فك حصار حلب مستمرّ... والمعارضة تتهم "التحالف الدولي" باستهدافها

05 اغسطس 2016
قصف مدفعي للمعارضة بما تيسر من وسائل(عبدالفتاح حسين/الأناضول)
+ الخط -
لم تهدأ وتيرة المعارك في مدينة حلب بين فصائل المعارضة السورية المسلحة، وقوات نظام بشار الأسد المدعومة من مليشيات طائفية، وذلك بعد عدة أيام من هجوم كبير شنته المعارضة لفك الحصار عن الأحياء الشرقية في المدينة التي تقع تحت سيطرتها، منذ منتصف عام 2012. وفي الوقت الذي تمارس فيه ضغوط على المعارضة السورية لإيقاف هجومها، على وقع مجازر يومية يرتكبها الطيران الروسي ومقاتلات النظام بحق من بقي في أحياء حلب الشرقية من مدنيين، نجحت قوات المعارضة، أمس الخميس، في صد أكثر من هجوم لقوات النظام وحزب الله اللبناني، لاسترجاع مواقع سيطرت عليها المعارضة خلال معركة فك حصار حلب. أكثر من ذلك، كشف مصدر موثوق في أحد الفصائل المسلحة الأكثر انخراطاً في معارك حلب، لـ"العربي الجديد"، أن الساعات المقبلة ستحمل أنباء عن معركة جديدة تندرج في خانة فك الحصار عن المدينة.

وذكر ناشطون أن "جيش الفتح"، أكبر فصائل المعارضة المشتركة في المعارك، أحبطت هجوماً معاكساً قامت به قوات النظام لاسترجاع مشروع 1070 شقة في حي الحمدانية، الذي سيطرت عليه المعارضة في بداية هجومها، يوم الأحد الماضي، مشيرين إلى فشل هجوم آخر لقوات النظام جنوب غرب حلب لاسترجاع مواقع. وكانت فصائل المعارضة بدأت معارك بمشاركة آلاف المقاتلين لفك الحصار عن أحياء حلب الشرقية، إثر سيطرة قوات النظام على طريق الكاستيلو في شمال المدينة والذي كان شريان المعارضة والمدنيين الذين يقطنون تلك الأحياء، ويقدر عددهم بنحو 350 ألف مدني باتوا تحت حصار خانق.

وأكد الناطق باسم جيش المجاهدين في حلب، النقيب أمين ملحيس، أن معارك فك الحصار "لا تزال مستمرة"، مشيراً إلى أن ما يجري في حلب "ملحمة عسكرية كبرى" ستنفذ على عدة مراحل، لافتاً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن فصائل المعارضة نفذت ثلاث مراحل منها حتى الأن، ومشيراً إلى أنه "تم تحرير أكثر من 13 نقطة"، منها: مشروع 1070 شقة، مدرسة الحكمة، تلة الشرفة، تلة مؤتة، تلة أحد، تلة السيرتيل، وكتيبة الصواريخ، ومواقع أخرى منذ بدء المعارك.

وأكد ملحيس أن الهدف النهائي للمعركة ليس فك الطوق عن أحياء حلب الشرقية فحسب "بل تحرير مدينة حلب بالكامل"، معتبراً أن دخول فصائل المعارضة إلى منطقة الـ 1070 شقة، في حي الحمدانية، يعني انتقال الصراع إلى مرحلة "حرب المدن"، ما يعني تحييد الطيران، وهو الأمر الذي يصب في صالح قوات المعارضة.

وكشف ملحيس عن أن طيران التحالف الدولي اشترك في قصف قوات المعارضة في المرحلة الثالثة من المعارك لإيقاف تقدمها. كما قامت طائرات النظام ومقاتلات روسية باستخدام غازات سامة في منطقة المناشر غرب المدينة. وأشار المتحدث إلى أنه لم تعد تفصل قوات المعارضة عن أسوار مدرسة المدفعية، أكبر مواقع قوات النظام في حلب وأكثرها تحصيناً، سوى 600 متر فقط، لافتاً إلى أن 1500 متر هي المسافة التي تفصل المعارضة عن أحياء حلب الشرقية، ما يعني قرب كسر طوق الحصار عنها. في هذا السياق، أكد ملحيس أن معنويات مقاتلي المعارضة "مرتفعة"، وأن هناك تنسيقاً عالي المستوى بين غرفة عمليات جيش الفتح، وحركة فتح الشام، وغرفة فتح حلب، وهي الجهات المشتركة في المعارك.


