إلى جانب كلّ ما تعانيه السوريات من جرّاء الحرب المشتعلة في البلاد وتبعاتها، فإنّ ثمّة نساء منهنّ يواجهنَ تحديات إضافية إذ يخضنَ معاركهنّ الخاصة مع سرطان الثدي
تختلف معارك النساء السوريات مع سرطان الثدي عن معارك سواهنّ من المصابات حول العالم. هنّ مضطرات إلى مواجهة المرض الخبيث من جهة، ومن أخرى ما خلّفته الحرب في البلاد من نقص في الخدمات الطبيّة وانحصارها في مدن دون أخرى، الأمر الذي يضطرهنّ إلى التنقّل وسط ظروف أمنيّة صعبة، وكذلك يعانين من نقص في عدد الأطباء ذوي الاختصاص، إذ إنّ كثيرين من هؤلاء تركوا البلاد المأزومة. فضّة وغالية امرأتان سوريّتان تختصران بطريقة أو بأخرى، معاناة مواطناتهما مع المرض.
عندما شعرت فضّة بكتلة غريبة في ثديها الأيمن، لم تعر الأمر أهميّة وقدّرت أن يكون الأمر نتيجة تغيّر هرمونيّ ليس إلا. لكنّ تلك الكتلة بقيت على حالها، لذا قصدت صيدلانيّة تعيش في قريتها لسؤالها عن الأمر، فطلبت الأخيرة منها استشارة طبيب على الفور. وتخبر فضّة وهي في الرابعة والأربعين من عمرها وأمّ لطفلتَين تعيش في قرية صغيرة في ريف حلب، أنّ "الأمر بدأ يقلقني. لم يكن في القرية أيّ طبيب أو مستوصف، وكان لا بدّ لي أن أُطلع زوجي على ذلك. تحدّثت إليه، فرفض التفكير بذلك قائلاً لي إنّني أتوهّم. لكنّه في اليوم التالي، استأجر سيارة فتوجّهنا إلى مدينة أعزاز القريبة لمقابلة طبيب". لم يؤكّد لها الطبيب وجود ورم سرطانيّ أو غيره، لكنّه رجّح "وجود ما يستدعي العلاج". تضيف أنّ "الطبيب طرح أمامنا خيارَين اثنَين للتأكد من حالتي الصحيّة، إمّا التوجّه إلى تركيا أو مناطق النظام. حينها، شعرت بأنّني وقعت في حفرة عميقة مظلمة. عدت إلى المنزل ولم أعد أتكلّم مع زوجي عن الأمر لأيام عدّة. كانت مخاوفي تتضاعف يوماً بعد آخر، حتى قررت مواجهة الحقيقة".
قصدت فضّة مدينة حلب لوحدها بهدف إجراء الفحوصات اللازمة في مشفى حلب الجامعي. وبعد صور الأشعة والخزعات، راحت نتنظر النتائج لتصل من دمشق. حملتها وتوجّهت إلى طبيبها الذي كان ينتظرها عند باب غرفة الاستقبال. تقول: "سألني من يرافقني، فاستشعرت أخباراً سيئة. سألته وأنا أحملق إليه: خبّرني شو طلع معي. فطلب منّي مرافقته، قبل أن يعلمني بوجود ورم خبيث وبأنّه عليّ تجهيز نفسي لعملية جراحية". وخلال أيام، بدأت فضّة رحلة علاج مضنية بعيداً عن طفلتَيها وزوجها. تقول: "لم يستطع زوجي مرافقتي خوفاً من حواجز النظام، ولم أشأ أن تراني طفلتاي منهارة كما كنت حينها. ورحت أشعر بأنّ الموت يقترب منّي وأنا بعيدة عن الصغيرتَين". وخضعت إلى عملية استئصال للثدي، تقول إنّها "شوهّت جسدي وروحي. وقد اضطرت والدتي إلى بيع ما تملك من ذهب لتغطية تكاليف الجراحة. لا أنا ولا زوجي كنّا نملك ربع تكلفتها". استلزم الأمر أسابيع عدّة قبل أن "تبدأ نفسيّتي بالتحسّن تدريجياً. أكثر ما كان يؤلمني هو انفصالي عن عائلتي لتلقّي العلاج. وحين جاءت طفلتاي إليّ، شعرت بأنّني عدت إلى الحياة من جديد. بقاؤهما إلى جانبي منذ ذلك الحين دفعني إلى تحدّي المرض".
