذ أكثر من سبعة شهور؛ مؤكدة أن نيابة الاحتلال الإسرائيلي تماطل منذ ذلك الوقت بالرد على محكمة الاحتلال العليا في ما يتعلق بالملف.

جثامين شهداء فلسطين (Getty)

وتؤكد حماد أن المحكمة متواطئة في تلك المماطلة بتحديد جلسات بفترات متباعدة للنظر في الملف؛ إضافة إلى أنها أصدرت بتاريخ 9 سبتمبر/ أيلول 2019، قرارًا يقضي بإعطاء صلاحية لجيش الاحتلال باحتجاز الجثامين "لغرض التفاوض.

وتضيف حماد: "لا يتوقف وزير جيش الاحتلال عن التصريح بأنه لن يتم تسليم جثامين الشهداء، إن كان ينطبق عليها أحد الشروط التي يتم الادعاء بها للاحتجاز وهي أن يكون الشهيد قد قام بعملية قتل لإسرائيليين أو عمليته نوعية وهو مصطلح فضفاض، أو أن يكون الشهيد منتميا لحركة حماس، بادعاء أنها تحتجز جنودا إسرائيليين".

جثامين شهداء فلسطين (Getty)

وفي ظل تعنت الاحتلال وتواطؤ القضاء الإسرائيلي بإعطاء حكومة الاحتلال الوقت الذي تريده من أجل استخدام جثامين الشهداء كجزء من أي مفاوضات مع المقاومة الفلسطينية في غزة في أي مفاوضات قادمة لصفقة تبادل أسرى، تتجه الحملة الوطنية لاسترداد الجثامين بحسب حماد، إلى استراتيجية التركيز على جهد في البعد الدولي، خصوصا وأن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية كان أصدر قرارا في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، بتشكيل فريق وطني لاسترداد الجثامين برئاسة وزارة العدل وعضوية وزارة الخارجية والحملة الوطنية، فيما أكدت أن الحملة ستقوم خلال أسبوعين، بإصدار دراسة تحليلية قانونية مقارنة حول قضية الجثامين وستصدر بثلاث لغات وستتم مناقشتها مع القناصل والسفراء.

وفي هذا السياق، طالب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف في كلمة له، المؤسسات الدولية والحقوقية بالوقوف أمام هذه الجريمة المضاعفة، والتي تشكّل معاناة لأهالي الشهداء، الذين يرفض الاحتلال إطلاق سراح جثامينهم لدفنها بما يليق بكرامة الشهداء الذين ضحوا من أجل الحرية والاستقلال.

فيما أكد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية وليد عساف، أن دولة الاحتلال هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعتقل جثامين الشهداء وتحتجزهم في مقابر الأرقام والثلاجات في مخالفة واضحة للقانون الدولي، بمحاولة منها لكسر إرادة الشعب الفلسطيني وصموده.

وأحيت الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، أمس الخميس، "اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء"، بأكثر من فعالية في الضفة الغربية، حيث أقيم اعتصام ومهرجان خطابي في مقبرة شهداء الجيش العراقي في مثلث الشهداء جنوب جنين شمال الضفة الغربية.

ويواصل الاحتلال احتجاز 66 شهيدا منذ العام 2015 في الثلاجات، فيما يحتجز 254 شهيدا آخر في مقابر الأرقام.

ذات صلة

الصورة
أبو خديجة يسعى للعودة إلى الملاعب رغم الغياب الطويل (العربي الجديد/Getty)

رياضة

روى لاعب منتخب فلسطين الأول لكرة القدم أحمد أبو خديجة (28)، الذي تحرّر من سجون الاحتلال في 31 أكتوبر الماضي بعد 20 شهراً من الاعتقال، تجربته في المعتقل.

الصورة
جنود الاحتلال قرب مقر أونروا في غزة بعد إخلائه، 8 فبراير 2024 (فرانس برس)

سياسة

أقر الكنيست الإسرائيلي، مساء اليوم الاثنين، تشريعاً يحظر عمر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) داخل الأراضي المحتلة.
الصورة
جهود إنقاذ بأدوات بدائية في شمالي غزة (عمر القطاع/فرانس برس)

مجتمع

تتواصل العملية العسكرية الإسرائيلية البرية في محافظة شمال غزة مخلفة مئات الشهداء والمصابين، فضلاً عن تدمير عشرات المنازل، وإجبار الآلاف على النزوح.
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
المساهمون