وقال ملحيس، إن هذه المعركة "مختلفة عمّا سبقها من معارك"، مشيراً إلى أن جميع الفصائل الحلبية تشارك فيها. وأشاد بالدور الكبير الذي يقدمه المدنيون من مساعدة، مثنياً على أطفال حلب الذين لعبوا دوراً في تحييد الطيران من خلال إشعال الدواليب. كذلك، كشف المتحدث أن الجيش السوري الحر نقل نحو 80 عائلة من منطقة الحمدانية إلى ريف حلب الغربي، بينها من ذوي الاحتياجات الخاصة، مؤكداً أنه تم تأمين ما تحتاجه. ونصح ملحيس المدنيين في أحياء حلب الغربية بعدم البقاء في الطوابق العليا وعدم الاقتراب من الحواجز والمناطق العسكرية، مشيراً إلى أن الجيش السوري الحر جاء للدفاع عنهم وتخليصهم من بطش النظام. وفي هذا الإطار، أكد ملحيس أن الأرمن في حلب "آمنون" في منازلهم، وأملاكهم، مضيفاً: "هم أيضاً أهلنا، إلا من حمل السلاح دفاعاً عن النظام".

وبدأ الطيران الروسي ومقاتلات نظام الأسد حملة قصف، وصفه ملحيس بـ"العشوائي الهمجي"، بالتزامن مع هجوم قوات المعارضة. واستهدفت تلك الحملة المدنيين داخل المدينة ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، في محاولة للضغط على المعارضة لإيقاف هجومها "الكاسح" على مواقع قوات النظام في حلب. وأشار ملحيس إلى أن الطيران الروسي قصف، أمس الخميس، مخيم نازحين في ريف حلب الغربي بالقنابل العنقودية. وتوقع المتحدث باسم جيش المجاهدين في حلب، وقوع المزيد من المجازر، خلال الأيام المقبلة، بحق المدنيين، مشيراً إلى أن فصائل المعارضة "لا تعقد الأمل على المجتمع الدولي لإيقاف هذه المجازر"، لافتاً إلى أن الأمم المتحدة تكتفي بالتعبير عن "قلق أمينها العام" منذ بدء الحرب المفتوحة من عدة أطراف على السوريين.

وعلمت "العربي الجديد" من مصادرها، أن هناك ضغوطاً إقليمية ودولية وُصفت بـ"الهائلة"، تُمارس على فصائل مشاركة في معارك حلب للانسحاب، مع تلويح بـ"العقاب" في حال عدم الالتزام. وهو أمر "متوقع"، وفق المصادر، "في ظل حرص المجتمع الدولي على عدم السماح للمعارضة في تحقيق "حسم عسكري" في شمال سورية من شأنه تبديل معطيات الصراع".

في هذا الصدد، أشارت المصادر، التي فضلت عدم كشف اسمها، إلى أن استمرار معركة حلب بنفس الزخم الذي بدأت به، بعد ظهر الأحد الماضي، "سيجعل النظام يفقد السيطرة على حلب خلال أسابيع"، مضيفة في حديثها مع "العربي الجديد"، أن "تعقيدات الموقف في حلب في ظل وجود تنظيم الدولة الإسلامية بالقرب منها، والوحدات الكردية في أحياء داخلها، سيجعل الدول المؤثرة تستميت للإبقاء على موطئ قدم للنظام بحلب". وذكرت المصادر أن "ما يطرح حالياً من مبادرات تحت غطاء إنساني ما هو في الحقيقة سوى محاولة لإعادة التوازن لقوات النظام، والمليشيات الطائفية، وترتيب صفوفها التي تبعثرت نتيجة الهجوم، غير المتوقع من قبلها، والذي قامت به المعارضة رداً على حصار مواقعها في شرق حلب".

من جانبه، يرى المحلل العسكري، العقيد مصطفى بكور، أن جيش الفتح التابع للمعارضة السورية وأنصاره من الفصائل الأخرى "قادرون على إكمال المعركة حتى فك الحصار عن أحياء حلب الشرقية"، مشيراً في حديث لـ "العربي الجديد" إلى أن التخاذل الدولي، ومشاركة الروس بإمكانيات جوية كبيرة "تجعل الميزان العسكري يميل لصالح النظام". لكن بكور استدرك بالقول إن "ما يعانيه عناصر قوات النظام والمليشيات الطائفية من انهيار في معنوياتهم في مقابل ارتفاع معنويات الثوار يجعل العامل النفسي هو الأهم، لا سيما عندما تصبح الحرب معارك شوارع، ويُلغى دور الطيران، والصواريخ والمدفعية، فلا يمكن المقارنة بين ثبات الثوار، وثبات عدوهم، وعندها يتحول الميزان العسكري لصالح الثوار كلياً".