اقــرأ أيضاً
بعد عملية الاستئصال، بدأت فضّة علاجاً بالأشعة، لكنّها تشير إلى أنّها "تلقّيت حينها خبراً هزّني. علمت بنيّة زوجي الزواج من جديد. حلّ الخبر عليّ كالصاعقة. كان ثمّة من يحثّه في عائلته على الزواج لإنجاب صبيّ. في البداية لم يكن يعيرهم اهتماماً، لكنّه يبدو أنّ مرضي كان فرصة مثالية لتمرير ذلك. على الرغم من صعوبة الأمر، فإنّني نجحت في تجاوزه. أدركت أنّ الحياة لا تستحق كثيراً أن نقف عند صدمات كهذه، وأن علينا أن نسعد قدر الإمكان". قبل أيام، أنهت فضّة العلاج بالأشعة، معبّرة عن رضاها أكثر من أيّ وقت مضى، عن حياتها. تقول: "انتصرت على السرطان، وبدأتُ أعمل في مجال الدروس الخصوصية للأطفال. كلّ ما أطمح إليه هو عيش حياتي بهدوء مع طفلتَيّ ورؤيتهما تكبران".
من جهتها، تتحدّث غالية وهي مهندسة سوريّة في الثالثة والخمسين من عمرها، نجت من سرطان الثدي، عن معاناتها خلال رحلة علاجها. تقول المرأة التي تعيش في دمشق، إنّ "في داخل كلّ أنثى قوّة كامنة لا تظهر إلا في صعاب كهذه". وتخبر أنّه "قبل عشرة أشهر فقط، خضعت لآخر جلسة علاج. كانت تجربة مليئة بالتفاصيل والعبر، وأهمّ ما يمكن قوله كخلاصة لتجربتي هو أنّ مريضة السرطان لا تحارب السرطان وحده، إنّما انعدام الرعاية الطبية وهشاشتها في بلادنا. للأسف عليك أن تكون شبه مليونير لتحصل على العلاج الجيّد. الجرعات الكيميائية لا تقدّم مجاناً إلا في مشفيَين اثنَين أو في ثلاثة في كل سورية، وعلى المريضة أن تنتظر أحياناً لأشهر عدّة حتى تصل جرعتها. كذلك فإنّ عدد أطباء الأورام في البلاد اليوم معدود، وكلّ واحد منهم يقدّم رأياً مختلفاً عن الآخر حول طريقة العلاج". تضيف: "في تلك المرحلة، شعرت بأنّني فأر تجارب. تعدّدت الآراء وطُلِبَ منّي اتخاذ قرار. لكن، كيف يمكن لمريض أن يعرف الصواب إن كانوا هم غير متأكدين من ذلك؟". فاستشارت غالية حينها ثلاثة أطباء من خارج سورية عبر أقارب لها، أجمعوا على "العلاج الهرموني. وهو ما وفّر عليّ معاناة كبيرة مع العلاج الكيميائي".
بعد سنتَين من المعاناة مع المرض، بدأت حياة غالية تعود إلى طبيعتها. تقول: "أمور صغيرة تنقذنا من مصاعب كبيرة. سرّ بقائي اليوم على قيد الحياة أوّلاً هو وسواسي الدائم حول صحتي الذي كان يجعلني أقوم بالفحص الذاتي شهرياً. والسبب الثاني هو الشجاعة، فالخوف يدفعنا إلى اتخاذ قرارات غير صائبة ويحدّ من قدرتنا على مواجهة تأثيرات العلاج التي تسلب المرأة جزءاً من أنوثتها". وتشير إلى أنّ أصعب موقف عرفته كان "حين تلقّيت نتائج الخزعة. أذكر يومها أنّني خرجت من المشفى وصرت أمشي وحيدة في الشوارع. كانت أصوات القذائف تُسمَع في كلّ مكان، وصرت أفكّر بأنّني لو متّ بقذيفة فإنّ الأمر سوف يكون أرحم بالنسبة إليّ من الموت بالسرطان". تتابع أنّ "أكثر ما أذكره اليوم، هو دخولي إلى غرفة العمليات لاستئصال الورم. لم يكن إلى جانبي سوى زوجي. كنت في حاجة إلى أولادي الثلاثة بشدّة، لكنّهم موزّعون في بلاد اللجوء. أمّا التحدي الأكبر الذي واجهته، فكان تلك التغيّرات التي حدثت لجسدي خلال أسابيع من تشوّه وغيره".
اقــرأ أيضاً
تختلف معارك النساء السوريات مع سرطان الثدي عن معارك سواهنّ من المصابات حول العالم. هنّ مضطرات إلى مواجهة المرض الخبيث من جهة، ومن أخرى ما خلّفته الحرب في البلاد من نقص في الخدمات الطبيّة وانحصارها في مدن دون أخرى، الأمر الذي يضطرهنّ إلى التنقّل وسط ظروف أمنيّة صعبة، وكذلك يعانين من نقص في عدد الأطباء ذوي الاختصاص، إذ إنّ كثيرين من هؤلاء تركوا البلاد المأزومة. فضّة وغالية امرأتان سوريّتان تختصران بطريقة أو بأخرى، معاناة مواطناتهما مع المرض.
عندما شعرت فضّة بكتلة غريبة في ثديها الأيمن، لم تعر الأمر أهميّة وقدّرت أن يكون الأمر نتيجة تغيّر هرمونيّ ليس إلا. لكنّ تلك الكتلة بقيت على حالها، لذا قصدت صيدلانيّة تعيش في قريتها لسؤالها عن الأمر، فطلبت الأخيرة منها استشارة طبيب على الفور. وتخبر فضّة وهي في الرابعة والأربعين من عمرها وأمّ لطفلتَين تعيش في قرية صغيرة في ريف حلب، أنّ "الأمر بدأ يقلقني. لم يكن في القرية أيّ طبيب أو مستوصف، وكان لا بدّ لي أن أُطلع زوجي على ذلك. تحدّثت إليه، فرفض التفكير بذلك قائلاً لي إنّني أتوهّم. لكنّه في اليوم التالي، استأجر سيارة فتوجّهنا إلى مدينة أعزاز القريبة لمقابلة طبيب". لم يؤكّد لها الطبيب وجود ورم سرطانيّ أو غيره، لكنّه رجّح "وجود ما يستدعي العلاج". تضيف أنّ "الطبيب طرح أمامنا خيارَين اثنَين للتأكد من حالتي الصحيّة، إمّا التوجّه إلى تركيا أو مناطق النظام. حينها، شعرت بأنّني وقعت في حفرة عميقة مظلمة. عدت إلى المنزل ولم أعد أتكلّم مع زوجي عن الأمر لأيام عدّة. كانت مخاوفي تتضاعف يوماً بعد آخر، حتى قررت مواجهة الحقيقة".
قصدت فضّة مدينة حلب لوحدها بهدف إجراء الفحوصات اللازمة في مشفى حلب الجامعي. وبعد صور الأشعة والخزعات، راحت نتنظر النتائج لتصل من دمشق. حملتها وتوجّهت إلى طبيبها الذي كان ينتظرها عند باب غرفة الاستقبال. تقول: "سألني من يرافقني، فاستشعرت أخباراً سيئة. سألته وأنا أحملق إليه: خبّرني شو طلع معي. فطلب منّي مرافقته، قبل أن يعلمني بوجود ورم خبيث وبأنّه عليّ تجهيز نفسي لعملية جراحية". وخلال أيام، بدأت فضّة رحلة علاج مضنية بعيداً عن طفلتَيها وزوجها. تقول: "لم يستطع زوجي مرافقتي خوفاً من حواجز النظام، ولم أشأ أن تراني طفلتاي منهارة كما كنت حينها. ورحت أشعر بأنّ الموت يقترب منّي وأنا بعيدة عن الصغيرتَين". وخضعت إلى عملية استئصال للثدي، تقول إنّها "شوهّت جسدي وروحي. وقد اضطرت والدتي إلى بيع ما تملك من ذهب لتغطية تكاليف الجراحة. لا أنا ولا زوجي كنّا نملك ربع تكلفتها". استلزم الأمر أسابيع عدّة قبل أن "تبدأ نفسيّتي بالتحسّن تدريجياً. أكثر ما كان يؤلمني هو انفصالي عن عائلتي لتلقّي العلاج. وحين جاءت طفلتاي إليّ، شعرت بأنّني عدت إلى الحياة من جديد. بقاؤهما إلى جانبي منذ ذلك الحين دفعني إلى تحدّي المرض".
بعد عملية الاستئصال، بدأت فضّة علاجاً بالأشعة، لكنّها تشير إلى أنّها "تلقّيت حينها خبراً هزّني. علمت بنيّة زوجي الزواج من جديد. حلّ الخبر عليّ كالصاعقة. كان ثمّة من يحثّه في عائلته على الزواج لإنجاب صبيّ. في البداية لم يكن يعيرهم اهتماماً، لكنّه يبدو أنّ مرضي كان فرصة مثالية لتمرير ذلك. على الرغم من صعوبة الأمر، فإنّني نجحت في تجاوزه. أدركت أنّ الحياة لا تستحق كثيراً أن نقف عند صدمات كهذه، وأن علينا أن نسعد قدر الإمكان". قبل أيام، أنهت فضّة العلاج بالأشعة، معبّرة عن رضاها أكثر من أيّ وقت مضى، عن حياتها. تقول: "انتصرت على السرطان، وبدأتُ أعمل في مجال الدروس الخصوصية للأطفال. كلّ ما أطمح إليه هو عيش حياتي بهدوء مع طفلتَيّ ورؤيتهما تكبران".
من جهتها، تتحدّث غالية وهي مهندسة سوريّة في الثالثة والخمسين من عمرها، نجت من سرطان الثدي، عن معاناتها خلال رحلة علاجها. تقول المرأة التي تعيش في دمشق، إنّ "في داخل كلّ أنثى قوّة كامنة لا تظهر إلا في صعاب كهذه". وتخبر أنّه "قبل عشرة أشهر فقط، خضعت لآخر جلسة علاج. كانت تجربة مليئة بالتفاصيل والعبر، وأهمّ ما يمكن قوله كخلاصة لتجربتي هو أنّ مريضة السرطان لا تحارب السرطان وحده، إنّما انعدام الرعاية الطبية وهشاشتها في بلادنا. للأسف عليك أن تكون شبه مليونير لتحصل على العلاج الجيّد. الجرعات الكيميائية لا تقدّم مجاناً إلا في مشفيَين اثنَين أو في ثلاثة في كل سورية، وعلى المريضة أن تنتظر أحياناً لأشهر عدّة حتى تصل جرعتها. كذلك فإنّ عدد أطباء الأورام في البلاد اليوم معدود، وكلّ واحد منهم يقدّم رأياً مختلفاً عن الآخر حول طريقة العلاج". تضيف: "في تلك المرحلة، شعرت بأنّني فأر تجارب. تعدّدت الآراء وطُلِبَ منّي اتخاذ قرار. لكن، كيف يمكن لمريض أن يعرف الصواب إن كانوا هم غير متأكدين من ذلك؟". فاستشارت غالية حينها ثلاثة أطباء من خارج سورية عبر أقارب لها، أجمعوا على "العلاج الهرموني. وهو ما وفّر عليّ معاناة كبيرة مع العلاج الكيميائي".
بعد سنتَين من المعاناة مع المرض، بدأت حياة غالية تعود إلى طبيعتها. تقول: "أمور صغيرة تنقذنا من مصاعب كبيرة. سرّ بقائي اليوم على قيد الحياة أوّلاً هو وسواسي الدائم حول صحتي الذي كان يجعلني أقوم بالفحص الذاتي شهرياً. والسبب الثاني هو الشجاعة، فالخوف يدفعنا إلى اتخاذ قرارات غير صائبة ويحدّ من قدرتنا على مواجهة تأثيرات العلاج التي تسلب المرأة جزءاً من أنوثتها". وتشير إلى أنّ أصعب موقف عرفته كان "حين تلقّيت نتائج الخزعة. أذكر يومها أنّني خرجت من المشفى وصرت أمشي وحيدة في الشوارع. كانت أصوات القذائف تُسمَع في كلّ مكان، وصرت أفكّر بأنّني لو متّ بقذيفة فإنّ الأمر سوف يكون أرحم بالنسبة إليّ من الموت بالسرطان". تتابع أنّ "أكثر ما أذكره اليوم، هو دخولي إلى غرفة العمليات لاستئصال الورم. لم يكن إلى جانبي سوى زوجي. كنت في حاجة إلى أولادي الثلاثة بشدّة، لكنّهم موزّعون في بلاد اللجوء. أمّا التحدي الأكبر الذي واجهته، فكان تلك التغيّرات التي حدثت لجسدي خلال أسابيع من تشوّه وغيره".